مساجد البيوت في وقت الأزمات

أولا: اتخاذ المساجد في البيوت من خلال القرآن الكريم

قال الله تعالى «وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ » [يونس: 87]

أقوال المفسرين في سبب الأمر الإلهي الموجه لموسى وهارون عليهما السلام :

  • تفسير الثعالبي :

[ وقوله سبحانه : { وَأَوْحَيْنَا إلى موسى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا } رُوي : أَن فرعون أَخَافَ بني إِسرائيل، وهدَّم لهم مواضعَ كانوا اتخذوها للصلاة، ونَحْو هذا، فأوحَى اللَّه إِلَى موسَى وهارون، أنْ تَبَّوءا أي: اتخذا وتَخَيَّرا لبني إِسرائيل بمصْر بيوتاً…

وقوله سبحانه: {واجعلوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً}: قيل: معناه “مساجدُ”، قاله ابنُ عباس وجماعة، قالوا: خافوا، فأُمِرُوا بالصَّلاة في بيوتهم، وقيل : معناه مُوجَّهة إِلى القبلة؛ قاله ابن عباس …

 وقوله : {وَأَقِيمُواْ الصلاة} : خطابٌ لبني إِسرائيل، وهذا قبل نزول التوراة، لأَنها لم تَنْزِلْ إِلا بعد إِجازة البَحْر. ]

  • تفسير “المحرر الوجيز” لابن عطية الأندلسي.

[ روي أن فرعون أخاف بني إسرائيل وهدم لهم مواضع كانوا اتخذوها للصلاة ونحو هذا، فأوحى الله إلى موسى وهارون أن اتخذا وتخيرا لبني إسرائيل بيوتاً بمصر، قال مجاهد : {مصر} في هذه الآية الإسكندرية، ومصر ما بين البحر إلى أسوان، والإسكندرية من أرض مصر، و{تبوّآ} معناه كما قلنا تخيراً واتخذا، وهي لفظة مستعملة في الأماكن وما يشبه بها …]

  • تفسير “التحرير والتنوير” للطاهر بن عاشور

[…وقع الوحي بهذا الأمر إلى موسى وهارون عليهما السلام لأنه من الأعمال الراجعة إلى تدبير أمر الأمة، فيمكن الاشتراك فيها بين الرسول ومؤازره .

والتبوؤ: اتخاذ مكان يسكنه، وهو تفعل من البوء، أي الرجوع، كأن صاحب المسكن يكلف نفسه الرجوع إلى محل سكنه ولو كان تباعد عنه في شؤون اكتسابه بالسير إلى السوق أو الصيد أو الاحتطاب أو قطف الثمار أو نحو ذلك … فمعنى “تبوءا لقومكما” اجعلا قومكما متبوئين بيوتا .]

  • تفسير “زاد المسير” لابن الجوزي :

[ قوله تعالى: { أن تبوَّآ لقومكما بمصر بيوتاً } قال المفسرون: لما أُرسل موسى، أَمر فرعونُ بمساجد بني إِسرائيل فخُرِّبت كلُّها، ومُنعوا من الصلاة، وكانوا لا يصلُّون إِلا في الكنائس؛ فأُمروا أن يتخذوا مساجد في بيوتهم ويصلُّون فيها خوفاً من فرعون. و«تبوَّآ» معناه : اتخِذا… ]

تفسير معنى قوله تعالى “واجعلوا بيوتكم قبلة”:

  • تفسير “زاد المسير” لابن الجوزي يلخص أهم الأقوال الواردة في ذلك:

[ وفي المراد بمصر قولان : أحدهما : أنه البلد المعروف بمصر، قاله الضحاك . والثاني : أنه الإسكندرية، قاله مجاهد.

وفي البيوت قولان : أحدهما : أنها المساجد ، قاله الضحاك، والثاني : القصور ، قاله مجاهد.

وفي قوله : { واجعلوا بيوتكم قبلة } أربعة أقوال :

أحدها : اجعلوها مساجد، رواه مجاهد، وعكرمة، والضحاك عن ابن عباس، وبه قال النخعي، وابن زيد. وقد ذكرنا أن فرعون أمر بهدم مساجدهم، فقيل لهم : اجعلوا بيوتكم قبلة بدلا من المساجد.

والثاني: اجعلوها قِبَل القبلة، رواه العوفي عن ابن عباس. وروى الضحاك عن ابن عباس ، قال : قِبَل مكة. وقال مجاهد : أُمروا أن يجعلوها مستقبلة الكعبة، وبه قال مقاتل، وقتادة، والفراء.

والثالث: اجعلوها يقابل بعضها بعضاً ، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً، وبه قال سعيد بن جبير.

والرابع: واجعلوا بيوتكم التي بالشام قبلةً لكم في الصلاة، فهي قبلة اليهود إِلى اليوم، قاله ابن بحر.

فإن قيل: البيوت جمع ، فكيف قال «قبلة» على التوحيد؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري، فقال: من قال: المراد بالقبلة الكعبة، قال: وحِّدت القبلة لتوحيد الكعبة. قال: ويجوز أن يكون أراد: اجعلوا بيوتكم قِبَلاً، فاكتفى بالواحد عن الجمع …

ويجوز أن يكون وحّد «قبلة» لأنه أجراها مجرى المصدر، فيكون المعنى: واجعلوا بيوتكم إِقبالاً على الله، وقصداً لما كنتم تستعملونه في المساجد.

قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة} قال ابن عباس: أتموا الصلاة {وبشر المؤمنين} أنت يا محمد. قال سعيد بن جبير: بشِّرهم بالنصر في الدنيا، وبالجنة في الآخرة.]

  • تفسير “فتح القدير” للشوكاني: الإمام الشوكاني ينتصر لرأي جمهور المفسرين بأن المراد بالقبلة الصلاة في البيوت.

[ { وَأَقِيمُواْ الصلاة } أي: التي أمركم الله بإقامتها، فإنه يفيد أن القبلة هي قبلة الصلاة، إما في المساجد أو في البيوت، لا جعل البيوت متقابلة، وإنما جعل الخطاب في أوّل الكلام مع موسى وهارون، ثم جعله لهما ولقومهما في قوله: {واجعلوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصلاة} ثم أفرد موسى بالخطاب بعد ذلك، فقال: {وَبَشّرِ المؤمنين} لأن اختيار المكان مفوّض إلى الأنبياء، ثم جعل عاماً في استقبال القبلة وإقامة الصلاة، لأن ذلك واجب على الجميع لا يختص بالأنبياء، ثم جعل خاصاً بموسى، لأنه الأصل في الرسالة، وهارون تابع له، فكان ذلك تعظيماً للبشارة وللمبشر بها.]

  • تفسير “التحرير والتنوير” للطاهر بن عاشور: اعتراض ابن عاشور على الرأي السابق.

[…لا جرم أن تكون البيوت المأمور بتبوئها غير البيوت التي كانوا ساكنيها .واضطرب المفسرون في المراد من هذه البيوت وذكروا روايات غير ملائمة لحالة القوم يومئذ. فقيل : أريد بالبيوت بيوت العبادة أي مساجد يصلون فيها، وربما حمل على هذا التفسير من تأوله وقوع قوله: {وأقيموا الصلاة} عقبه. وهذا بعيد لأن الله علم أن بني إسرائيل مفارقون مصر قريبا بإذنه. وقيل: البيوت بيوت السكنى وأمسكوا عن المقصود من هذه البيوت. وهذا القول هو المناسب للتبوؤ لأن التبوؤ السكنى، والمناسب أيضا لإطلاق البيوت، وكونها بمصر .

فالذي يظهر بناء عليه أن هذه البيوت خيام أو أخصاص أمرهم الله باتخاذها تهيئة للارتحال، وهي غير ديارهم التي كانوا يسكنونها في (جاسان) قرب مدينة فرعون، وقد جاء في التوراة ما يشهد بهذا التأويل في الفصل الرابع من سفر الخروج: إن الله أمر موسى أن يخرج ببني إسرائيل إلى البادية ليعملوا عيد الفصح ثلاثة أيام وأن ذلك أول ما سأله موسى من فرعون، وأن فرعون منعهم من ذلك، وأن موسى كرر طلب ذلك من فرعون كل ذلك يمنعه كما في الفصل السابع والفصل الثامن من سفر الخروج، وقد صار لهم ذلك عيدا بعد خروجهم.]

ملاحظة: أرى أن اعتراض الطاهر بن عاشور بني على تعليلين ضعيفين: الأول كون البيوت مؤقتة وأن الله علم أن بني إسرائيل مفارقون مصر قريبا، وهو تعليل في نظري يؤكد نقيض ما ذهب إليه ابن عاشور، لأن إقام الصلاة في هذه المدة القصيرة في البيوت يتناسب مع حرمانهم من كنائسهم التي اعتادوا الصلاة فيها، ويبين أهمية العناية بالصلاة حتى في الظروف الاستثنائية وأنه لا  ينبغي تركها بأي حال، والثاني استشهاده بالتوراة وهذا دليل غير مقطوع به، ولا يؤكد ما ذهب إليه ابن عاشور، والله أعلم.

ثانيا: اتخاذ المساجد في البيوت في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم

  • الأصل في صلاة الجماعة أن تؤدى في المساجد العامة في الظروف العادية:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: “مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَرَعَ سُنَنَ الْهُدَى لِنَبِيِّهِ، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَإِنِّي لَا أَحْسِبُ مِنْكُمْ أَحَدًا إِلَّا لَهُ مَسْجِدٌ يُصَلِّي فِيهِ فِي بَيْتِهِ، فَلَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَتَرَكْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ”. صحيح مسلم.

  • اتخاذ مساجد البيوت للصلاة والذكر:

عن عائشة قالت: “أَمَر رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ببناءِ المساجد في الدُّور، وأن تُنَظفَ وتُطَيبَ”. صحيح أبي داود.

(الألباني: إسناده صحيح على شرط الشيخين، ورواه ابن خزيمة في “صحيحه “، وكذا ابن حبان).

عنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ (أم المؤمنين) جُوَيْرِيَةَ (بنت الحارث) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ فَقَالَ: “مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا” قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ”. صحيح مسلم .

  • إقامة الفرائض في مساجد البيوت للنساء وذوي الأعذار من الرجال.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُوَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ. قَالَ: ” قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي، وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي. قَالَ: فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ، فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ”.

عن عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَنْصَارِ، أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي، وَإِذَا كَانَتْ الْأَمْطَارُ سَالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ وَلَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ لَهُمْ، وَدِدْتُ أَنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْتِي فَتُصَلِّي فِي مُصَلًّى، فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ” قَالَ عِتْبَانُ: فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ: “أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ ؟” قَالَ: فَأَشَرْتُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الْبَيْتِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرَ، فَقُمْنَا وَرَاءَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، قَالَ وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرٍ (*) صَنَعْنَاهُ لَهُ”. صحيح مسلم .

(*) في “لسان العرب” و”المعجم الوسيط”: الخَزِيرَةُ أو الخَزِيرُ: حِساء من الدسم والدقيق يصنع من اللحم يؤْخذ فيقطع قطعا صغاراً في القِدْرِ، ثم يطبخ بالماء الكثير والملح، فإِذا اكتمل نضجه ذُرَّ عليه الدقيق فَعُصِدَ به، ثم أُدِمَ بأَيِّ أَدَامٍ شِيءَ. والخَزِيرَةُ تكون بالحم، فإِذا لم يكن فيها لحم فهي عَصِيدَة.

  • ملاحظات:

لا يشترط في مساجد البيوت الخاصة ما يشترط من أحكام فقهية خاصة بالمساجد العامة المباحة لجميع الناس، فقد ذكر ابن قدامة في “المغني” أن مسجد البيت « لا تثبت له أحكام المسجد الحقيقية»، ولذلك يجوز دخولها والمكوث فيها للجنب والحائض للاشتغال بالذكر فقط، أو حتى للخلوة وتفريغ الهموم والأحزان كما ورد في بعض الآثار، وقد جاء في “الموسوعة الفقهية” «مسجد البيت ليس بمسجد حقيقةً ولا حكماً، فيجوز تبديله، ونوم الجنب فيه». ولا يشترط فيها التأبيد، أي أن تبقى مسجدا على الدوام، بل هي مساجد مؤقتة  خاصة بالأسر، وقد يستغنى عنها إذا احتيج المكان للسكن أو إذا بيع البيت للغير، قال الحافظ ابن حجر « اتخاذ مكان في البيت للصلاة لا يستلزم وقفيته ولو أطلق عليه اسم المسجد». كذلك لم يجوز فيها فقهاء المالكية الاعتكاف، فقد جاء في “حاشية العدوي” «وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا، فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي مَسَاجِدِ الْبُيُوتِ وَلَا فِي الْكَعْبَةِ وَإِنْ جَازَ لَهُ دُخُولُهَا»، وجاء في “شرح مختصر خليل” للخرشي « فلا يصح الاعتكاف في مساجد البيوت, ولو لامرأة»، وذكر ابن رشد أن أبا حنيفة جوز للمرأة الاعتكاف فيها، والصواب ما ذكره المالكية لأن الإنسان في مسجد بيته في اعتكاف دائم إن شاء، والاعتكاف يتطلب الانقطاع عن التواصل مع الآخرين وهذا يصعب التقيد به داخل البيت بحضور الأهل وقدوم الزوار وغير ذلك.

ولكن يندب أن للإنسان أن يعظم هذه المساجد ويعتني بها ويتجنب فيها على سبيل الندب والاستحباب ما يتجنبه في المساجد العامة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر وأن تُنَظفَ وتُطَيبَ، وفي صحيح “سنن أبي داود” عَنْ سَمُرَةَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى ابْنِهِ: “أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَأْمُرُنَا بِالْمَسَاجِدِ أَنْ نَصْنَعَهَا فِي دِيَارِنَا وَنُصْلِحَ صَنْعَتَهَا وَنُطَهِّرَهَا”، ومن ثم استحب بعض فقهاء المالكية صلاة تحية المسجد عند دخولها، فقد جاء في “الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني” أثناء الحديث عن أداء تحية المسجد « وهل يتناول مساجد البيوت أو قاصر على المساجد المباحة؟ وأقول: المتبادر من الروايات العموم لتسمية الجميع مساجد»، وبيوت الله بصفة عامة حقها التعظيم والعناية ما دامت مخصصة للصلاة والذكر. والله أعلم.

والحمد لله رب العالمين

الدكتور محمد بنينير

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى