خواطر الاحتباس في البيوت – محمد سالم إنجيه

الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم؛

نسأل الله تعالى بفضله وكرمه ومنِّه أن يرفع عنا وعن الناس جميعا البلاء والأوبئة ما عُرف منها وما لم يُعرف، وأن يجعل الظروف والأوضاع التي تمر منها البشرية بردا وسلاما علينا وعليها، وأن تكون الأحوال عارضة غير ثابتة، ونافعة غير ضارة، ومُحفِّزة غير معطلة، ومُذكِّرة للغافلين، ومُعلمة بقدرة رب العالمين، المتصرف في كونه على منتهى مشيئته وإرادته سبحانه وتعالى…

إن المؤمن الحق يتقلب بين الشكر والصبر؛ يشكر النِّعم، ويصبر على النقم، يُقيّد النَّعماء بقيود الشكر فلا يغفل، ويواجه الضراء بسلاح الصبر فلا يضجَر؛ جعلنا الله تعالى من الشاكرين الحامدين، الموقنين بأن أقدار الله تعالى لا يردها إلا هو، يعلم ضُعفنا وافتقارنا وقلة حِيَّلِنا، وهو أرحم الراحمين وناصر المستضعفين جل عن الشريك والمثيل سبحانه..

نشهد اليوم جميعا تسارع وتلاحق الإجراءات الاحترازية من انتشار هذا الوباء نجانا الله تعالى منه ومن آثاره، حتى عُطلت مصالح كثيرة، وأصبح الاجتماع مرغوبا عنه، والوحدة مطلبا، والاحترازُ من المخالطة منهجا، واشتد الضيق على نفوس المؤمنين بمنع عمارة بيوت الله سبحانه؛ فمن لي بتعبير يُقرب حالة المحارب والمنابر وقد حُرمت ذكر الله وتلاوة كتابه؟ ومن لي بتوصيف الحالة النفسية للأئمة والمصلين ممن تعلقت قلوبهم ببيوت الله؟ وقد صار الإعلام بدخول وقت الصلاة نداء للمكوث في البيوت؛ إن في هذا ما فيه من عبرة لمن كان في قلبه إيمان وإحسان..

من الأقوال السائرة : “رُبَّ ضارة نافعة”، و”كل نقمة في طيّها نعمة”، فلنجعل من بيوتنا مصليات نجتمع فيها مع ذوينا، ولنجعل المكوث فيها فرصة للتواصل، والتذكير بأقدار الله تعالى، التي لا يملك الخَلق أمامها إلا الاعترافَ والتسليمَ، والفرار منها إليها، كما هي مناسبة للتوبة والاستغفار وإحياء معاني الإقرار بالوحدانية لله تعالى، والتوجه إليه بالدعاء  الخالص، والجأر إليه ليُعجل بفك الكرب، ورفع البلاء، وحفظ الأنفس، ونشر العافية والرخاء..

التزام البيوت فرصة ومناسبة أيضا لتصحيح كثير من الرُّؤى في الحياة والاجتماع؛ فلنتخفف من آفات العصر المعلوماتية، ووسائطها المُلهية، أو على الأقل لنوظفها في المفيد النافع؛ فما نعيشه من ضرر بتعطل المصالح يمكن البحث في ثناياه عن صور وأشكال كثيرة من النفع؛ ليس أقلَّها توطيدُ أواصر التواصل الأسري، وتجديد العلاقات الأكثر صِدقية واستمرارية، بعد أن جرفتنا الحياة اليومية، حتى أوشكت أن تَحِيد بنا كُلِّيا عن طريق البناء، وجعلت بيننا وبين المسؤولية حواجز، وصرنا في البيوت أقرب إلى حالة سكان فندق قد نتبادل التحايا أو نتجاهلها…

إن مسؤولية الأسرة عظيمة جدا، فلنُخصِّص هذه الفترة لفتح النقاش الصريح حول أدوارنا الأسرية، واعتماد الحوار والإنصات لبعضنا، والبحث في ما ننتظره من أبنائنا وبناتنا، وسؤالهم عما ينتظرون منا، وكيف نحقق ذلك، على نحو من التكامل والتعاون ونكران الذات، والعطاء غير المحدود؛ فالأسرة ميدان العطاء بامتياز، ثم التفكير الجماعي في صياغة خُطط واضحة، مستقبلية هادفة، غايتها مزيد من الترابط والقيام بالحقوق، واحترام الواجبات، وتوطين حب الله تعالى في نفوسنا، وإشاعة الخير في الناس، وحب السلامة للخلق، والحرص على هدايتهم وإرشادهم..

تلك خواطر حضرت فسطرتها، لنفسي ثم لمن يطلع عليها، راجيا من الله تعالى العون والسداد والتوفيق والحفظ من كل مكروه ووباء، والحمد لله رب العالمين.

كتبه محمد سالم إنجيه

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى