مجالس القرآن الأسرية عند العلامة فريد الانصاري رحمه الله – عبد الحق لمهى

في سياق النقاش الدائر حول الأسرة وما يتفاعل من آراء حول أحسن السبل للنهوض بها يأتي (مجالس القرآن)، إجابة من الإجابات والمقاربات التربوية الناجعة.

تعد مجالس القرآن الأسرية صورة من صور المشروع التربوي والدعوي الواعد ” مجالس القرآن ” لمبدعه العلامة فريد الأنصاري.

أين ينعقد هذا المجلس؟

 . يقرر صاحب كتاب مجالس القرآن على أن هذا المجلس القرآني الأسري يكون دخل الأسرة الواحدة.

دواعي المجلس القرآني الأسري؟

علاقة بهذا السؤال أترك القارئ الكريم مع نص للعلامة فريد الأنصاري، وهو يشرح تلك الدواعي، يقول رحمه الله:” فأنتما أيها الزوجان أو الأبوان، عندما تختل موازين الحياة بينكما داخل البيت، وتضطرب شؤونه، ولا يستقيم بناؤه، فلا تصفو المودة، ولا تخلص المحبة، فهذه وصفة الإيمان جاهزة من صيدلية الرحمان؛ دواء كامل، وشفاء شامل لا يغادر سقما: القرآن نعم القرآن، فهل فكرتما في وصفة القرآن؟ إن ترياق القرآن ـ للجسم الأسري خاصة ـ لا يكون بمنهج التلاوة التبركية فقط، بل يكون أساسا بمنهج التدارس والتدبر الجماعي، كما سنبينه بعد بحول الله. عندما يجتمع الزوجان على آيات بينات من كتاب الله؛ تلاوة وتدارسا وتدبرا؛ فمعنى ذلك أن القلوب قد انفتحت للتلقي عن الله، واستعدت أتم الاستعداد لإعادة ترتيب الوجدان على موازين القرآن ومفاهيم القرآن؛ فإذا بالنور ينزل ليطهر الخواطر من وساوس الشيطان، ويطرد الغشاوة التضليلية عن الأبصار والبصائر، ويعيد بناء الثقة بين الزوجين، على أحسن مما كانت عليه في أي وقت مضى بإطلاق، وجرب تَرَ النتيجة بعينيك إن شاء الله. “[1]

يضيف رحمه الله قائلا:” قبل هذا وذاك (مجالس القرآن الأسرية) هي لبناء الأسرة على مفاهيم الإسلام، وتكوين الأبناء بمختلف أعمارهم على مواجيد الإيمان، وقيم الدين، والتخلق بجماله وأنواره. إن التربية القائمة على منهج القرآن لهي أيسر الوسائل التربوية، وأضمنها للوصول بالأبوين أنفسهما والأبناء معهماـ داخل الأسرة الواحدةـ إلى الاستفادة الفعلية من مقاصد القرآن العالية والتخلق بأخلاقه الراقية؛ ذلك أن القرآن يربي النفس بصورة تلقائية، لا كلفة فيها ولا تعقيد، بشرط أن يقود الأبوان أنفسُهُما إدارةَ (مجلس القرآن) داخل البيت. فإذا يحصدان نتائج الخير والبركة بإذن الله، بما لا يخطر لهما على بال؛ لأن ذلك ـ ببساطة ـ هو (منهج الفطرة) حيث تنبت القيم والحقائق الإيمانية في أعماق النفس، تماما كما ينبت الزرع في الحقل، وتدبر حديث رسول عليه السلام عن أهمية حضور الأبوين في العملية التربوية. قال عليه الصلاة والسلام ” كلُّ مولودٍ يولَدُ على الفطرةِ فأبواه يُهوِّدانِه أو يُنصِّرانِه أو يُمجِّسانِه

  ”  (متفق عليه). ومعلوم أن الإسلام دين الفطرة، وأن القرآن هو ديوان الفطرة ومن هنا فليس أقدر من كتاب الله تعالى على بناء الأنفس والمجتمعات على الفطرة، أو إعادة بنائها على موازينها، أو ترميمها؛ إذا كان قد حصل فيها انحراف أو ضلال.”[2]

ثم يستمر رائد مجالس القرآن قائلا:” وما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعلون أبناءهم وأهليهم بمعزل عن القرآن، بل كانوا يحضرونهم مجالسه، ويشركونهم موائده، ويعيشون معهم لحظات استدرار أنواره، وأوقات التعرض لأسراره. فهذا الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه (كان إذا ختم القرآن جمع أهله وولده فدعا لهم).”[3]

ويسترسل فيقول:” وكم من أب، أو أم تعبت وراء السراب؛ بحثا عن منهج قويم لتربية الأبناء والبنات، فتستغرق ما شاء الله من الأيام، في المطالعة للكتب التربوية، والمتابعات للبرامج التلفزيونية والإعلامية، مسائلة هذا العالم أو ذاك، وقاصدةً الأخصائيين هنا أو هناك؛ للحصول على وصفة تداوي بها انحراف أبنائها وتمرد بناتها، أو تعنت زوجها، وقسوة حماتها … إلخ، حتى إذا قيل لها ما قيل، وكانت النظريات ذات اصطلاح أنيق، والكلمات ذات ألوان وبريق؛ أخذتها فرحة مسرورة كأنما عثرت على كنز ثمين، لكنها عندما تشرع في التطبيق والتجريب لا تجد من مفهوم التربية فيها إلا السراب، وإنما هي كلمات جوفاء، ونظريات خرقاء، لا تُسمن ولا تغني من جوع.”[4]

” وعجبا لمن يطلب العلاج النفسي، والحل الاجتماعي، في أقصى الدنيا وأبعد الحدود؛ وهذا الشفاء الرباني أقرب إليه من حبل الوريد. القرآن، فهل عرفت ـ حقيقة ـ ما معنى القرآن؟ هل حاولت اكتشاف عالم القرآن؟ ذلك هو السؤال اْلُمرُّ؟ الذي يظن أغلب الناس أنهم على قدرة الإجابة عنه بالإيجاب، ولكن أكثرهم ـ مع الأسف ـ أبعد ما يكونون عن الصواب.

وليس كتدارس القرآن وتلاوته شيء أنفع وأجدى ـ في العالم كله ـ لتمتين العلاقات الزوجية، ورعاية الطفولة، وتربية الشباب، وإن بيتًا يُتَدَارَسُ فيه القرآن ويتلى لَهُوَ بيت لا يسكنه الشيطان أبدا؛ ولذلك بيان سهل بسيط في هذه الورقات، يأتي بحول الله. “[5]

من له الأهلية لبناء مجلس قرآني؟

يجيب العلامة فريد ـ رحمه الله تعالى ـ قائلا: ” بقيت مسألة واحدة قد تكون مدخلا للشيطان ـ نعوذ بالله السميع العليم منه ـ فيثبط النفس ويثقلها عن المبادرة إلى إنشاء مجالس القرآن؛ وذلك أنه ربما يتسلل إلى الحاضر عبر هذا السؤال: من له الأهلية لبناء مجلس قرآني؟ وسرعان ما تتوجه أصابع الاتهام إلى النفس: أنا لست أهلا؛ وإذن فلننتظر المهدي؛ ومن هنا فإننا نقول: نعم، العلماء الربانيون أولا، هم أولى بهذا المشروع من غيرهم، ولكن ليس وحدهم، بل بعدهم يأتي أهل الخبرة التربوية من الربانيين، وربما كان من هؤلاء من فاق أولئك؛ خاصة وأن المشروع يشتغل بالمعلوم من الدين بالضرورة، وليس موضوعا لتخريج الفقهاء والمفتين، فذلك له ميدان آخر غير ما نحن فيه، وإنما مجالس القرآن مجال للصناعة التربوية أساسا.

وذلك بناء على يقين حصلناه بالمشاهدة والتجربة: وهو أن هذا المشروع يصنع أساتذته، وهذا سر من أسرار القرآن العجيبة، .” [6]

***

[1] ـ مجالس القرآن، فريد الأنصاري، ص 51.

[2] ـ نفسه، ص 51ـ 52.

[3] ـ نفسه، ص 52.

[4] ـ نفسه، ص 52.

[5] ـ نفسه، ص 53.

[6] ـ نفسه، ص 57ـ 58.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى