مجالات عملنا

اعتمدت حركة التوحيد والإصلاح المداخل الآتية باعتبارها مجالات عملها الرئيسة. وهي مجالات نَعتبِرُ العمل فيها من اختصاصنا، ونراها أساسية بالنسبة لمشروعنا، وداخلة في دائرة اهتماماتنا المباشرة. فحركتنا حركة دعوية بالأساس. وعليه فإنَّ دائرَةَ اهتمامها المباشرة لا بدَّ مُتضمِّنةٌ بالأساس ما يتكامل بالضرورة مع وظيفتها الدعوية، ويُقِيمُها ويُسَدِّدُها. لذلك فإنَّ المجالات التي نعتبرها رئيسة بالنسبة إلينا هي: مجال الدعوة الذي نضطلع فيه بمهمتنا الرسالية، ومجالي التربية والتكوين اللذين نتغيى من خلالهما إعداد الفرد الصالح المصلح،  والمجال العلمي والفكري الذي نسدد به عملنا ونمضي به على سنن وبصيرة في مشروعنا الدعوي والتربوي والإصلاحي. فهذه المجالات الأربعة هي مجالات عملِنا الرئيسة، والتي نصطلح على الثلاثة الأولى منها (الدعوة والتربية والتكوين) بالوظائف الأساسية.

أولا: مجال الدعوة

إن الدعوة إلى الله تعالى هي المهمة الكبرى ووظيفة الوظائف في حركتنا. فهي مبرر وجودها، وباعث همتها، وعاقد عزمتها. والدعوة إلى الله عز وجل رسالة الأنبياء، والمهمة التي أنيطت بمن خلفهم من أجل استمرار هذه الرسالة بعد ختمها بخاتم النبوة مع رسول صلى الله عليه وسلم؛ وهي فريضة واجبة على كل مسلم علم من دين الله شيئا قليلا أو كثيرا. والحركة إنما تُعرّف نفسها بأنها حركة دعوة إلى الله تعالى، وإلى الإسلام وقيمه ومبادئه وأحكامه، وإلى تجديد فهمه ومعرفته والتفقه فيه، وإلى نشره وتعميمه، وإلى الالتزام به والعمل بمقتضياته. فالدعوة بهذه الاعتبارات هي الإطار الأوسع لأعمال حركة التوحيد والإصلاح، بل هي أساس وجودها ومنطلق عملها. وإن المقصد العام للعمل الدعوي هو تحصيل الاستقامة التي تميز السلوك الإسلامي فرديا وجماعيا. وإن له عندنا أولويات منها ما هو ثابت ومنها ما هو ظرفي. فالثابت ما تعلق بالأمور الأساسية في الدين، كأمر العقيدة والعبادة والقيم والأخلاق الإسلامية. والظرفي ما تعلق بقضايا الأمة والإنسانية التي تقتضي بلاغا وإفهاما وتعبئة.

وإن لعملنا الدعوي مواصفات، أهمها السبع الآتية : الإيمانية والوضوح والرحمة والاعتدال والتدرج والإيجابية والحكمة. 

ويندرج ضمن هذا المجال الدعوة الفردية والدعوة العامة. فالدعوة الفردية هي التي يقوم بها المسلم بمفرده سواء بمبادرة منه أو من الهيئة التي ينتمي فيها. وهي أعمق وسائل الدعوة تأثيرا، وهي المجال الذي يمكن لجميع أبناء الحركة أن يتحركوا فيه وينبغي لهم ذلك، لأنه لا يحتاج إلى مرتبة خاصة في العلم، أو تخصص عال في الدعوة. كما أن الدعوة إلى الله تعالى بالاتصال الشخصي هي البداية التي بدأ بها الأنبياء، وبها بدأ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان. وبالدعوة الفردية ينمو التدين في المجتمع ويتوسع وتنشط أنواع الدعوة الأخرى، كما تؤدي إلى إغناء صفوف الحركة بطاقات وكفاءات جديدة. أما الدعوة العامة، فيقصد بها الأعمال الدعوية التي يتم القيام بها بصفة جماعية، أو يقوم بها الفرد وتكون موجهة إلى جمهور الناس.

ثانيا:مجال التربية

إن وظيفة التربية  تَخْتَصُّ أساساً بالبناء العقلي والقلبي والسلوكي للفرد داخل حركة التوحيد والإصلاح، بل وجعله متاحا خارجها من خلال الوسائل التي تتبناها في هذا الإطار، مثل برامجها التربوية المنشورة للعموم، والتي كان آخرها منظومة سبيل الفلاح للتربية والتكوين.

والتربية عند حركة التوحيد والإصلاح وظيفة أساسية تتعهد الحركة من خلالها أعضاءها والمتعاطفين معها وكل من أراد الاستفادة والاستزادة من مجالس الذكر والتدبر والتفكر والتناصح والتواصي بالحق وبالصبر والتفقه في الدين والعمل به، وفهم الواقع وتحصيل أدوات الاشتغال في مختلف مجالات الإصلاح.والتربية في مفهومنا مسؤولية فردية وتواصٍ جماعي، وهي تحيل على كل الأعمال التي يحصل بها الارتقاء الإيماني والتصوري والسلوكي للفرد، ليكون صالحا في عموم جوانب حياته الفردية والجماعية، مصلحا في محيطه القريب والبعيد. يحدونا في ذلك قوله الله تبارك وتعالى: «{إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}(الرعد 12)»، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أَلاَ وَإِنَّ فِى الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ . أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ » (صحيح البخاري)؛

 فهي سنة من سنن الله المقررة أن ما يعتمل في دنيا الناس من ضروب الخير والشر إنما مرده إلى ما يعتمل في نفوسهم، وأن إصلاح ما بواقعهم من فساد إنما يكون منطلقه من إصلاح ما بأنفسهم من علل وأمراض. بل إن الأمر يتعدى أمر الدنيا إلى أمر الآخرة، قال عز من قائل : «{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا؛ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا؛ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا؛ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}(الشمس 7 – 10)» وقال تعالى في معرض الحديث عن يوم القيامة : «{يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ؛ إِلَّا مَنْ اَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}(الشعراء 88 – 89)»وترى الحركة بأن العملية التربوية لا تكون تامة وصحيحة إلا إذا اتصفت بثلاث: أن تكون عامة وشاملة لجوانب حياة الإنسان، وأن تكون معتدلة وسطية فيما تطلبه من الفرد المتلقي لها وتتوخاه، وأن تكون عملية تتحقق في الفكر والسلوك وتمتحن في التدافع في ميادين الإصلاح.

ثالثا: مجال التّكوين

إنّ التكوين في مفهومنا وظيفة أساسية يتم من خلالها تعهّد أعضاء حركة التوحيد والإصلاح ومدّهم بضروب الكفايات التي تؤهلهم للاضطلاع بإتقان وفاعلية بمختلف الأعمال التي توكل إليهم في إطار وظائفهم الدعوية والتّربوية والإصلاحية.

وينتظم رؤيتنا في هذه الوظيفة مقصدان رئيسان: أولهما الارتقاء بأداء أعضاء وهيئات الحركة لتمكينهم من عناصر الفعل الدعوي الإصلاحي تنظيميا ونظريا وتطبيقيا. وثانيهما الإسهام في تخريج الأطر الرسالية المتسمة بالقوة والأمانة، والمتشبعة بقيم الإسلام الراقية، والمتوفرة على الكفايات العلمية والعملية التي تؤهلها للاضطلاع برسالة حركة التوحيد والإصلاح.

كما تسعى الحركة في هذه الوظيفة من خلال مخطّطاتها وبرامجها للتّكوين إلى تخريج من يتحقق بمجموعة من المواصفات الضّروري توفّرها في الدّاعية إلى الله سواء على مستوى الكفايات المعرفية التصوّرية، أو المهارية العملية، أو الشّخصية السّلوكية

رابعا: المجال العلمي والفكري

وهو المجال الذي نسدد به عملنا ونمضي به على بصيرة في مشروعنا الإصلاحي والذي يُعتبر في حركة التوحيد والإصلاح قضية مركزية تحظى لديها باهتمام كبير، وتنظر إليها باعتبارها من الروافد الأساسية لمشروعها الإصلاحي. فالجهل والهوى هما منشأ كل باطل قال الله تعالى: «{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الاَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى}(النجم 23). والذي يعدِم الحدّ اللاّزم من العلم بالدين والتّفكّر فيه تكون مداخل الشيطان إليه كثيرة، فقد يدخل عليه الشرك أو الابتداع في العبادة من حيث لا يدري؛ إذ بالعلم والتّفكّر يميز بين الإسلام والجاهلية، وبين الإيمان والكفر، وبين السنة والبدعة، وبين الحلال والحرام.

والعلم بالدين وإن كنا نعتبره أوجب العلوم وأشرفها وألزمها لكل عمل دعوي وإصلاحي، فإننا لا نجعله المجال الأوحد لاهتمامنا، بل نعتبر كافة العلوم النافعة ضرورية وداخلة في عملنا وعنايتنا، بحيث نبذل لها ما  في وسعنا من توجيه وتشجيع وخدمة وترقية. فنحن نهتم بهذا العمل ونرصد له ما استطعنا من وسائل، لأننا نعلم أن الجهل عدو من أعداء الدعوة وسلاح من أسلحة الشيطان، ولا يهزمه إلا الرفع من المستوى العلمي والتعليمي لأبناء الأمة.

ولا تعتبر حركة التوحيد والإصلاح إنتاجها الفكري مقصورا على ما يصدر عنها، ولا ما تنفتح عليه من فكر محدودا فيما ينتجه أبناؤها ومؤسساتها، بل نعتبر أن من صميم سعينا أن ننفتح على معين الحكمة الإنسانية بشكل عام، والاجتهادات الإسلامية على اختلافها بشكل خاص؛ إيمانا منا بجسامة مهمة الإصلاح التي انتدبنا أنفسنا للمساهمة فيها، ووعيا بما للرافد الفكري والعلمي من فائدة ودور في هذا الإطار، وأن المسألة الفكرية أكبر من أن يستوعبها الوعاء التنظيمي الخاص.

وتأتي أهمية هذا المجال من أمرين رئيسين: أولا: مما هو متعلق بأسئلة مشروعها العام في مختلف تجلياته، وكذا من الإسناد العلمي والفكري لجهود الدعوة والإصلاح الذي تساهم فيهما حركة التوحيد والإصلاح. وثانيا : من مهمة معالجة مجموعة من الإشكالات المتعلقة بانشغالاتها الداخلية تربويا وتنظيميا. ولذلك فإننا نجمل مقاصد هذا المجال في :

  • التسديد الشرعي للمشروع التربوي والدعوي والإصلاحي من خلال الاجتهاد في العلوم الشرعية اجتهادا وتنزيلا، وبحثا وتصنيفا، وتقريبا وتعريفا.
  • الإسناد المعرفي للمشروع من خلال الإبداع في العلوم الاجتماعية بمختلف فروعها تجديدا لآليات الاشتغال، وتحديدا لمراحل الانتقال، وتشييدا لأرضيات التواصل الفكري والثقافي والحضاري داخليا وخارجيا.
  • الإسهام في إطلاق حركيات فكرية وعلمية وثقافية ضرورية للنهوض الحضاري في الوطن والأمة؛ بما يقتضيه ذلك من إحداث لفضاءات النقاش الفكري والتلقي المعرفي، ومن تشجيع للإنتاج العلمي، ومن انفتاح على الفعاليات المختلفة تنظيميا وإيديولوجيا على أرضية التعاون على الخير، ومن البحث عن الفهم الأفضل للحاضر والتفكير في المستقبل.

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى