علماء القرويين القضاة .. من زمن الأدارسة إلى العلويين (3)

2-العلماء القضاة في عهد الزناتيين

خلف الزناتيون الأدارسة في فاس، وعاصروا العامريين وملوك الطوائف بالأندلس. تمتد فترة حكمهم من سقوط دولة الأدارسة إلى ظهور المرابطبين. فشل الزناتيون في إقامة دولة قوية بالمغرب خارجة عن النفوذ الأجنبي. صاحبهم الفشل منذ البداية، لقد عجزوا عن تكوين حكومة مركزية تحت راية أمير واحد. ويرجع هذا الفشل إلى اعتمادهم على العنصر القبلي الضيق للوصول إلى الحكم بدل الاعتماد على العنصر الديني لتوحيد البلاد. لقد شبههم المؤرخون بملوك الطوائف بالأندلس، فكان كل من بني يفرن ومغراوة ومكناسة يعمل لحسابه الخاص، وبالتالي لم يستطيعوا تأليف دولة سياسية تدمج مختلف العناصر المكونة للمجتمع المغربي. إلا أنهم رغم عجزهم عن إقامة دولة مركزية بالمغرب، فقد وقفوا سدا منيعا في وجه الزحف الشيعي، وشكلوا حصنا قويا يصد كل هجمات المغيرين على المغرب والطامعين في تجاوزه إلى الأندلس. وبسبب الاضطرابات السياسية غادر كثير من المفكرين المغرب، واتجهوا إلى إفريقية والأندلس والمشرق.[1]

وفي الميدان الفكري لقيت العلوم الدينية رواجا وتطورا فاقت ما كانت عليه في العصر الإدريسي، فقد أخذ المذهب المالكي يأخذ طريقه نحو الاستقرار، وظهر كبار الفقهاء في أواخر عهد الزناتيين كأبي عمران الفاسي، الذي تلقى دراسته بجامع القرويين، ورحل إلى القيروان وقرطبة وبغداد، وكانت له الصدارة في الفقه المالكي بالقيروان، تتردد أقواله وآراؤه في كتب النوازل والفتاوي.[2]

من العلماء القضاة الذي تولوا القضاء في هذا العصر:

– ابن الولي قاضي قضاة فاس، من أولاد الولي المغراويين، أصله بربري، ينتمي إلى بيت عريق في العلم والفقه والدين. توفي سنة 392هـ. تولى القضاء من أولاد الولي المغراويين سبعة قضاة في سائر بلاد المغرب زمن الزناتيين.[3]

– عبد الله بن محمد ابن محسود الهواري الفقيه الصالح العدل الورع، تولى القضاء بفاس بعدوة الأندلس، كان يضرب به المثل في العدالة والتحفظ والتحري، ويعتبر نموذجا للمثل الأخلاقية، عاش زاهدا في الدنيا مقبلا على الله تعالى. توفي سنة 401 هـ.[4]

– الفقيه محمد بن أبي شعيب، ولي قضاء فاس بعد وفاة القاضي عبد الله بن محمد ابن محسود الهواري، بقي في منصبه لمدة ستة وعشرين سنة، إلى أن قتله هو وبنوه الأمير دوناس بن حمامة المغراوي سنة 427 هـ.[5]

– الفقيه عبد الرحمن ابن البان قاضي فاس، كان من جلة علماء فاس وفضلائها ونبهائها. توفي سنة 438 هـ.

عرف هذا العصر كثيرا من الفتن والاضطرابات بسبب سياسة الزناتيين الذين تنازعوا فيما بينهم، وكان كل واحد يعمل لمصلحته الخاصة، وعجزوا عن توحيد البلاد تحت راية أمير واحد، لقد حكموا المغرب بالتبعية للخارج، وكان أمراء الأندلس هم الذين يقومون بتعيين العلماء القضاة في بعض الأحيان، وظل نفوذهم محصورا في بعض الجهات من المغرب، لأن حكمهم كان قائما على نزعة قبلية ولم يكن مبنيا على أساس ديني.

وتعرض فقهاء القرويين للمضايقة في عهدهم، لقد أجبروا أبا عمران الفاسي الذي كان يدرس بالقرويين على الخروج من مدينة فاس، لأنه كان صريحا وصارما في الحق، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر،[6] لقد استقر بالقيروان، ولم تنقطع صلته بفاس، يرجع الفضل إليه في نشر المذهب المالكي بالمغرب الكبير. يروي عبد الهادي التازي أن المثل الذي يجري على ألسنة الناس في تونس- “مشكلة لا يفكها إلا قاضي فاس”- يرجع إلى أيام أبي عمران الفاسي هناك.[7] وتعرض الفقيه القاضي محمد بن أبي شعيب للقتل هو وبنوه من قِبَل الأمير المغراوي دوناس بن حمامة. لقد عمل علماء القرويين القضاة في هذا العصر على استقرار المذهب المالكي بالمغرب وعلى تطويره، ومهدوا لظهور المرابطين.

بقلم الدكتورة: آمنة هدار

لقراءة الحلقة (2) اضغط هنا


المصادر:

[1]– للمزيد من المعلومات انظر إبراهيم، حركات، المغرب عبر التاريخ، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء، 2009،ج: 1، ص:137-149.

[2]  – انظر المصدر نفسه، ص:144- 148.

[3] – انظر أحمد، متفكر، قضاة فاس،  المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، ص: 22.

[4]  – انظر عبد الهادي التازي، جامع القرويين المسجد والجامعة بمدينة فاس موسوعة لتاريخها المعماري والفكري، دار النشر المعرفة، ط: 2، 2000، ج: 1، ص: 157.  

[5] – انظر المرجع قبله، ص: 23- 24.

[6] – انظر عبد الله، كنون، النبوغ المغربي في الأدب العربي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط: 2، 1997، ج: 1، ص: 52- 53.

[7] – انظر عبد الهادي، التازي، جامع القرويين المسجد والجامعة بمدينة فاس موسوعة لتاريخها المعماري والفكري، دار النشر المعرفة، ط: 2، 2000، ج: 1، ص:157- 158.  

موقع الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى