“غارت أمكم” – نادية الناصري

كلمة اعتذار من الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لضيوفه من الصحابة الكرام، ببيت الصديقة عائشة، تناقلتها كتب الأحاديث والسير عبر التاريخ. سطر بها حلم الزوج و أناة الصاحب وصبر العشير، وتفهم الحبيب، و حسن ظن الرجل بالمرأة الشابة ذات الضرائر .

إنها لم تقصد بفعلها إحراجه أمام ضيوفه أو الحط من قدره وكرامته أو حرمانه من الطعام الذي أهدي إليه لكنه بركان الغيرة حينما يتفجر .

علمت عائشة رضي الله عنها أن ضرتها (اختلفت الروايات في تحديدها أهي صفية أم زينب بنت جحش أم أم سلمة) قد أرسلت مع خادم لها طعاما إلى بيتها حيث النبي صلى الله عليه وسلم وضيوفه، فثارت ثائرتها وتوجهت إلى الخادم وتعمدت إسقاط الإناء الخشبي من يده، فتكسر إلى فلقتين .

(فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان عند بعض نسائه، قال أظنها عائشة، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين خادما لها بقصعة فيها طعام، قال : فضربت الأخرى بيد الخادم، فكسرت القصعة نصفين، قال فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : “غارت أمكم”، قال وأخذ الكسرتين، فضم إحداهما إلى الأخرى، فجعل فيها الطعام، ثم قال” كلوا” فأكلوا) رواه الترمذي .

ويعلق ابن حجر في الفتح على هذا الحديث بكلام جميل : “غارت أمكم”، اعتذار منه صلى الله عليه وسلم، لئلا يحمل صنيعها على ما يذم،  بل يجري على عادة الضرائر  من الغيرة، فإنها مركبة في النفس  بحيث لا يقدر على دفعها… وفي الحديث حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وإنصافه وحلمه قال : وفيه إشارة إلى عدم مؤاخذة الغيرى بما يصدر منها لأنها في تلك الحالة يكون عقلها محجوبا بشدة الغضب الذي أثارته الغيرة “.

لقد تعمدت رضي الله عنها وقصدت إسقاط الطعام وكسر الإناء، حيث جاء في بعض الروايات أنها كسرت الإناء بفهر( حجر صغير كان بيدها)، ومع هذا كله، لم يؤاخذها النبي صلى الله عليه وسلم على فعلتها اللهم تغريمها الإناء.

نعم لم يصرخ في وجهها، لم يؤذها لا بقول ولا بفعل، بل لم يسألها عن كسر الإناء أو إسقاط الطعام، بل اعتبر الأمر عاديا وبسيطا، فقط لمّ فلقتي الصحفة، وقدم الطعام لضيوفه معتذرا .

ولم يطلب منها حتى إصلاح الطعام، مراعيا لنفسيتها الهائجة المضطربة أنداك .

نعم لم يعاتبها، بل حفظ لها مكانتها أمام أصحابه، حينما قال ” غارت أمكم” و لم يقل غارت عائشة  .

ففعلها لا يقلل من قدرها ومكانتها، فهي أم المؤمنين وإن غارت وإن غضبت، وإن كان ذلك أمام الضيوف والأصحاب .

لقد أقرت رضي الله عنها وأرضاها بأن الدافع لكسر الإناء هو الغيرة من صفية التي كانت من أمهر النساء في إعداد الطعام، تقول : “ما رأيت صانعة طعام مثل صفية، أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم إناء فيه طعام، فما ملكت نفسي أن كسرته، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن كفارته فقال :” إناء بإناء وطعام بطعام ”  رواه النسائي و غيره و حسنه بن حجر .

لعل ما أثار غيرتها ما ظنته محاولة من صفية للتقرب من النبي صلى الله عليه وسلم بإهدائه طعاما أعدته، وفي بيتها هي، فالضيوف ضيوف عائشة وهي الأولى بإكرامهم، حتما إنه شعور أي أنثى ترى غيرها تتودد إلى حبيبها .

قد يقول قائل : إنه بيت النبوة ، فنقول: أليس النبي صلى الله عليه وسلم بشرا و كذا أزواجه؟ يأكلون ويشربون، ينامون، ويحبّون ويغارون…

والغيرة برهان على صدق الحب ومؤشر على وجوده بين الطرفين، على أن لا نتجاوز الحد المعقول فتصير الحياة جحيما .

لكن الموقف العظيم والفريد، هو موقف الحبيب، المصطفى صلى الله عليه و سلم، موقف خير الناس لأهله .

موقف رشيد وحكيم ، لم يعاتب، لم يعاقب، لم يصرخ، لم يضرب، ولم يطلّق .

بأبي و أمي أنت يا رسول الله، ليت الرجال يحدون حدوك ويقتدون بفعلك وأمرك .

فيا معشر الرجال :”استوصوا بالنساء خيرا”.

 

 

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى