10 مصادر أساسية للطاقة الإيجابية 2/2 – الحبيب عكي

في الجزء الأول من هذه المقالة تحدثنا عن بعض مصادر الطاقة الإيجابية التي لابد أن ينهل منها الإنسان حتى يحيط حياته بطاقتها الدافئة والباعثة على الحيوية والاستقرار والعطاء والسكينة والطمأنينة والسعادة، ومن تلك المصادر: مصدر الإيمان والعمل + مصدر المسؤولية والقصد + مصدر الثقة وتقدير الذات +  مصدر التفاؤل والأمل + مصدر الاعتدال والتوازن + ممارسة الهواية والنشاط البدني، وردفا على ذلك نتابع:

7 – مصدر الابتعاد عن الأشخاص السلبيين والمحبطين:

فالصاحب ساحب كما يقال، ومن عاشر قوما في الغالب يكون منهم بقدر أو بآخر، وفي الحديث: “المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل” رواه أحمد، وقد أكدت المتابعات والدراسات أنه لا يصدر عن السلبيين والمحبطين إلا الأفكار السلبية والنظرة القاتمة إلى الحياة، وسلوكات اليأس والإحباط المقعدة والمدمرة، لا يلبث أصحابها والمتأثرون بها في محيطهم إلا أن تشوههم بل وتشوه الحقائق في أعينهم، فالخير والشر يملآن الدنيا في كل الأزمنة وكل الأمكنة، وما وجد نصف كأس فارغ إلا ونصفه الآخر مملوء، ومهما اشتدت الأزمة وقوي الفساد فالنهوض والتجديد والإصلاح دائما ممكن، فوق ذلك أن الإنسان غير مسؤول عن النتائج التي قد تتحقق أو لا تتحقق، بل هو مسؤول بالأساس عن العمل وله شرف المحاولة ونبل الحرص على صوابها، ولكن عين الذبابة غير عين النحلة تأبى إلا أن ترى القاذورات وتحوم حول مطارحها وسرعان ما تختنق بروائحها و وحل نتوءاتها. لذا فالمطلوب من الإنسان الإيجابي الابتعاد عن هذه النماذج السلبية فكريا وشعوريا على الأقل إن لم يكن علاقات واجتماعات، بل الابتعاد عن كل حوامل السلبية ومداخلها الكبرى، والتي حددها النفسانيون في 6 عوامل تغرق من تكالبت عليه وسلم نفسه لها وهي:

تركيز المرء على ما لا يريد بدل التركيز على ما يريد؟؟،

اختلاط المفاهيم والتسميات لدى المرء فيسمي التحديات مثلا مشاكل، والواقع أن التحديات قابلة للمجابهة ولها حلول، بينما المشاكل قد تكون معقدة ومستعصية على الحل.

عدم تذكره لنجاحاته رغم كونها أمر إيجابي ورافع، وعدم تناسيه لآلامه وإخفاقاته وهو أمر سلبي وخافض.

استقاء معلوماته من أهل الوهم والتراخي بدل أهل العزم و العلم.

تناسيه أن في طي كل محنة ومعاناة منحة يمكن تحويلها إلى نجاح.

التغافل عن القاعدة الذهبية للحد من الضغوطات والتحكم في المشاعر عند كل الأحداث والحوادث وهي: بدل الحسرة على الماضي و القلق من المستقبل فيتبدد الحاضر ولا يتجدد المستقبل، لك اللحظة التي أنت فيها وليكن شعارك مهما حدث “هنا والآن”، أو ما العمل والأمر لله من قبل ومن بعد.

ففي الفنون والآداب كثيرا ما نستمتع بقراءة ومشاهدة قصص وروايات وأفلام الناجحين والطامحين والمتفائلين والفاعلين رغم اضطرابات ومتاهات واحباطات الحياة الاجتماعية، وفي البيت مثلا يمكنك الابتعاد عن مصادر الطاقة السلبية – كما يقول الخبراء – بمحاربة الأوساخ والأتربة، وسوء التنظيم والفوضى، والاستهلاكية والحساسية لأفراد وسلوكات، والعنف الأسري والعلاقات المتوترة…، وفي الشارع يكون المواطن إيجابيا ومتحضرا كلما تعالى عن سلوكات النشل والسرقة والتحرش وتتبع العورات والانخراط في العصابات وترويج المخدرات..، كما ينبغي على العقلاء تجنب السياقة المتهورة والتجاوز المعيب والمكالمات الصاخبة المزعجة…، وفي الشأن المحلي أنت مشارك متفاءل مساند للمصلحين محارب للتزوير والفساد والاستبداد…، وفي العمل الرسمي أو التطوعي أنت منخرط في محاربة الغش والتقصير والإخلال بالمواعيد والاستغلال غير المشروع لممتلكات المؤسسة وسياراتها وهواتفها..، وغير ذلك مما يفسد المروءة و يقذف بالضمير طال الزمن أو قصر في متاهة التأنيب.

8 – مصدر إيجابي جدا وهو التحكم في المشاعر:

الإيجابية منها والسلبية على حد سواء، وذلك بالتدريب والتدريب المستمر، سواء بالمجهودات الفردية أو بمساعدة المقربين والأصدقاء أو تحت إشراف المدربين المتخصصين، لأن طبيعة الحياة انها متقلبة لا تدوم على حال، قال الشاعر:

لكل شيء إذا ما تم نقصان *** فلا يغر بطيب العيش إنســــان

هي الأمور كمـا شاهدتها دول*** من سره زمان سـاءته أزمان

من سره زمان ساءته أزمان، فينبغي أولا ان تكون لك مرجعية منطقية و وسطية للفرح والقلق، وليس حسب الأمزجة والأهواء ولا حتى الطوارئ، وليس حسب العادات الراكدة أو الأفكار الوافدة، ثانيا، إذا كان لك من الأفراح والمسرات ما تريد فاحمد الله تعالى واعمل على استدامته بالشكر والرضا والقناعة ف:”من أصبح معافى في بدنه يملك قوت يومه آمنا في سربه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها” رواه البخاري والترمذي، وإذا كان لك غير ذلك فاعمل على تجاوزه متوكلا على الله مستعينا به متوسلا بكل ما يسعفك من وسائل الاستغفار والصلاة وقراءة القرآن  خاصة ورفع الدعاء عامة، وكذلك وسائل الإيمان وحسن الظن بالله والصبر والاصطبار والإصرار على العمل على رفع البلاء، وكل ذلك مع الإخلاص ولاشك سيؤدي إلى نتيجة، ولو أقسم صاحبه على الله لأبره.

كما أن من أنجع وسائل ضبط المشاعر حضور الدورات التكوينية في الموضوع والتمسك بقاعدتها الجوهرية “المعرفة سلاح الأقوياء و الوقاية خير من العلاج”، عليك أيضا امتلاك ثقافة كافية فيما قد يعترض طريقك من الضغوط، أو ما تضطر فيه إلى التدخل والفعل واتخاذ القرار مع حسن البرمجة والرفق بالدماغ على ألا يخالف تفكيره سلوك الجسد فيضطرب الاثنان(لا تتمارضوا فتمرضوا)، فذاك وحده مما يفسر اختلاف أحوال الناس وتصرفاتهم اتجاه نفس المنح و العطايا ونفس المحن والمصائب، فمثلا قاعدة بعد التعثر يأتي النهوض وبعد السقوط يأتي النجاح، أو قاعدة لكل داء دواء وليس المرض آخر المطاف، يجعلنا نجد اتجاه نفس المرض الصابر المعافى و المتهالك المنهار، وهناك الإيمان بالقضاء والقدر، فما أصاب المرء لم يكن ليخطئه وما أخطاه لم يكن ليصيبه، رفعت الأقلام وجفت الصحف، فالخير فيما اختاره الله، قال تعالى:”وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم”، كما أن هناك علم يسمى فن حل المشكلات واتخاذ القرارات، لعل أول ما ينبغي أن يتقنه المرء فيه – كما يقال – وفي حياته عامة، أن الإنسان الإيجابي يرى أن لكل مشكلة حل فيركز في البحث عن الحلول، بينما الإنسان السلبي يرى في كل حل مشكلة، فيركز في البحث عن المشاكل حتى يغرق فيها؟؟، لذا فكم هو محظوظ من رزق القصد والسماحة والوسطية والاعتدال في كل شيء، وتفويض الأمر إلى الله تعالى، في مشاعر الحب كما في مشاعر الكره، وفي مشاعر الفرح كما في مشاعر الغضب، فيجعل بذلك مفاتيح مخاطبة النفس بين يديه، إن شاء خاطبها بالإيجاب فكان له، وإن شاء خاطبها بالسلب فكان عليه .

9 – مصدر النظافة والأناقة والرشاقة:

صحيح أن الراحة النفسية والسعادة إحساس داخلي بالأساس، ولكن يظل المظهر الخارجي في الغالب الأعم ينطلي على نوع الأفكار والمواقف التي يتبناها صاحبه، فالنظيف كما يقول مالك بن نبي :”يتبنى الأفكار والمواقف النظيفة ولا يمكن للممزق المسجون بين الأسمال أن يعيش بغير أفكار الفقر المتسخة والتعاسة”؟؟، و كم يشعر المؤمن بالراحة عند الوضوء والطهارة والصلاة، وكم يشعر الإنسان عموما بالراحة عند الاستحمام والاستجمام، إلى درجة أن كل الديانات  قد جعلت للتعميد والتطهير بالماء واللعب فيه والترفيه به طقوسا ممتعة وقدسية لا مثيل لها، فقط لأنه يمنحنا النظافة والطاقة الإيجابية بل يمنحنا الحياة، قال تعالى: “وجعلنا من الماء كل شيء حي”، ومن النظافة القيام بسنن الحياة الفطرية  من قص الشارب وإعفاء اللحى وإكرام الشعر وتقليم الأظافر وحلق العانة واستعمال السواك أو نظافة الأسنان والختان والاستنشاق والاستبراء من الخبائث، وتمايز الذكور عن الإناث وعدم التشبه بالأغيار من المجوسيين والوثنيين.. إلى غير ذلك،

وقد حاولت الموضات التافهة إهمال هذه السنن الفطرية بل معاكستها دون جدوى، لأنها لم تجلب على أصحابها إلا حيرة الانحرافات الفكرية وأمراض الحقن السلوكية وتعاسة الأوساخ البيئية، والأناقة كلنا قد جرب ولا شك تأثيرها الإيجابي على النفس أيام العيد ولبس الجديد، وكلنا يعلم ما يحدث بين الزوجين من تآلف وانجذاب بينهما من مجرد اللباس الأنيق والتسريحة الجميلة والرائحة  المتميزة والتحية الدافئة والمعاشرة الطيبة المفعومة بالحب والإخلاص والوفاء وكلها من السلوكات الإيجابية التي رفعها الإسلام إلى درجة الواجب، غير أن الأناقة والجمال وبما ينعشان به الروح و يلهبان به الجسد ويفتحان به النفس، لا يشترط فيها الجديد والغالي لزوما بقدر ما يمكن تحقيقها فقط بالمتناسق من اللباس والحلاقة والعطور والألوان حسب الجنس والمقام و المرحلة العمرية و نوع العمل والفصول السنوية والإمكانيات المادية، على أن تتجنب المحاذير الشرعية في ذلك إن وجدت، أما الرشاقة  فمن نافلة القول أن البدانة المفرطة هي مصدر كل الأمراض المزمنة والمتاعب الصحية المعاصرة .

10 – وأخيرا المصدر الدافق وهو الابتسامة:

و الابتسامة في الحقيقة هي  بلسم الإيجابية والسعادة وينبوعهما المتدفق وأهم معلم ظاهر ودائم على صاحبيهما، الابتسامة علامة الأمن والطمأنينة والسلام بين الناس، و رسول الاستعداد لتقاسم الفرحة والسعادة مع الآخرين، علامة دفء النفس وخلوها من الضغائن والأحقاد وتغلبها على الكبت والحرمان، ومعيار الرضا بالقضاء والقدر خيره وشره، مغناطيس الانجذاب الجماعي إلى تيار الحياة الإيجابية وشامتها الساطعة ومنارتها الشامخة وبهوها الفسيح وصلاتها الصوفية السرمدية، الابتسامة خير ملطف للأجواء المتوترة في البيت وفي الشارع وأماكن العمل وأنجع مقاوم ميكانيكي وأطوماتيكي للصدمات المتبادلة بين المتنافرين والمتصارعين، وطبعا من لوازم الابتسامة الصادقة عذب وسحر الكلام عند التحية والسلام وغيرها من التعاملات اليومية في البيت والعمل كقولنا : “شكرا ..وعفوا ..ومن فضلك ..ولو سمحت.. شكر الله لك وأحسن إلينا وإليك”.

فتبسموا يرحمكم الله تتبسم لكم الحياة، وكن جميلا ترى الوجود جميلا على قول “أبي ماضي”، تبسموا تنمحي في أعماقكم الضغائن وتنبعث منها  الرحمات، وقد كان من قبلنا يتبسمون في وجوه أقوام لا يحبونهم حتى، تبسموا حتى تميزوا بين البسمة الفطرية الطبيعية والمشروعة للذكور والإناث وبين الخضوع  المريض في القول وما يؤدي إليه من الخلاعة والسفاهة، تبسموا تؤمنوا لأنفسكم ولغيركم أجواء من الطاقة الإيجابية فكرة وعبرة، بلسما وشفاء وحافزا لكم ولليائسين والقانطين الذين سترسمون على وجوههم ولا شك كل معاني الغبطة والسرور في الحياة، تبسموا في وجوه إخوانكم تكثروا لكم  من الصدقات والصداقات، تبسموا يا ملوك العبوس في العالم فما افتقر ملك شيئا من افتقاره إلى المحبة والبسمة التي لا تحمله إلا على الرحمة والعطاء والوفاء..، إلا على الرحمة والعطاء والوفاء.

 

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى