من أولويات الأسرة المغربية

أكدنا في المقال السابق أن الأصل المجمع عليه بين جميع المتدخلين في موضوع الأسرة هو الرغبة الظاهرة في تحقيق المصلحة لمؤسسة الأسرة ومكوناتها رجالا ونساء وأطفالا، وهي مصلحة متفق عليها، وأن هذه المصلحة تتباين في المضامين والخطابات، والمشاريع والمقترحات المتقدم بها من طرف الفاعلين في هذا المجال.

وستحاول هذه المقالة الوقوف عند أهم الأولويات التي ينبغي أن تحظى بالاهتمام والانشغال والاشتغال عليها دراسة وممارسة من مختلف المواقع المعرفية والعملية التي تمس الأسرة من قريب أو بعيد، وذلك لضمان مصلحتها واستقرارها.

إن القراءة المتفحصة للتقارير الصادرة عن عدد من المؤسسات الدولية والوطنية تكشف عن طبيعة اهتمامات الأسر المغربية، وعن نوع التحديات التي تواجهها وتؤرق مكوناتها، والتي  ينبغي أن يُتوجه إليها بالتحليل والمعالجة.

فقد كشف تقرير المرصد الاقتصادي التابع للبنك الدولي[1] عن استطلاعات الثقة أن الرفاه الشخصي للسكان قد انخفض بشكل ملحوظ ، حيث انخفض إلى ما دون المستويات التي لوحظت حتى خلال أسوأ شهور أزمة الوباء. بالإضافة إلى ذلك ، وبسبب الجفاف في الغالب فقد أكثر من مائتي ألف وظيفة في المناطق الريفية، حيث تعيش معظم الأسر المغربية الفقر.

ويتضح من نتائج البحث الدائم حول الظرفية لدى الأسر المنجز من طرف المندوبية السامية للتخطيط، أن مؤشر ثقة الأسر تابع خلال الفصل الثاني من سنة 2022، منحاه التنازلي ليصل لأدنى مستوى له على الإطلاق.[2]

فخلال هذا الفصل من سنة 2022، بلغ معدل الأسر التي صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا السابقة %79,2، فيما عبرت6,14% منها عن استقراره و2,6% عن تحسنه،

كما صرحت  %52 من الأسر أن مداخيلها تغطي مصاريفها، فيما استنزفت  %45,4 من مدخراتها أو لجأت إلى الاقتراض. ولا يتجاوز معدل الأسر التي تمكنت من ادخار جزء من مداخيلها   %2,6،

وعبرت %11,4  مقابل %88,6   من الأسر بقدرتها على الادخار خلال 12 شهرا المقبلة، وبخصوص ارتفاع الأسعار صرحت جل الأسر (%99,2) بأن أسعار المواد الغذائية قد عرفت ارتفاعا خلال 12 شهرا الأخيرة، في حين رأت  %0,1 فقط عكس ذلك،  أما بخصوص تطور أسعار المواد الغذائية خلال 12 شهرا المقبلة، فتتوقع %77,3 من الأسر استمرارها في الارتفاع و 19,7 % استقرارها و %3 فقط التي ترجح انخفاضها.

و كشفت ملخصات الدراسة الميدانية الوطنية حول القيم[3] عن طبيعة التحديات التي تؤرق الأسرة المغربية وتحتاج لتظافر الجهود لإعداد حلول لها، والتي يمكن إجمالها في تحدي الفردانية المتصاعدة، وتزايد النزعة نحو قيم الاستهلاك، واتساع نطاق العنف، وضعف السياسات العمومية الموجهة للأسر، وتراجع دور المؤسسات المجتمعية من إعلام وجمعيات وإدارة في التواصل مع الأسرة وتقديم الحلول لمشكلاتها، ومشكل الإعلام الحديث وأثره في بنية العلاقات الأسرة، حتى أن المستجوبين عبروا بضرورة ” تقدير الدور الذي تقوم به الأسرة، وضرورة مساعدتها من طرف مؤسسات موازية مثل المدرسة والإعلام والجمعيات حتى تتمكن من أداء الأدوار المنوطة بها، خاصة ما يرتبط منها بتنشئة الأفراد على القيم الأساسية..”[4]

إن الخدمة الحقيقية التي تحتاجها الأسرة المغربية اليوم، وتستجيب لأولوياتها واحتياجاتها هي:

  • مساعدتها في توفير الاحتياجات الضرورية لها، وتمكينها من الادخار للطوارئ والأزمات، وتسهيل سبل العيش الكريم لأفرادها من خلال سياسات اجتماعية صحية وتعليمية واقتصادية.. تضمن تماسكها واستمرارها في القيام بوظائفها.
  • وضع سياسات عمومية لحفظ منظومة قيمها، والإسهام من مختلف المواقع المدنية والرسمية والإعلامية والقانونية والاقتصادية.. في توفير الظروف الملائمة لأداء رسالتها في التربية والتنشئة وحماية مكوناتها، فهي المؤسسة التي تثق فيها كل فئات المجتمع[5]، والتي لن تكفي المقاربة التجزيئية والفردانية والقانونية في معالجة مشاكلها.

د: محمد ابراهمي

عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح

***

[1]: الاقتصاد المغربي في مواجهة صدمات العرض، شتاء 2022/2023، البنك الدولي، ص: 1.

[2]:مذكرة إخبارية للمندوبية السامية للتخطيط نتائج بحث الظرفية لدى الأسر الفصل الثاني من سنة 2022

[3]: ملخصات التقرير الوثائقي والكمي والكيفي للدراسة الميدانية الوطنية حول القيم وتفعيلها المؤسسي: تغيرات وانتظارات لدى المغاربة، منشورات مجلس النواب، دجنبر 2022، من الصفحة 63 إلى ص 65.

[4]: المرجع نفسه، ص:59.

[5]: ملخصات التقرير الوثائقي والكمي والكيفي، ص: 34.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى