في تحرير قضايا النقاش في موضوع الأسرة

من العبارات الأصولية المتداولة في علم أصول الفقه ” تحقيق المناط” ومعناه “تحقيقا لعلة المتفق عليها في الفرع ،أي إقامة الدليل على وجودها فيه”[1] وفي البحر المحيط” هُوَ أَنْ يَتَّفِقَ عَلَى عِلِّيَّةِ وَصْفٍ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، فَيَجْتَهِدُ فِي وُجُودِهَا فِي صُورَةِ النِّزَاعِ” [2]

فالأصل المجمع عليه بين جميع المتدخلين في موضوع الأسرة هو الرغبة الظاهرة في تحقيق المصلحة لمؤسسة الأسرة ومكوناتها رجالا ونساء وأطفالا، وهي علة بتعبير الأصوليين ومصلحة متفق عليها، فإلى أي حد تتحقق هذه العلة والمصلحة في المضامين والخطابات، والمشاريع والمقترحات المتقدم بها من طرف الفاعلين في هذا المجال؟

والجواب عن السؤال يقتضي تعميق النظر في هذه المشاريع والمقترحات من منطلق مرجعي يستحضر الثوابت الوطنية والمقاصد الأسرية التي حددتها هذه الثوابت، وهذا أمر سنقاربه في مقالات قادمة.

ونمهد له بتساؤلات تُفَكٍّكُ طبيعة المصلحة المضمرة في خطابات التجديد الذي ترفعه العديد من الجهات التي تدعو لتعديل مدونة الأسرة، ومنها ما يتعلق بحقيقة المشاكل التي تعاني منها الأسرة المغربية، أهي قانونية صرفة أم هي قبل ذلك ومعه اجتماعية تربوية واقتصادية.. ؟

وهل الحلول التي تم اقتراحها في المدونة المعدلة آتت أكلها فحافظت على الاستقرار الأسري وقللت من نسب الطلاق وآثاره، أم أن ما تم من إصلاحات لا يمس جوهر المشكل ولا يجيب عن عمقه وأسبابه؟

وهل التعدد قضية مؤرقة لمؤسسة الأسرة ومهددة لتماسكها حد وصفها بالظاهرة؟أم أن المؤرق والذي يحتاج إلى حلول جريئة هو مشكل العنوسة والعزوف عن الزواج، ومشاكل الخيانة الزوجية التي تهدد الاستقرار الأسري؟

وإذا تفقنا على أهمية الرشد للاستقرار الأسري، فهل وجود حالات قليلة تتزوج قبل السن القانوني بعد التحقق من مصلحتها في الزواج يعتبر مشكلة تهدد الأسرة والمجتمع؟ أم على العكس من ذلك فهو حل مؤقت وواقعي يستجيب لظروف اقتصادية واجتماعية قد يختفي بزوالها؟

وهل تعاني الأسر من التباين في أنصبة الميراث وفي اقتسام الممتلكات المكتسبة بين الزوجين، أم في الفقر والجهل وانعدام فرص الشغل وضعف القدرة على تلبية الاحتياجات والضروريات المعيشية؟

وهل معالجة معضلة الزنا والعلاقات خارج مؤسسة الأسرة يتم عبر خيار وحيد هو إلحاق ابن الزنا بمن زنى به، أم أن الأمر يحتاج إلى مقاربة شاملة تنظر في مآلات الإلحاق على الأسرة والمجتمع، وعلى استمرار الأسرة كلبنة أساسية في بناء المجتمع؟ 

وإلى أي حد تتجسد مصلحة الأسرة في الارتهان للمقتضيات القانونية الغربية؟ وهل تتضمن إجابات عن هذه التساؤلات تعين على استقرار الأسرة وتحقيق المصلحة المتفق عليها؟ أم أن في ذلك ارتهان لمرجعية لن تسهم سوى في مزيد من التفكك لمؤسسة الأسرة؟

وهل يعجز الخطاب المرجعي الشرعي عن إيجاد جواب لهذه الإشكالات والقضايا التي تواجه هذه المؤسسة، خاصة وأنه كما عبر عن ذلك كثير من علماء الإسلام عدل ورحمة ومصلحة في العاجل والآجل؟

إنها تساؤلات تتطلب إجابات تتفق في الغاية وتختلف في تحقيق المناط لاختلاف المرجعيات التي تنطلق منها، وهو ما سأحاول بيانه بتحرير هذه القضايا وبيان حقيقتها وحجمها الطبيعي في منظومة القضايا الأسرية، ثم بتقريب القارئ من الاجتهادات الشرعية القائمة، وكذلك من الاجتهادات التي تتغيى مصلحة الأسرة لكنها رهينة لاعتبارات بعيدة عنها.

د: محمد ابراهمي

عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح

 

***

[1]: الموافقات للإمام الشاطبي، ج:5/ ص:12.

[2]: البحر المحيط لبدر الدين الزركشي، ج:7/ ص: 107

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى