أول منتدى سنوي يجمع باحثين من مختلف أنحاء العالم لدراسة أبعاد القضية الفلسطينية وآفاقها
ناقش باحثون من محتلف أنحاء العالم دراسات وأبحاثا متعلقة بالقضية الفلسطينية في العاصمة القطرية الدوحة خلال أعمال الدورة الأولى للمنتدى السنوي لفلسطين التي نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالتعاون مع مؤسسة الدراسات الفلسطينية خلال الفترة 28–30 يناير 2023.
وانتظمت هذه الدورة في محور بحثي عام، قدم فيه باحثون فلسطينيون وغير فلسطينيين من أنحاء العالم أبحاثا متعلقة بفلسطين وتاريخها، والقضية الفلسطينية، ونظام الأبارتايد والاستعمار الاستيطاني، وفلسطين في العلاقات العربية، وفلسطين في العلاقات الدولية، وغيرها من القضايا ذات الصلة.
وإلى جانب عرض 62 ورقة علمية محكّمة في 17 جلسة، ضم المنتدى ست ورشات عمل عامة شارك فيها عدد من الأكاديميين والناشطين السياسيين والصحافيين البارزين، إضافة إلى إطلاق ثلاثة مواقع تفاعلية حول القضية الفلسطينية، هي: موقع “ذاكرة فلسطين“، وموقع “القدس: القصة كاملة“، وموقع “الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية” PalQuest. كما تزامن مع المنتدى أعمال ندوة دورية أسطور “الكتابة التاريخية في فلسطين” التي قدّم فيها 16 باحثًا وباحثة أوراقهم البحثية.
الاستعمار الاستيطاني في فلسطين: قضايا الجندر والتطهير العرقي واللغوي
عُقدت الجلسة الخامسة للمنتدى في ثلاثة مسارات فرعية متوازية. ترأست “آيات حمدان” المسار الأول بعنوان “الاستعمار الاستيطاني والتطهير العرقي واللغوي”، وشارك فيها ثلاثة باحثين. درس “نزار أيوب” في ورقته سياسة التطهير العرقي الممنهج وعلاقتها بتعزيز منظومة الفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني (الإسرائيلي)، من حيث إنها تُبقي على أغلبية سكانية يهودية مهيمنة في فلسطين عموما، وفي القدس خصوصا.
وفي السياق ذاته، عرضت “لينا أوبرماير” سياسات إسرائيل المُتمثّلة في الإقعاد والإيهان المتعمدين خلال مسيرة العودة الكبرى في غزة (مارس 2018-دجنبر2019)، والتي تسببت بإصابات وإعطابات جماعية عن سابق إصرار، منوهة بأنه يجب النظر إلى هذه السياسات بوصفها جزءا من منطق التصفية الاستعماري الاستيطاني (الإسرائيلي). أما “ساول ج. تاكاهاشي”، فتناولت وجوب الاعتراف بحق الفلسطينيين الذين يحملون جنسية الاحتلال (فلسطينيو الـ 48) في أن يتحدثوا باللغة العربية في تعاملهم مع الكيان، وهذا حق معترف به بصفته حقا أساسيا لحماية جميع حقوق الإنسان الأخرى.
وفي مسار “حالات فلسطينية من منظور الجندر”، الذي ترأسته “فردوس العيسى”، فقدمت فيه أربع باحثات أوراقهن. ركزت “ها باو نجان دونغ” على فريق سباق السيارات “الأخوات السريعات” في فلسطين، وجادلت بأن الرياضة والسرعة والحركة تولّد فضاءات عاطفية محددة الطبقات للمقاومة، وبناء الجماعة وسط التفتيت الاستعماري للنسيج الاجتماعي والجغرافيا والسياسة الفلسطينية.
في حين سعت “كميليا إبراهيم-دويري” لتحليل خطاب العزّاب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر في ظلّ المنظومة “البطريركية” السائدة في المجتمع، مدعية أن حالة العزوبية ترتبط بواقع الاضطهاد القومي والتمييز العنصري.
أما “سهاد ظاهر”-“ناشف وعرين هواري” فتوصلتا في ورقتهما المشتركة، من خلال دراسة التجربة المعيشية للنساء الفلسطينيات من المناطق المحتلة عام 1967 المتزوجات والمقيمات داخل “الخط الأخضر”، أن النساء يجدن دعما معنويا وماديا من الأزواج وعائلاتهم، وهن غالبا زوجات وحيدات، ولكنهن، في الوقت ذاته، يواجهن صعوبات سياسية تحرمهن حقوقا أساسية في الصحة والتعليم، وصعوبات مجتمعية تكرس شعورهن بالغربة.
وعقد المسار الأخير للجلسة الخامسة، الذي ترأسه عصام نصار، بعنوان “فلسطين: جوانب تاريخية”، وشارك فيه ثلاثة باحثين. هدف “محمد مرقطن” في ورقته إلى عرض بعض جوانب علم الآثار الاستعماري بما فيه علم الآثار التوراتية التي شكلت مقولاته الركيزة الأساسية للرواية الصهيونية.
وحاول “بلال شلش” مراجعة مخرجات مشاريع الرواية الشفوية بحثا عن انعكاس حضور التأريخ العسكري للحرب في هذه الروايات الشفوية، مستنتجا أن الروايات الشفوية المسندة لهذا الصنف من التأريخ بقيت محدودة. أما “محمد عثمانلي”، فبحث في ورقته ماهية القضية الفلسطينية في ذهنية البيروقراطية العثمانية المركزية، من خلال أحد أهم أسبابها المتشكلة عبر الهجرة اليهودية السياسية الأولى إلى الأراضي الفلسطينية بوصفها هجرة سياسية مقصودة.
فلسطين في مرآة البيئة والخطاب الأدبي
عقدت الجلسة السادسة للمؤتمر في مسارين فرعيين متوازيين. في المسار الذي ترأسه محمد أبو زينة “الاستعمار الاستيطاني والتأثير في البيئة والزراعة في فلسطين”، بحثت “خلود العجارمة” كيف زرع المزارعون الفلسطينيون التبغ آلية للمطالبة بملكية أراضيهم في مواجهة السياسات الاستعمارية (الإسرائيلية) المتواصلة وشكلا من أشكال مقاومة الاحتلال (الإسرائيلي).
وسعت “روان سمامرة” لفهم كيفية توظيف الممارسات الاستعمارية (الإسرائيلية) وتشابكها باعتبارها تغييرا وصنعا للمشهد الطبيعي واستخدام القانون والسياحة مع المناطق المحمية. وحاولت “ياسمين قعدان” في ورقتها دراسة البيئة في زمنية الفلاح الفلسطيني، من خلال تتبع مسارات الحركة في القرية الفلسطينية من الأسماء المحلية للأرض التي تحيط بالفلاحين وتعطيهم علائقية بمعان متعددة ومتناقضة تحت الواقع الاستعماري.
وفي المسار الآخر بعنوان “فلسطين في الخطاب الأدبي”، الذي ترأسه حيدر سعيد، قدم “أسعد الصالح” قراءة جديدة في نص فدوى طوقان “رحلة جبلية: رحلة صعبة” من خلال موقعته في تصنيف السيرة الذاتية لـ “المشردين”.
أما “عبد الرحمن أبو عابد”، فبين كيف تدور معظم الكتابات السيرية في الأدب العربي بين التوفيق والتلفيق لما يجدّ في الأكاديمية غرب الأوروبية وشمال الأميركية من نقاشات، أبرزها نقاش الجنس الأدبي وسؤال الذات الذي بدأ بمركزيتها وانتهى بزعزعتها، وصولا إلى عولمة مفهوم كتابات الحياة.
ودرس “حسني مليطات” في ورقته تمثيل القضية الفلسطينية من منظور المستشرقين الإسبان المعاصرين، منوها بأن أعمالهم تتضمن رؤية مهمة في التعبير عن المسار الذي وصلت إليه القضية، ومستنتجا أن المستشرقين الإسبان عمومًا يُبدون اهتمامًا بالقضية الفلسطينية.
فلسطين في الإعلام: عربيا وغربيا
ونظم المنتدى في نهاية اليوم الثالث ورشة عمل بعنوان “فلسطين في الخطاب الإعلامي العربي والغربي” ترأستها “آمال عرّاب”، وتحدث فيها “خالد الحروب” و”آلان غريش” و”بن وايت” و”يوسف منير”، عن طريقة صياغة الخطاب الإعلامي العربي الرسمي تجاه القضية الفلسطينية، والتحولات والتطورات التي طرأت على هذا الخطاب، لا سيما بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في شتنبر 2000، وأثر تطبيع بعض الدول العربية في هذا الخطاب، إضافة إلى موقعة القضية الفلسطينية فيه.
كما ناقش المتحدّثون في الورشة كيفية حضور فلسطين في الإعلام الغربي، مقدمين لمحة موجزة عن تاريخ هذا الخطاب تجاه القضية الفلسطينية، وأهمية التغييرات التي طرأت عليه.
مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني
اختتمت أعمال المنتدى بجلسة حول “مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني”، افتتحها “طارق متري”، رئيس مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية، و”عزمي بشارة”، المدير العام للمركز العربي، متوجهين بالشكر إلى اللجنة التنظيمية للمنتدى في المؤسستين، وإلى المشاركين والحضور.
وألقت “فدوى البرغوثي” كلمة نيابة عن الأسير الفلسطيني “مروان البرغوثي”، شدد فيها على أهمية مثل هذا المنتدى، وعبر عن شكره لدعوة المشاركة التي تمنحه فرصة لاختراق أسوار السجن والتعبير عن إرادة الشعب الفلسطيني ومجتمع الأسرى الفلسطينيين.
وأشار البرغوثي إلى أن الخطوة الأولى للإجابة عن سؤال ما العمل للخروج من المأزق الوطني وتحقيق المشروع التحرري المتمثل في هزيمة المشروع الاستعماري (الإسرائيلي)، تبدأ بتشخيص الواقع، كما بيّدنت الأوراق المقدمة في المنتدى وورشات العمل.
ثم سلط البرغوثي الضوء على تحديات رئيسة ينبغي الانتباه إليها فلسطينيا، والعمل على تجاوزها لتحقيق المشروع الوطني الفلسطيني، هي: أولا، تحقيق وحدة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن وجوده رفضا للتجزئة الاستعمارية ومحاولة فرض التمييز ضد الفلسطينيين، من خلال تأسيس المؤتمر الفلسطيني العالمي، ليكون إطارا وطنيا جامعا.
ثانيا، ضرورة مراكمة وعي وثقافة وطنية تحررية قادرة على مقاومة التجزئة. ثالثا، تعريف المشروع الصهيوني على أنه استعمار استيطاني إحلالي مركب، بهدف بناء الوسائل المناسبة لهزيمته وتفكيكه. رابعا، التأكيد على البعد القومي العربي والبعد التحرري الإنساني العالمي للقضية الفلسطينية على نحو واضح غير ملتبس.
خامسا، ضرورة التمسك بالمقاومة الشاملة من دون التخلي عن أي وسيلة، واستمرار المقاومة اليومية للشعب الفلسطيني. سادسا، إعادة عقد الانتخابات، وإعادة النظر في وظائف السلطة، وإعادة بناء الحركة الوطنية لتشمل حركتي حماس والجهاد الإسلامي. سابعا، تكريس مبادئ الديمقراطية وقيمها وسيادة القانون بوصفها ركيزة مستقبل المشروع الوطني.
وأعقب ذلك نقاش ثري، شارك فيه أكاديميون وصحافيون وناشطون، تعرضوا فيه لجملة من القضايا والأسئلة حول مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني في ظل حالة التفكك والانقسام وغياب أدوار الأحزاب التقليدية والمشاركة السياسية العامة لحساب التفرُّد بالسلطة في منطقتي الانقسام (الضفة الغربية وقطاع غزة)، ومن ثم غياب استراتيجية عمل لمواجهة التطورات الدولية والإقليمية الراهنة، فضلا عن الأعباء والأزمات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة التي عمقتها جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وغياب دور مؤسسات المجتمع المدني التي أصبحت غالبيتها مرهونة بالتمويل الخارجي وأجنداته. كما تطرقت إلى آفاق النضال الفلسطيني، وحالة الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني، ومشروع الدولة الفلسطينية.
المصدر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات