عبرة من قصة نبي الله يوسف الصديق عليه السلام – عبد الحق لمهى

الحمد لله رب العالمين، مربِّ الناس كلهم على التمسك بأخلاق شريعته مهما كانت الأحوال، والصلاة والسلام على من كان خير إسوة في الـتأسي بمن سبقه من المرسلين.

فلعل من الأمر الواضح الذي قد لا يختلف حوله كل مؤمن بالله وبالنبوات ـ ومنها نبوة يوسف عليه السلام ـ أن يوسف ابن يعقوب عليه السلام جمع بين صفتي النبي والإنسان، شأنه في ذلك شأن باقي أنبياء الله ورسله عليهم السلام.

ومعلوم من خلال آيات القرآن الكريم وتحديدا من خلال سورة يوسف عليه السلام، ما لقيه الصديق من المحن والشدائد. وهي كما جاءت في جواب عن سؤال:”واجه نبي الله يوسف عليه السلام كثيرا من الابتلاءات والمحن ما هي هذه الابتلاءات؟ ”  [1]وكان الجواب المختصر المفيد كما يلي ”  فإن من الابتلاءات التي ابتلي بها يوسف حسد إخوته له وإبعادهم إياه عن أبيه، وإلقاؤهم له في البئر، وبيعه بثمن بخس، واتهامهم له بالسرقة، واستعباده بمصر، وابتلاؤه بمحنة تعلق قلب امرأة العزيز واتهامها إياه، وبقاؤه في السجن بضع سنين، وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 68057، 76878، 56185، 34474.”[2]

في مقابل هذا المحن بقي يوسف عليه السلام ثابتا على أمر الله وشرعته لم يغير ولم يبدل مهما ازداد اشتداد المحن عليه. ولا أدل على ثباته ذاك، أمور منها:

  • عفته وحياؤه أمام مراودة امرأة العزيز قال تعالى “وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ”. (يوسف ،23)
  • حرصه الشديد على الدعوة إلى الله ولو في ظروف السجن الذي دخله ظلما، قال تعالى   ” يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ ءَأَرۡبَابٞ مُّتَفَرِّقُونَ خَيۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ (39) مَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ أَسۡمَآءٗ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ” (يوسف 38، 39).
  • مبادرته إلى خدمة المصلحة العامة حينما كانت بلاد مصر مقبلة على أزمة القحط والجفاف، فقدم بذلك الحلول المناسبة لإنقاذ البلاد من هذه الكارثة المحتومة.  قال تعالى:” قَالَ ٱجۡعَلۡنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلۡأَرۡضِۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٞ، وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَتَبَوَّأُ مِنۡهَا حَيۡثُ يَشَآءُۚ نُصِيبُ بِرَحۡمَتِنَا مَن نَّشَآءُۖ وَلَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ” (يوسف ،55،56). وفي ذلك ما فيه من الدروس إذ يطلب من المسلم دائما وأبدا أن يكون مبادرا وسباقا إلى خدمة الصالح.

تلك إذن بعض من متمسكات النبي يوسف عليه السلام، في غمار المحن التي كان يجدها، ولو شئت الاستطراد في بسط مجمل ما اعتصم به لما وسعتني   أسطر هذا المقال، ولكني أحسب فيما قدمت إشارات واضحة على مبدأ الثبات الذي تمثله عليه السلام، فلم تكن المحن لتبدل من أخلاقه شيئا، شاءت بذلك حكمة البارئ جل في علاه.

ولما كانت هذه الأمة ـ أفرادا وجماعات ـ أمة التأسي والاقتداء، كان من المفيد لها التدبر والتأمل في هذه القصة الفريدة، عسى أن يكون فيها من الكنوز العطرة ما يسدد سلوك الفرد والجماعة.

وتفصيلا للقول يقال إن الإنسان المسلم يَعرضُ له في حياته من البلايا والمحن مثلما عَرضَ لنبي الله يوسف في حياته، أو ربما كانت غيرها من الابتلاءات الأخرى المختلفة عن سيرته النيرة، فما يكون المطلوب من المسلم إزاء هذه الحال؟ الجواب طبعا واضح وضوح الشمس في كبد النهار، وهو أن الثبات وعدم تبديل الأخلاق والقيم سيرا على نهج يوسف عليه في تمسكه بما تمسك به مما ذكر قبل في الأسطر السالفة الذكر، هو عين الصواب ومنتهى الحكمة.

ومما يندرج ضمن مبدأ الثبات ما قد يجده الداعية إلى الله المبلغ عنه من المحن في سبيل تبليغ رسالات الله تعالى إلى الناس، والحال هذه يكون مسلك الاقتداء بنبي الله يوسف في محافظته على أخلاقه الإسلامية الأصيلة خير طريق، رجاء بلوغ درجة الكمال البشري وسعيا إلى إدراك أعلى درجات الجنان مع يوسف عليه السلام وسائر المرسلين.

والحمد لله رب العالمين.

 

 

هوامش :

[1] ـ https://www.islamweb.net/ar/fatwa/77645/%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%A8%D8%AA%D9%84%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D8%B6-%D9%84%D9%87%D8%A7-%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%81-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85

[2] ـ https://www.islamweb.net/ar/fatwa/77645/%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%A8%D8%AA%D9%84%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D8%B6-%D9%84%D9%87%D8%A7-%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%81-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى