بوعلي: الوضع اللغوي بالإدارة المغربية وخارجها يتسم بالفوضى مما مكن للفرنسية من افتراس الألسن الوطنية (حوار)

يشكل حضور اللغات الوطنية في الفضاء العمومي والمؤسساتي لا سيما في تواصلها وتعاملاتها الإدارية مع المواطنين المغاربة ضرورة تشريعية خاصة بعد دستور 2011، لكن في المقابل، وحسب عدد من المتتبعين في الشأن اللغوي مازالت تهيمن اللغة الفرنسية أو تزاحم في تداولها فعليا اللغات الرسمية للبلاد، رغم أنها ليست لغة وطنية ولا دستورية بل في حالات كثيرة أفضل وضعية من اللغة الأمازيغية رغم أنها لغة وطنية دستورية، أو في حالات أخرى استعمال الفرنسية كلغة وحيدة في عدد من المؤسسات العمومية سواء في التواصل أو الوثائق الإدارية مما يعد خرقا واضحا للدستور.

واتجه المدافعون عن اللغة العربية في هذا الإطار نحو خوض عدد من الأشكال من المواجهة اتسمت في عدد منها بالقانونية ضد تغلغل اللغة الفرنسية في الإدارات العمومية، من بين ذلك المنشور الذي أصدرته هيئة المحامين بالرباط دعت فيه المحامين والمحاميات إلى رفض كل وثيقة محررة باللغة الفرنسية مدلى بها أمام أي محكمة، والمطالبة بترجمتها إلى اللغة العربية تحت طائل اعتباره باطلا وغير منتج في النازلة.

هذه الخطوة اعتبرها الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية “انتصارا جديدا للإرادة الشعبية الوطنية التي اعتبرت على الدوام اللغة العربية لغة رسمية وجب إعطاؤها مكانتها الطبيعية في التداول الرسمي والإداري والتربوي”، مضيفا في بيان له أن المنشور “انتصار للسيادة والأمن اللغويين للمغاربة”.

ولمعالجة هذا الموضوع طرح موقع “الإصلاح” على الدكتور فؤاد بوعلي؛ رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، ثلاثة أسئلة حول تشخيصه لهذا المسلك والإجراءات الممكن اتخاذها من طرف المواطنين وفعاليات المجتمع المدني لدفع هذه المؤسسات لاحترام دستورية اللغات الوطنية وعدد من الرسائل الموجهة للجهات الرسمية للحيلولة دون استخدام لغات غير دستورية وغير وطنية في المعاملات الإدارية والتواصل مع المواطنين.

السؤال 1: يلاحظ في عدد من المؤسسات بالمغرب استخدامها للغة الفرنسية بدل اللغة العربية أو الأمازيغية في تواصلها ومعاملاتها الإدارية مع المواطنين. ما تشخيصكم لهذا السلوك؟

في قراءة الواقع التداولي للغات المنصوص عليها في النص الدستوري داخل الإدارة المغربية والمرفق العمومي يمكننا التأكيد أن واقع الحال ينبئ عن هيمنة للغة الفرنسية في التواصل بين الإدارات أو مع المواطنين. فبالرغم من النصوص الدستورية والمراسيم الوزارية والمناشير التي توالى رؤساء الحكومات المتعاقبة على إصدارها لإجبار المسؤولين على الإدارة التواصل بلغة الضاد فإن السائد هو التعامل باللغة الأجنبية.  فقد كان من المفروض أن يتسع المد بالظهير الشريف الصادر في 26 يناير 1965 الذي وحدت بمقتضاه المحاكم وباتت بفضله اللغة العربية وحدها لغة التداول والترافع والأحكام، ليشمل التعريب المناحي الأخرى للحياة العامة. لكن بالرغم من تفنن رؤساء الحكومة المغربية المتوالين في إصدار المراسيم لدفع الإدارة إلى اعتماد اللغة العربية وحدها في التعامل داخلها ومع المواطنين، لم تستطع إحداث التغيير المطلوب. وتفسير هذه الحالة الغريبة يمر عبر مستويات عديدة منها ما هو سيادي يرتبط بقدرة الدولة على حماية لغتها الوطنية والرسمية، ومنها ما هو حقوقي يرتبط بحق المواطن في لغته كحق من حقوقه الطبيعية، ومنها ما يتعلق بطبيعة النخبة المتسيدة للإدارة الوطنية ذات التكوين الفرنكفوني، وترجع المسارات كلها إلى غياب سياسة لغوية واضحة المعالم والإجراءات. حيث السمة المميزة للوضع اللغوي في المغرب، داخل الإدارة وخارجها، هو الفوضى اللغوية التي تصل حد التجاذب والصراع مما يمكن الفرنسية من التَسَيُدِ وافتراس الألسن الوطنية.

السؤال 2: ما الإجراءات التي يمكن اتخاذها من طرف المواطنين وفعاليات المجتمع المدني لدفع هذه المؤسسات محو احترام اللغات الدستورية للبلاد باعتباركم رئيسا لائتلاف وطني يعنى بالدفاع عن اللغة العربية؟

بالطبع، حين تَغِيب الدولة عن تدبير الشأن الهوياتي واللغوي فعلى المجتمع أن يقوم بالدور اللازم لحماية هويته وانتمائه. فحين قرر المغاربة التصويت على الدستور بصياغته التعددية كانت الغاية أمنية تتعلق بحماية الهوية المهددة بالافتراس اللغوي، واستشرافية تروم بناء براديغم وطني خاص يجعل اللغتين الوطنيتين هي آليات التواصل الرسمي داخل الإدارة والتعليم والإعلام والفضاء العام. لكن العكس هو ما حدث. لذا فمقاومة واقع الفوضى الذي يراد التطبيع معه اتخذنا على صعيد الائتلاف العديد من المبادرات كان آخرها إنشا ء المرصد الوطني للغة العربية لمتابعة الاختلالات المتعددة التي تمس رسمية العربية، قبل الانتقال إلى الإجراءات الأخرى من مراسلة الجهات المسؤولة وإصدار المذكرات والبلاغات المختلفة من خلال تنبيه الوزارات والمؤسسات الحكومية إلى استمرار هيمنة اللغة الفرنسية على مراسلاتها اليومية وعلى شروط الولوج إلى الوظائف والمناصب والبوابات الإلكترونية تتحدث بلغة موليير مما يشكل خرقا سافرا لانضباطها للنص الدستوري. كما لا ينبغي إغفال المسار القانوني من خلال متابعة المؤسسات التي تراسل المواطنين باللغة الأجنبية، وتمثل تجربة النقيب عبد الرحمان بنعمرو خير الأمثلة في احتجاجه القضائي على المراسلات باللغة الأجنبية.

السؤال 3: ما هي الرسائل التي يمكن توجيهها للجهات الرسمية للحيلولة دون استخدام لغات غير دستورية في التواصل والمعاملات خاصة منها الإدارية من قبل مختلف المؤسسات مع المواطنين المغاربة؟

ما يمكن قوله في هذا الإطار أن رسمية اللغة لا تعني كتابتها في نص الدستور فحسب، أو في الوثائق القانونية، ولكن المقصود هو وجوب استعمالها في الإدارات والمؤسسات العمومية سواء داخليا أو في علاقتها مع المواطنين . لذا يجب على المسؤولين الاقتناع أولا بدور اللغة في السيادة والأمن الوطنيين لأن النقاش الهوياتي لم يعد على هامش النقاش العمومي.  لذا فاستعمال العربية ليس آلية تواصلية فقط بل هو جزء من التعبير عن الانتماء وحماية الذات.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى