محتوى برامج الأطفال في الإعلام العمومي.. شلفوات: هناك مستوى عال من التنميط وغياب التشجيع على الذكاء المتعدد

يعد محتوى البرامج المخصصة للأطفال في القنوات العمومية من بين المواضيع الأكثر أهمية خاصة من طرف الأسر المغربية من خلال انتقاء البرامج واختيار ما يمكن أن تشكل عاملا من بين محفزات البناء التربوي في مرحلة الطفولة.

ويعرف عدد من البرامج المخصصة للأطفال في الآونة الأخيرة عددا من الانتقادات من قبل الجمهور خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، لتضمنها محتويات لمواضيع خاصة بالكبار وتضمنها لعبارات خادشة للحياء رغم أن هذه البرامج موجهة بالدرجة الأولى للأطفال.

كما يطرح سؤال المحتوى في القنوات العمومية نفسه ومدى جودته وتقديمه مضمونا قد يسهم في البناء الفكري والتربوي للناشئة في ظل الثورة التي يعرفها العالم في المحتوى الرقمي على الخصوص مما جعل عددا كبيرا من الجمهور يهاجر إلى الفضاء الرقمي حيث يجد فيه ضالته على عكس الإعلام العمومي الذي لم يستطع على الأقل حاليا التأقلم مع التطور السريع الذي يعرفه المحتوى والمضمون الرقميين.

ولمعالجة هذا الموضوع حاول موقع “الإصلاح” طرح عدد من الأسئلة في هذا الإطار على الباحث في الإعلام والتواصل عبد الرحيم شلفوات، عن أهم التحديات التي يواجهها الإعلام العمومي وتقييم البرامج الخاصة بالأطفال بالقنوات التلفزية العمومية ودور مختلف المتدخلين في الرقابة على هذه البرامج وتطويرها وتجويدها وجعلها في خدمة النهوض المعرفي والفكري والتربوي للأطفال الناشئين.

تحديات الإعلام العمومي في بداية العشرية الثالثة من القرن 21

يرى الباحث في الإعلام والتواصل عبد الرحيم شلفوات أن الإعلام العمومي اليوم في القرن 21 ونحن ندخل لبداية العشرية الثالثة منه يواجه عددا من التحديات خصوصا منها التحدي الرقمي، والذي جعل المنتوج الموجه إلى الناس وإمكانات التواصل والولوج لمحتوى متنوع مختلف في المستوى، وقد يكون فيه الجيد والرديء وقد يكون فيه الصالح والطالح، وقد يكون فيه أيضا الذي يبني شخصية المواطن ويوعي المواطن بأدواره وحقوقه بما في ذلك الجمهور الناشئ.

ويشير شلفوات إلى أن التحدي الرقمي يطرح نفسه بحدة على الإعلام العمومي، وهذا التحدي الرقمي أعطى مؤشرا مهما وهو أن المتلقين والجمهور بصفة عامة يهجرون الإعلام العمومي. ربما في ظل ظروف الجائحة عاد عدد من الناس إلى الإعلام العمومي بحثا عن الأخبار خصوصا في البدايات، لكن بعد ذلك حينما أصبحت الأخبار تنشر من طرف منابر كثيرة، لذلك من المتوقع أنه حتى الجمهور الذي عاد إلى الإعلام العمومي رجع إلى الفضاءات التي وجد فيها من المعطيات المتنوعة والأخبار الكثيرة.

وينبه الباحث في الدراسات الإعلامية إلى أن الإعلام العمومي وهو يطرح عليه هذا التحدي المفروض أنه يكون في مستوى التنافسية وفي مستوى أن يطرح ويقدم برامج تنافس ما هو موجود في الفضاء الرقمي الشاسع والواسع وهذا ليس بالأمر الهين.

هل الإعلام العمومي يفكر بمنطق التنافسية؟

ويتساءل شلفوات هل الإعلام العمومي يفكر أصلا بمنطق التنافسية مع الفضاء الرقمي؟ خصوصا مع وجود ما أسماه بالفيضان والمحيط من المعطيات والمعلومات والبرامج والمواد المرئية والمواد المسموعة والمواقع الخاصة بهذه المواد ومختلف المنابر المطروحة الآن والموجهة للجميع يستطيع تقديمها لمختلف الفئات بحرفية بمهنية وبمستوى عال من التقنية؟

ويلفت خريج معهد أنبورغ أوكسفورد للسياسة الإعلامية إلى أن الإعلام العمومي إن كان يفكر بمنطق التنافسية مع الفضاء الرقمي الذي يطرح عليه تحديات منها الجودة والإقبال والجاذبية وأن يكون سندا للمواطنين ولمختلف الفئات في المجتمع وسندا للمجتمع عموما في استيعاب التحدي الإعلامي اليوم وفي استيعاب عدد من التحديات المجتمعية وفي الرقي بالذوق والفكر وبالاحساس العمومي المفروض أن تكون برامجه أفضل مما هي موجودة اليوم بما في ذلك برامج الأطفال.

هناك نمطية في برامج الإعلام العمومي الموجهة للأطفال بشكل خاص

وعن البرامج المخصصة للأطفال بالإعلام العمومي؛ ينبه شلفوات أنه بمجرد القيام بجولة في برامج الأطفال التي تعرض على القنوات العمومية اليوم سيلاحظ أن فيها تغييرات في الشكل مقارنة مع بدايات الإعلام العمومي في المغرب ومع القنوات التلفزية على وجه الخصوص، كما أن هناك نمطية في البرامج الموجهة للناشئة وهذه النمطية ليست فقط في المواد والتنشيط وفي المواضيع بل أيضا على مستوى العنف الذي تتضمنه وبالضبط العنف اللفظي سواء عنف مباشر أو عنف جسدي ومرئي أو عنف على الأطفال كمتلقين وذلك خلال طبيعة القضايا التي تطرح.

ويستشهد المتحدث في هذا الإطار بالبرنامج الذي أثار ضجة مؤخرا على القناة الثانية والمخصص للأطفال معتبرا أنه لا يختلف عما يعرض على القناة الثانية كبرامج موجهة للناشئة ولا من خلال القناة الاذاعية الاولى وحتى باقي القنوات.

ويذهب شلفوات إلى أن هناك مستوى عال من التنميط والبرامج النمطية في المواد المقدمة وفي مستوى العنف بأنواعه سواء كان عنفا لفظيا أو جسديا أو مرئيا أو إيحاءات ذات طبيعة جنسية وذات طبيعة تتطرق لمواضيع الكبار.

ويتابع الباحث بالمركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة في حديثه أن التطرق هذه البرامج النمطية يتم توجيهها للصغار للاتجاه نحو بناء علاقات من خلال التشجيع على نوع واحد من الذكاء وهي قضية مهمة وهي أن برامج الأطفال في الإعلام العمومي المغربي لا تشجع على الذكاء وتنميته عند الطفل الذي سيصبح في المستقبل أحد العناصر داخل المجتمع فقد يكون عنصر بناء أو عنصر هدم وقد يكون المتلقين أو المشاركين في المسؤولية مستقبلا، متسائلا كيف سنهيئهم الآن للمستقبل.

ويحذر شلفوات في هذا السياق من عدم تحمل الاعلام العمومي الموجه للطفل مسؤوليته في العهد الرقمي بل أكثر من هذا ما زال وفيا لنمطيته التي انطلق بها منذ بداية الاعلام العمومي، معتبرا أنه نمطي في مضمونه ولا يدعم المجتمع بما في ذلك الجمهور الناشئ للتعامل السليم مع الفضاء الرقمي وتحديات وإمكانات وفرص العهد الرقمي.

محتوى لا يشجع على الذكاء المتعدد المعتمد في مجال التربية والتعليم

يخلص شلفوات أن البرامج الموجهة للأطفال في الإعلام العمومي لا تشجع على مختلف الذكاءات المعتمدة في مجال التربية والتعليم. لكن من الممكن أن يتم تشجيع مختلف الذكاءات وممكن أن يكون الإعلام العمومي مدخلا للتشجيع وللتربية على مختلف الذكاءات.

ويوضح الباحث في السياسة الإعلامية أن الذكاء ليس نوع واحد وإنما هناك عدة أنواع من الذكاءات حسب نظرية الذكاءات المتعددة التي يقول بها هاورد غارنر، بحيث أن الناس مختلفون فهناك من لديهم ذكاء بدني_جسدي_حركي، وهناك من لديهم ذكاء عاطفي ومن لديهم ذكاء رياضياتي وذكاء فيزيائي، وذكاء علمي وهناك من لديهم ذكاء أدبي في الفنون والشعر والكتابة في العلاقة بالكتاب، وغيرهم من الذكاءات.

ويضيف المتحدث كما أن هناك حديثا اليوم عن “الذكاء البيئي في البيئة والعناية بجودة الهواء والفضاء الأخضر وهناك ذكاء في علاقة مع الحيوانات من طيور وباقي المخلوقات في الأرض، وقد نتحدث أيضا عن الذكاء المعماري، وليس للجميع القدرة على تذوق المعمار والإبداع فيه”.

ويتأسف شلفوات من تشجيع الإعلام العمومي على نوع واحد من الذكاءات وهو الذكاء الفني بحيث يراد للجميع أن يصبح فنانا أو مغنيا ويحفظ الأناشيد والأغاني ويرددهم بما فيها أغاني الكبار التي تحمل إيحاءات فيها قضايا خاصة الكبار، وياليت التشجيع كان على أغاني تحمل قضايا ذات طابع وطني أو أخلاقي وقيمي.

برامج تربوية وقيمية: الصغار يحتاجون أن نتحدث إليهم بقضايا الصغار

ويرى مسؤول قسم الإعلام المركزي لحركة التوحيد والإصلاح أنه حتى في المجالات الدينية والقيمية والأخلاقية والتربوية ليس مع فكرة الحديث إلى الصغار بمنطق قضايا الكبار، وهذا منافي حتى للدين والتربية ولمناهج التربية المعتمدة في مختلف المجالات، حيث أن الصغار يحتاجون إلى أن نتحدث إليهم بقضايا الصغار.

ويؤكد شلفوات أنه لتربية الأطفال وتهيئتهم للمستقبل؛ الأولى فيها هو التوجه إليهم بمستوى يفهمونه من قضايا وطنية وتاريخية وفيها نوع من السياسة العامة وقضايا خاصة بالذكاء والعلوم واللغة، فلا توجد برامج تشجع على الذكاء اللغوي وعلى التفوق اللغوي وعلى العطاء في المجال اللغوي.

ويتأسف شلفوات مما يشهده الإعلام العمومي من التشجيع على نوع واحد من الذكاءات، أو بالأحرى على مجال واحد وهو المجال الفني الذي يقتصر على حفظ الأغاني وترديدها والتعاطي معها بالرقص، مما سيبني شخصية مهزوزة تعتمد في كل شيء على الأغاني بحيث أن هذا لا يمكن أن يبني لنا مواطنا قويا وصلب الشكيمة في المجالات الفكرية واللغوية والعلمية والإبداعية.

الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى