نورالدين قربال يكتب : دسترة الديمقراطية وإشكالية التنزيل      

توطئة

تعهدت المملكة المغربية بالاستمرارية في بناء الدولة الديمقراطية. انطلاقا من أن نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية، دستورية، ديمقراطية، برلمانية واجتماعية. ومن مكونات النظام الدستوري للمملكة الديمقراطية المواطنة والتشاركية. والقانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة والجميع. ويشكل الاختيار الديمقراطي ثابتا من ثوابت الأمة الجامعة. والثوابت لا تخضع للمراجعة الدستورية.

اعتمادا على ماذكريمكن أن نرصد بعضا من جوانب دسترة البعد الديمقراطي نظرا لأهميته في كل المشاريع السياسية وما يترتب عنها، لذلك فجلالة الملك هو الضامن لصيانة الاختيار الديمقراطي.

بين السياسي والمدني

إن المطلوب من المؤسسات السياسية التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة بالوسائل الديمقراطية. واحترام مقتضيات الدستور. ويحظرعليهم المساس بالأسس الديمقراطية. وهذا مرتبط أصلا بمطابقة تنظيمها وتسييرها للمبادئ الديمقراطية. وأثناء ممارستها للسلطة لابد من احترام مبدأ التناوب الديمقراطي. كما أن المنظمات النقابية ملزمة باحترام الدستور. وإخضاع هياكلها وطرق تدبيرها للمبادئ الديمقراطية. والأصل في مشروعية التمثيل الديمقراطي هي الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافية.

وإذا كان الدستور يركز على هذه المبادئ بالنسبة للمؤسسات السياسية والنقابية، فنفس الأمر يهم المؤسسات المدنية التي من الواجب احترامها للدستور. ومن تم تصبح مؤهلة لتقديم قرارات ومشاريع للسلطات العمومية والمؤسسات المنتخبة. في إطار الديمقراطية التشاركية. خاصة عندما تنظم نفسها وتدبر التسيير في تطابق مع المبادئ الديمقراطية. ونظرا لأهمية الصحافة والإعلام في إنجاح تغطية المشاريع وتتبعها وتقييمها فهي ملزمة بتنظيم يقوم على أسس ديمقراطية. ولذلك فكل الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور مضمونة.

بين التشريعي والتنفيذي

عندما يعين جلالة الملك الحكومة يقدم رئيسها أمام مجلسي البرلمان برنامجه الذي يعتزم تطبيقه في مجالات النشاط الوطني، خاصة في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية. والتصويت عليه يجعل الحكومة منصبة. وحديث الدستور عن سياسات مؤشر على البعد الديمقراطي والسياسي والتنموي للبرنامج. ولن يتصف هذا البرنامج بالطبيعة السياسية إلا إذا كان مستحضرا كل ما سبق ذكره على مستوى دسترة الديمقراطية.

كل هذا ينعكس على المستوى الترابي لأنه من شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية الأخرى لشؤونها احترام الصفة الديمقراطية. وتبعا لما ذكرينص الدستور على خضوع المرافق العمومية في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور. ولا بد من استحضار الميثاق المتعلق بالمرافق العمومية والذي يؤكد على احترام قواعد الحكامة الجيدة.

المجال القضائي

لقد منع الدستور انخراط القضاة في الأحزاب السياسية، والمنظمات النقابية. ومنحه صفة الاستقلالية وهذا مهم من أجل إعادة الأمور إلى نصابها إذا تم تجاوز المقتضيات الدستورية والقواعد القانونية. وعندما تهدد استقلالية القاضي، فمن حقه دستوريا أن يحيل النازلة على المجلس الأعلى للسلطة القضائية. وكذلك تخضع مقررات المجلس إذا تعلقت بالوضعيات الفردية للطعن أمام أعلى هيئة قضائية إدارية بالمحكمة. ونظرا لأهمية هذا المجلس في السهر على تطبيق كل الضمانات الممنوحة للقضاة من حيث الاستقلالية والتعيين والترقية والتقاعد والتأديب، فتأليفه متنوع فبالإضافة إلى الهيئة القضائية هناك الوسيط والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وخمس شخصيات يعينهم جلالة الملك ويشترط فيهم الكفاءة والتجرد والنزاهة، ومن بينهم عضو مقترح من الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى.

ونظرا لأهمية المحكمة الدستورية فقد متعها الدستور باختصاصات متعددة، كما أن قراراتها لا تقبل أي طريق من طرق الطعن. وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية. لكن للأسف ما زلنا ننتظرالقانون التنظيمي المتعلق بنظر المحكمة الدستورية في كل دفع يهم عدم دستورية قانون أثير النظر في قضية وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور.

تساؤلات وخلاصات

لقد صدرت خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، تضمنت الحديث عن الحكامة الديمقراطية، من تعزيز المشاركة السياسية والنهوض بدور المؤسسات المنتخبة، والمساواة وتكافؤ الفرص، وترشيد وتعزيز الحكامة الترابية، وترشيد الحكامة الأمنية.

أمام هذه المعطيات وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على دستور 2011 نطرح الأسئلة التالية: هل فعلا مارسنا الديمقراطية المواطنة التشاركية في استكمال البناء الديمقراطي؟ ما هو وضع الديمقراطية التمثيلية؟ هل يمكن أن نتحدث عن الانتقال الديمقراطي بعد دستور 2011؟ هل ساهمت المقتضيات الدستورية في تفعيل هيئات الحكامة الجيدة؟ هل الإشكال في الوثيقة الدستورية أم في سوء التنزيل والتنفيذ؟ هل يمكن تأكيد التحول الديمقراطي في المغرب؟ هل إشكالية الانتقال الديمقراطي معضلة تأويل أم ممارسة؟

نخلص مما سبق أن البناء الديمقراطي مرتبط بممارسة مبادئ الحكامة الجيدة، وبتوفر الإرادة السياسية. إن الإصلاح الديمقراطي ليس بناء عشوائيا، إنه رؤية وفلسفة يراعي الانتروبولوجية السياسية، والانفتاح على دستورانية مرنة ومنفتحة والالتزام بالقيم الدستورية التي تم التوافق عليها. إن العجز الاقتصادي مرتبط بالعجز السياسي، والتضخم الاقتصادي ينعكس على تضخم الإشكالات الاجتماعية وأهمها التعليم والصحة والتشغيل والسكن والأمن الغذائي. إن الإشكال السياسي مرتبط بالفراغ الثقافي، لأن الديمقراطية فكر ومنهج قبل أن تكون ممارسة وتداول فقط.

إذن نحن مطالبون بنسج صلة الرحم مع المقتضيات الدستورية حتى لا يبقى الدستور وثيقة مهجورة. من أجل إتقان المغرب حسن التموقع العالمي، لأن المكانة العالمية مرتبطة بمنسوب التطور الداخلي على جميع المستويات. إن الفرص المتاحة يجب استثمارها قبل أن يتعقد المشهد العالمي على المستوى الجيواستراتيجي. و إشراك المجتمع المدني لإحداث التكاملية بين التمثيلية والتشاركية. لقد دسترنا كل شيء بالتوافق لكن فشلنا في تنزيل بعض مقتضياته لأننا ربما فقدنا منسوبا كبيرا على مستوى الإرادة، وأصبح الكل يقوم بالكل مع العلم أن الدستور واضح في توزيع الاختصاصات، ومارسنا بعض الشطط التشريعي عندما أفرغنا بعض المقتضيات الدستورية من سموها في قوانين تنظيمية وعادية ونصوص تنظيمية إن لم نقل مذكرات ودوريات ومناشير. فما أحوجنا إلى وقفات دورية من أجل التصحيح والتحسين والتجويد وهذا من صميم المناهج الراقية.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى