عبادة الاستغفار

إن أشرف أنواع الاستغفار وأفضلَه، وأعظمَه نفعًا، ما جاء عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حيث قال: (سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، فاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، مَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيِ؛ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ؛ فَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) رواه البخاري

قال – عز من قائل -: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10- 12].

إن العبد المؤمن الكثير الاستغفار لربه، لا يمكن لليأس أن يتمكن منه أبدا، ولا للإحباط أن يعرف إليه سبيلا، وهذه حياة المستغفرين.

فهو يواجه أمور حياته كلها بالاستغفار، فيصبح ذا إرادة قوية ولجوءٍ تام إلى خالقه، وعزم صادق وإيمان راسخ، وثقة في الله لا تَتزعزع، ويعمل باستمرار على الأخذ بأسباب الهداية والثبات، ويقرأ القرآن دائمًا، فتَنبعث في نفسه رُوح الأمل والتفاؤل عندما يقرأ قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8].

وهو يؤمن بأن الأمور مهما تعقدت، والخطوب مهما اشتدت، والعسر مهما تعسر، فالفرج من الله قريب، طالما أن الألسن تلهج لبارئها أبدا، تستغفره ليلَ نهار؛ ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يوسف: 110].

فإياك أن يغلبك الشيطان على فعل المعصية، ثم يغلبك على ترك الاستغفار منها فتهلك، فاستغفر الله وتب إليه تجد الله غفورا رحيما. 

هل وجد الخلق أكرم وأحلم من خالقهم سبحانه وتعالى وهم يعصونه صباح مساء، وهو يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها.

إننا مهما قلّت ذنوبنا، ومهما بلغنا المراتب العالية في الصلاح والتقوى فنحن بحاجة إلى عبادة الاستغفار، ولنا قدوة بأعبد الناس وخيرهم وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فآدم عليه السلام عندما اقترف الخطيئة في السماء هبط بها إلى الأرض، فلم يرتفع بعد ذلك عند أهل السماء والأرض إلا عندما أناب واستغفر، قال تعالى: ﴿ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف23]، وقال: ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة37].

 ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام -الذي قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر- كان يعدّ له في المجلس الواحد مائة مرة: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم.

فأكثروا من الاستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم وفي طرقكم وفي أسواقكم وفي مجالسكم؛ فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة، كما قال الحسن البصري رحمه الله.

الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى