ماذا بقي من رمضان وزكاة الفطر والعيد

الحمد لله حمدا كثيرا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى لآله وصحابته الأخيار أما بعد

أولا: الوداع لرمضان هذه آخر جمعة من رمضان الشهر الذي أحببناه، وكان ضيفا غير ثقيل علينا، وها هو قد بدأ يجمع الرحيل ليغادرنا، على أمل اللقاء في سنوات مقبلة إن أطال الله العمر. فكيف ستودعون ضيفكم؟ وهلا بكيتم لفراقه، وهل طلبتم بقاء بعض ما يذكركم به معكم؟

لقد كساكم الضيف الكريم حللا نادرة وجميلة، فاحرصوا على التزين بها، والخروج بها للناس، حتى تكونوا كما جاء في الحديث: كأنكم شامة بين الناس. واحذروا رحمكم الله من اللصوص  والحساد الذين لا يريدون لكم هذه الأصالة وهذا العمق ممن يغيظهم إقبالكم على لمساجد، وخشوعكم فيها، وقد يزعمون أن ذلك مجرد نفاق وأنها موجة عابرة وستعود الأمور إلى سالف عهدها، شعارهم ما قال الله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ } [البقرة: 109]

فاحذروا رحمكم الله من خلع لباس التقوى الذي تزينتم به طيلة رمضان، وأروهم من أنفسكم خيرا، وأنكم شعب مؤمن متدين، قد تترسب عليه بعض مظاهر الانحلال والتقصير لكنه سرعان ما يعود لباطنه ولحقيقته . ولجوهره في التمسك بدينه وبقيم.  قال الله تعالى: { يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } [الأعراف: 26، 27]. إنه  لباس التقوى فاحذروا رحمكم الله من أن يعريكم الشيطان منه، ويًظهر سواءاتكم للعالمين دونه..

ثانيا: عباد الله حدثكم في الجمعة الماضية عن نهاية السباق، ولاشك أنكم شمرتم قصد الفوز بليلة الليالي، ولازالت بعض الساعات أمامكم لتواصلوا السباق، فإذا كانت الليلة المباركة قد مضت فأملنا في الله أن نكون ممن سعد بإدراكها وإحصائها، وإن كان الذي نطلب أمامنا فلم يبق لنا إلا القليل هذه الليلة وليلة الغد السابع والعشرين والتي تليها والتي تليها، فاحرصوا رحمكم الله على مواصلة الجد والتشمير، ونوعوا من الطاعات والقربات في هذه الليالي، وزاوجوا بين القيام والذكر والقرآن، وبين صلة الرحم والصدقات والكلام الطيب،  والدعاء للمرابطين على أكناف بيت المقدس….

وعلموا رحمكم الله أن الجائزة بأخذها العبد عند إتمام عمله . روى أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَتْ أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ فِي رَمَضَانَ لَمْ تُعْطَهَا أُمَّةٌ قَبْلَهُمْ … وَيُغْفَرُ لَهُمْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ قَالَ لَا وَلَكِنَّ الْعَامِلَ إِنَّمَا يُوَفَّى أَجْرَهُ إِذَا قَضَى عَمَلَهُ

ثالثا: عباد الله شرع الله لكم عند نهاية رمضان أن تخرجوا زكاة الفطر  التي جعلها الله تعالى طهرة للصائمين من الرفث وغيره، وطعمة للمساكين. روى ابو داوود وابن ماجه وصححه الحاكم عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: – فَرَضَ رَسُولُ اَللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – زَكَاةَ اَلْفِطْرِ; طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اَللَّغْوِ, وَالرَّفَثِ, وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ, فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ اَلصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ, وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ اَلصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ اَلصَّدَقَاتِ. يخرجها الفرد عن نفسه  وعمن تلزمه نفقته من الأهل والأبناء ولو كانوا صغارا، ويخرجها من عنده قوت يومه وليلته.  وقدرها كما ورد في الصحيح صاع من تمر أو من شعير…وهو تقريبا 2,5 كلغرام يخرجها الفرد من وسط قوت بلده وقد حددها المجلس العلمي الأعلى  في 15  درهم تقريبا وأجاز إخراج القيمة التي تقدر بمعدل القوت . وفي هذا السياق أوْردَ العلامة القرطبي المالكي عند تفسيره لآية مصارف الزكاة، وفي معرض استفادة جواز أخذ القيمة في زكاة الأموال من بعض الأحاديث عند من يقول بذلك، حديث: “أَغنوهم عن السؤال في هذا اليوم” يعني يوم الفطر، وذكر المراد منه، فقال: (وإنما أراد أن يغنوا بما يسد حاجتهم، فأَي شيء سد حاجتهم جاز)إهـ. وقد ثبت عن بعض الصحابة أنهم كانوا يخرجونها من التمر وهو أعلى قيمة من القمح ومن الشعير…

كسوة العيد وبعض حاجياته 

عباد الله أما عن مقاصد الزكاة فهي متعددة، أولها مقصد طهارة المسلم من رذيلة البخل والشح، وتزكية نفسه بالبذل والعطاء. قال الله تعالى : {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]. فالبخل هو أساس كل رذيلة، وهو المانع من نصرة الدين، قال الله تعالى: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38]. وإنها وسيلة لإشاعة التكافل بين أهل البلد لو أحسنا جمعها وتوزيعها. إننا لو قدرنا شنخرج 10 دراهم، وكان عدد سكان المغرب من المسلمين هو 30 مليون فهذا يعني أن القدر المالي لزكاة الفطرهو 300 مليون درهم أي 3 ملايير سنتيم، وهو مبلغ كبير لو أحسنا التصرف فيه… روي في الصحيح عن  النعمان بن بشير – رضي الله عنهما – : قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم : مثلُ الجسد ، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى».

وَقَالَ اَلنَّبِيُّ  :”مَنْ سَأَلَ اَلنَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا, فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ” رَوَاهُ مُسْلِمٌ 

خطبة2: الاستعداد للعيد وللجائزة عباد الله أمامنا أيام مباركات وجب التنبيه عليها باختصار:

  • الاستعداد لليلة الوداع وأخذ الجائزة قال ابن رجب في لطائفه عند الفراق : يا شهر رمضان ترفّق ، دموع المحبين تدفّق ، قلوبهم من ألم الفراق تشقّق، عسى وقفة للوداع تطفيء من نار الشوق ما أحرق ، عسى ساعة توبة وإقلاع ترقع من الصيام ما تخرّق ، عسى منقطع من ركب المقبولين يلحق ، عسى أسير الأوزار يُطلق ، عسى من استوجب النار يُعتق، عسى رحمة المولى لها العاصي يوفق. وإخراج الزكاة قبل يوم العيد بيومين أو ثلاث وهي تجب لكل من ولد قبل ليلة العيد.
  • الاستعداد للعيد : صلاة العيد من السنن المؤكدة التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بأن يخرج لها الكبار و الصغار حتى المرأة الحائض تخرج لشهود الخير ودعوة المسلمين ،: روى البخاري عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْحُيَّضَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ عَنْ مُصَلَّاهُنَّ قَالَتْ امْرَأَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَانَا لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌ قَالَ لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا . قال بن حبيب من علماء المالكية : وصلاة العيد تجب على النساء و العبيد و المسافرين وقد روي عن إمامنا مالك أنه قال : و لا أحب أن يسافر أحد حتى يصليها  

 ومن أداب و أحكام العيد ما يلي :

– تحريم  صوم يوم العيد؛ لما رواه البخاري عن عمر رضي الله عنه أنه صلى قبل الخطبة ثم خطب الناس فقال: “يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاكم عن صيام هذين العيدين، أما أحدهما فيوم فطركم من صيامكم، وأما الآخر فيوم تأكلون نُسُككم”.

–  يستحب الإكثار من التكبير في ليلة العيد؛ لقوله تعالى: {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم} ، وهذا في عيد الفطر، والتكبير فيه يكون من غروب شمس آخر يوم من رمضان، ويستمر حتى صلاة العيد، ويكون عامًّا في الأماكن كلها، …

– ويُستحب الاغتسال للعيد والتنظف له، وقد ثبت هذا عن ابن عمر رضي الله عنهما من فعله، ويُستحب كذلك لبس أفضل الثياب؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما على أحدكم إن وجدتم أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته” رواه أبو داود .

– عدم الخروج إلى العيد حتى يأكل تمرات لما رواه البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ.. وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا. البخاري 953.

– ومن السنة أن يخرج إلى العيد من طريق ويعود من غيره؛ لفعله صلى الله عليه وسلم فيما رواه جابر رضي الله عنه قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق” رواه البخاري.

– ولا بأس بالتهنئة في العيد، كأن يقول لمن لقيه: تقبَّل الله منا ومنكم، وأعاده الله علي وعليك بالخير والبركة، وعيدكم مبارك، ونحو ذلك؛ لحديث أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه أنهم كانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك.

– ويُستحب إظهار الفرح والسرور والبشاشة في وجه إخوانه وكل من يلقاه من المسلمين. ولا بأس باللعب واللهو المباح وفعل كل ما يُدخل البهجة في النفوس.

 – الحرص على صلة الرحم و التغافر في هذا اليوم المشهود …

3- صيام ست من شوال: وهي الخيرات التي ينبغي الحرص عليها دون مباهاة ولا افتخار. وقد صح عن النبي عليه السلام فيما رواه مسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه قال : «مَنْ صَام رمضانَ وأتْبَعَهُ بِستّ من شَوَّال كان كصيامِ الدَّهْرِ »..

الدكتور الحسين الموس / خطبة الجمعة (2019)، تحيين بتاريخ 7 ماي 2021

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى