الرميد والمودن والكموط: الملك محمد السادس أطَّر تعديل المدونة بقاعدة “لا أحل حراما ولا أحرم حلالا”

سلط الأستاذ مصطفى الرميد الضوء على المسار الذي عرفته مدونة الأحوال الشخصية مند الاستقلال مرورا بتعديل 1993، وصولا لمدونة الأسرة عام 2004 الذي جاء بعد نقاش اجتماعي وتقاطب حاد بين تيارين وإحجاث لجنة ملكية لمدونة الأسرة.

وأوضح وزير العدل السابق في ندوة عن بعد بعنوان:”تعديل مدونة الأسرة بين الفقه والدستور والمواثيق الدولية”، نظمها الفرع الاقليمي لحركة التوحيد والاصلاح بتطوان، أمس الجمعة 26 ماي 2023، أن قضايا الأسرة عموما والمرأة خصوصا تستقطب الخلافات الحادة في الدول العربية والاسلامية بسبب الصراع بين تيارين عريضين: تيار إسلامي يحرص على الصبغة الإسلامية، وتيار علماني يرى جانب منه أن الانتصار للمرأة لا يمكن أن يتم إلا من خلل الصيغ القانونية الغربية، ولا يعبـأ بمقومات الأخلاقية للمجتمع ولا يعبأ في أحيان كثيرة بالقيم الدينية السائدة فيه التي تعتبر جوهر هويته.

مصطفى الرميد

وقال الأستاذ الرميد إنه منذ صدور مدونة الأسرة سنة 2004، بدأت أصوات تطالب بإعادة النظر في بعض بنودها، ووضعت اقتراحات في المواد المتعلقة بالمواضيع التالية:

  • منع تزويج القاصر
  • عدم سقوط الحضانة عن الأم المطلقة حين زواجها
  • المساواة بين الأم والأب في الولاية على الأبناء
  • تأمين الحماية للزوجة من طرف النيابة العامة عند الرجوع الى بيت الزوجية
  • مفهوم الكد والسعاية

وأضاف أنه منذ عقد من الزمن تعالت أصوات تدعو لتعديلات تتجاوز سقف الدستور وثوابت الأمة، مشيرا إلى أن الخطاب الملكي الذي أعلن فيه عن فتح باب تعديل مدونة الأسرة، أطره بقاعدة “لا أحل حراما ولا أحرم حلالا”..

وأكد المحامي والرجل الذي خبر القانون دراسة وممارسة، أن الدستور نص فيما يخص الاتفاقية الدولية على جعلها كما صادق عليها المغرب في نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة، وبالتالي فليس بالإمكان أن نتحدث عن سمو الاتفاقيات الدلوية بالمطلق، مشيرا إلى ما ينص عليه الدستور من أن” المرأة والرجل يتمتعان على قدم المساواة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية… “، مؤكدا أنه لا يمكن أن تكون مواثيق معمول بها في المغرب إلا في نطاق المصادقة بمقتضياتها الشمولية في نطاق الدستور وثوابت المملكة وقوانينها، وأن المصادقة تشمل أيضا التحفظ.

وأوضح الأستاذ الرميد أن إصلاح مدونة الأسرة يتقاطع مع اتفاقيتين: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل، مشيرا أن الاتفاقية الأولى تثير الكثير من الأسئلة وتتصادم بعض فقراتها مع الأحكام الشرعية.

ومن جهتها أكدت الأستاذة أسماء المدون في الندوة نفسها أن مدونة الأسرة تشريع يؤسس لمجتمع آمن مستقر يسعى إلى تحقيق التوازن بين المقاصد النبيلة للمرجعية الإسلامية وبين القيم الكونية لحقوق الإنسان والتي صادقت عليها المملكة المغربية، وأن أهداف إقرار مدونة الأسرة تتمثل في إنصاف المرأة وحماية الطفل وصيانة كرامة الرجل مع تشبث بمقاصد الإسلام المتمثلة في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف والتنشئة السليمة للأطفال.

أسماء المودن

وأكدت رئيسة الشبكة المغربية شمل للوساطة الأسرية، أن المدونة في الوقت الراهن أصبحت ورشا جاهزا للتعديل والمراجعة، مشددة على أن المراجعة والتعديل يجب أن ينضبطا بمحددات وضرورات لا يمكن أن تحيد عنها وهي:

أولا: التعديل في إطار المرجعية الإسلامية لأنه هو الذي تنطلق منه مدونة الأسرة في حد ذاتها أي النصوص الشرعية، وبالتالي فالمرجعية محسومة والمعارك المفتعلة حولها ما هي إلا محاولات لتنزيل توصيات أممية لا تعبر عن التعديل المواطن الذي يستجيب لمتطلبات واقع الأسرة المغربية.

ثانيا: المقاربة الشمولية حيث لا يمكن أن تكون مراجعة أو تعديل إن لم يرافقه الاشتغال على أوراش متعددة الأبعاد؛ الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتثقيفية والتربوية والصحة النفسية وغيرها، وهو ما يجب أن تتحمل مسؤوليته الدولة للدفع بهاته الأوراش بكامل الجدية.

ثالثا: أن يكون التعديل مستجيبا لحاجيات الأسرة المغربية بشكل واضح، ففي ظل وجود تيارين حداثي يريد التعديل بناء على القيم الكونية والمساواة التامة، وبين مطالب مؤسسة على احتياجات حقيقية لواقع الأسرة المغربية، يحب أن يكون التعديل نابعا من هذا الواقع.

وبخصوص النصوص التي يجب أن يشملها التعديل والمراجعة من أجل تطوير تلك النصوص لتحقيق العدل والإنصاف ارتأت الأستاذة المودة التركيز على :

 كتاب الزواج

  • أذونات الزواج وتأهيل الشباب المقبلين على الزواج، حيث ترى أن المدونة لم تعط أهمية كبيرة لمسألة تأهيل الشباب قبل الزواج.
  • زواج القاصر: لأن الأمر يتعلق بواقع ثقافي اجتماعي اقتصادي يجب أن يثار النقاش حوله من خلال مقاربة تشخيص سوسيو ثقافي للمجتمع المغربي اعتبارها ظاهرة اجتماعية من أجل أن نضع يدنا على مكامن الخلل المسببة لنشوءه.
  • تدبير الأموال المكتسبة أثناء فترة الزوجية: لأن إبرام العقود المتعلقة بالأموال المكتسبة هو أقل بكثير من إبرام عقود الزواج، حيث يجد العدول حرجا في إبرام هذا الاتفاق بشكل مستقل عن عقد الزواج، وغياب توثيق تدبير الأموال المكتسبة يضيع حقوق أحد الطرفين.

 كتاب الطلاق والتطليق

ترى المحامية المودن أن المعالجة القضائية لحالات الطلاق في محاكم قضاء الأسرة يعرف واقعا مؤلما ومؤسفا بسبب قلة الموارد البشرية والتخصص الضعيف، مقترحة اعتماد آلية الوساطة الأسرية والتي تُمكن من تحقيق نتائج طيبة في رأب الصدع وضمان استقرار الأسرة وتأهيل الأزواج في تدبير خلافاتهم بطريقة حضارية وذكية، دون الوصول إلى المحاكم.

ويضاف للمواضيع السابقة موضوع البنوة والنسب مؤكدة على ضرورة الاجتهاد من داخل النصوص الشرعية لإيجاد حلول مناسبة لها، وكذلك ملف الحضانة والنفقة التي تعرف نزاعات إنسانية معقدة تتخذ أشكال متعددة، وتبرز تدني وضعف المستوى الأخلاقي والقيمي عند الطرفين.

الباحث في فقه المعاملات وفي قضايا الأسرة، الأستاذ عبد العزيز الكموط أكد من جانبه أن مدونة الأسرة تتضمن الأحكام الاجتهادية المختلفة على مستوى المذاهب الإسلامية، وبالتالي لا إشكالية في التعديل انطلاقا من المرجعية الإسلامية، وما توافق عليه المغاربة المعبر عنه في الفصل 19 من الدستور.

وأشار الكموط  في كلمته بندوة “تعديل مدونة الأسرة بين الفقه والدستور والمواثيق الدولية”، أن الأحكام قطعية من كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم حسب أبواب المدونة لا اجتهاد فيها، وهو أساس القاعدة الجوهرية التي حددها الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله والملك محمد السادس في خطابه الأخير الذي أكد فيه للمرة الثانية ” بصفتي أميرا للمؤمنين ، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله” وهو ما تنطلق منه الدولة المغربية ومؤسساتها: الشعب المغربي وإمارة المؤمنين ومصادر الشريعة الإسلامية.

وأوضح المتحدث أن التعديلات التي يدعو لها البعض لها جذور في التاريخ المغربي، منذ الاستعمار حيث اشترطت القوى الاستعمارية شروطا على المغرب، وسعت إلى تعديل بعض القوانين التجارية منها خاصة، ثم فُتح باب صغير بدأ يكبر ثم توسع في بعض القوانين المدنية ابتداء من 1912، من خلال العهود والعقود، فكان المغاربة يوثقون أوراق ملكيتهم في سفارات فرنسا وهولندا في طنجة، على أساس اذا وقع تنازع بينهم يختارون التقاضي في السفارات الموجودة في المغرب، وبعد الاستقلال سعت القوى الوطنية لأحياء قانون الشريعة وتم إصدار أول مدونة أحوال شخصية.

وأضاف الأستاذ الكموط أن الفئة التغريبية واصلت محاولاتها لإخراج المدونة من أساسها الشرعي، بالاعتماد على مجموعة من الأسس البعيدة عن الشريعة بدعوى الاجتهاد، وتم التركيز على قضايا أهمها مسألة الإرث، مشيرا إلى أن هناك دراسات تعدت 800 ألف حالة إرثية ترث فيها المرأة مثل الرجل أو أكثر منه، وما تأخذه المرأة لا يوجد عليه وجوب وانما تأخذه طواعية.

موقع الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى