فضل الصيام في شهر شعبان

الصيام عبادة عظيمة جليلة يظهر فيها الإخلاص، جعل الله أجره عليه: جاء في الحديث القدسي يقول الله عز وجل: (كل عمل أبن آدم له إلا الصيام لي وأنا أجزي به)؛ وجعله النبي سبباً في تكفير الذنوب والخطايا فقال: (فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفّرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) رواه الترمذي.

وقال مرغباً فيه: (في الجنة باب يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد).

ولقد كان رسول الله يخص بعض الأيام والشهور بالصيام لميزتها على غيرها، ومن ذلك تخصيص شهر شعبان بهذه العبادة.. روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم الأيام، يسرد حتى يُقال: لا يُفطر، ويُفطر الأيام حتى لا يكاد أن يصوم، إلا يومين من الجمعة إن كان في صيامه، وإلا صامهما، ولم يكن يصوم شهر من الشهور ما يصوم من شعبان، فقلت: يا رسول الله! إنك تصوم لا تكاد أن تفطر، وتفطر حتى لا تكاد أن تصوم، إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما، قال: “أَيُّ يَوْمَيْنِ؟” قلت: يوم الاثنين، ويوم الخميس، قال: “ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ وَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ”، قلت: ولم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: “ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى ربِّ العَالَمِينَ ﮎ، فَأُحِبُّ أنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ”.

لقد تضمن هذا الحديث ذكر صيام النبي صلى الله عليه وسلم من جميع السنة، وصيامه من أيام الأسبوع، وصيامه من شهور السنة، فأما صيام النبي صلى الله عليه وسلم من السنة فكاد يسرد الصيام أحيانا، والفطر أحيانا، فيصوم حتى يُقال: لا يُفطر، ويفطر حتى يُقال: لا يصوم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينكر على من يصوم الدهر، ولا يفطر منه، ويخبر عن نفسه أنه لا يفعل ذلك.

وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله: لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: (ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) [رواه النسائي].

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله يصوم ولا يفطر حتى نقول: ما في نفس رسول الله أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم حتى نقول: ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان، [رواه الإمام أحمد].

وتقول أم سلمة رضي الله عنها: ما رأيت رسول الله يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان. ومرادها: أكثر الشهر، قال ابن المبارك: “هو جائز في كلام العرب، إذا صام أكثر الشهر أن يقال: صام الشهر كله”، قال ابن حجر رحمه الله: “كان صيامه في شعبان تطوعا أكثر من صيامه فيما سواه، وكان يصوم معظم شعبان”.

وقد رجح طائفة من العلماء – منهم ابن المبارك- وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شعبان، وإنما كان يصوم أكثره.

إن صيام شعبان أفضل من الصيام في غيره من الشهور كصيام شهر المحرم الذي هو أفضل الصيام بعد رمضان؛ لأن أفضل التطوع بالصيام ما كان قريبا من صيام فرض رمضان قبله أو بعده، لأنه يلتحق بصيام رمضان لقربه منه، فيكون لصيام رمضان بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فصوم شعبان كالقبلية لرمضان، وصيام الست من شوال كالبعدية لرمضان، فالسنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالنسبة للصلاة، فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وما بعده أفضل من الصيام المطلق الذي لا يتصل به.

إقرأ أيضا: شعبان وتعاون أهل البيت على الطاعات

وقال ابن رجب رحمه الله: “قيل في صوم شعبان: إن صيامه كالتمرين على صيام رمضان؛ لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط”.

ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القران، ليحصل التأهب لتلقي رمضان وتتروض النفوس بذلك على طاعة الرحمن، ولهذه المعاني المتقدمة وغيرها كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يكثر من الصيام في هذا الشهر المبارك، ويغتنم وقت غفلة الناس وهو من هو رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، هو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر..

وفي قوله صلى الله عليه وسلم: “يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ”. إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان، أو الأماكن، أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه، إما مطلقا أو لخصوصيةٍ فيه لا يتفطن لها أكثر الناس، فيشتغلون بالمشهور عنه ويفوتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم.

وفيه دلالة ظاهرة على فضيلة العمل في وقت غفلة الناس لأنه أشق على النفوس، وأفضل الأعمال أشقها على النفوس، ولا شك أن النفوس تتأسى بما تشاهده من أحوال أبناء الجنس، فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم، كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين لهم، فسهلت الطاعات، أما إذا لم يكن ثم معين صعبة لطاعة على النفس وصار أجرها أعظم.

وقد قيل أن من فوائد صيام شهر شعبان: أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان، لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد لصيام شعبان حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط، ولمَّا كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان، وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمان.

فصوموا شعبان تطوعا حتى ينتصف الشهر فقط فإذا انتصف فلا تصوموا حتى يكون رمضان لقوله صلى الله عليه وسلم ” إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى يكون رمضان” رواه أحمد وأهل السنن، أما من كان له صوم يصومه كمن يصوم الإثنين والخميس أو يصوم يوما ويفطر يوما فإنه يشرع له أن يصوم حتى بعد انتصاف شعبان لقوله صلى الله عليه وسلم: (أحصوا هلال شعبان لرمضان ولا تخلطوا برمضان إلا أن يوافق ذلك صياما كان يصومه أحدكم).

الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى