عاشوراء أحداث تاريخية وأحكام شرعية

يقول الله تعالى في محكم التنزيل:﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ سورة إبراهيم الآية 5.

اختلف المفسرون في المراد من قوله سبحانه وتعالى ب(أَيَّامِ اللَّهِ) على قولين متكاملين غير متعارضين:

الأول: يذهب إلى أن المراد بأيام الله في الآية: النعم التي أنعم الله بها على بني إسرائيل، في إنقاذهم من اضطهاد فرعون، وقهره، وظلمه، وإنجائهم منه و..، وإنزاله عليهم المن والسلوى، إلى غير ذلك من النعم.

الثاني: يرى أن المراد بأيام الله هي وقائعه وأحداثه.

ومن أهم القواعد الذهبية المعتمدة في تفسير القرآن الكريم هي “أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب”، بمعنى  إذا اتفق ما نزل من القرآن مع سبب النزول في العموم، أو اتفق معه في الخصوص، فإننا نحمل العام على عمومه، وإذا كان السبب خاصا فالحكم الذي يؤخذ من الآية يتعدى صورة السبب الخاص إلى نظائرها. بصيغة أخرى أن الإنسان وهو يقرأ القرآن الكريم لا بد له أن يتدبره من منطلق هذه القاعدة-وغيرها من قواعد التدبر- التي تسعفه في استنباط القواعد والفوائد والأحكام والمقاصد ، التي تؤكد هيمنة القرآن الكريم وخاتميته. وبالتالي إخراج الناس به من الظلمات إلى النور بإذن ربهم. وعاشوراء يوم من أيام الله تعالى بالمعنيين معا….

1 – أهم الأحداث التاريخية في يوم عاشوراء:

في التسمية: عاشوراء : هو اليوم العاشر من المحرم وتاسوعاء : هو التاسع منه ، وعلى هذا جماهير أهل العلم . وهذا اليوم عرف ثلاثة أحداث كبرى في تاريخ البشرية:

الحدث الأول: نجاة موسى عليه السلام وقومه من فرعون وجنوده:

وترجع هذه القصة إلى مئات السنين المتقدمة حين تكبر فرعون و علا في الأرض، ونكل ببني إسرائيل، فجمع موسى عليه السلام قومه للخروج، وتبعهم فرعون ، فجاء الوحي في ذلك اليوم العظيم بأن يضرب موسى عليه السلام البحر بعصاه:﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴾ الشعراء الآية 63، فلما رأى فرعون هذه الآية العظيمة لم يتعظ بل بالغ في طغيانه ومضى بجنوده يريد اللحاق بموسى عليه السلام وقومه ، فأغرقه الله عز وجل ، ونجى موسى ومن معه من بني إسرائيل ، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِين﴾ الدخان الآية 30، فكان هذا اليوم يوما من أيام الله تعالى، وهكذا كان اليهود يحتفلون به إحياء لهذا الحدث العظيم.

الحدث الثاني: قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة:

وهذا الحدث يرتبط بالهجرة النبوية[1] التي غيرت مجرى تاريخ الإنسانية، حيث وجد الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود في المدينة يحتفلون بهذا اليوم ويصومونه ، وكان عليه الصلاة والسلام يصومه قبل ذلك، فقد أخرج البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال:َ “قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَال:َ مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَ وْمٌصَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى – زاد مسلم في روايته: “شكراً لله تعالى فنحن نصومه”، وللبخاري في رواية أبي بشر “ونحن نصومه تعظيماً له”: قَال:َ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُم.ْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ” في رواية مسلم: “هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه ، وغرَّق فرعون وقومه”.

الحدث الثالث: استشهاد الحسين بن على رضي الله عنهما

وهذا الحدث من أقسى وأصعب الأحداث والوقائع في تاريخ المسلمين خصوصا والبشرية عموما ، لأن الطريق التي استشهد بها الحسين -وهو من هو في المكانة والمنزلة- ، لا يمكن تصورها، فهذا ابن كثير في كتابه “البداية والنهاية ” يروي ما حصل بمرارة وأسى، قال:” وكان مقتل الحسين رضي الله عنه يوم الجمعة، يوم عاشوراء من المحرم سنة إحدى وستين” قلت : وكان استشهاده بدل مقتله لأنه صاحب حق وقضية عادلة ، والكلام يطول في هذا الصدد، لأن الشيعة بالغوا وأغربوا في هذا الأمر.

وخلاصة القول ،في صباح يوم الجمعة العاشر من محرم 61 هـ ، بكربلاء –مدينة مشهورة بالعراق حاليا- شب القتال-وقعة الطف- بين الفريقين ، حوالي ثمانين رجلا من أتباع الحسين رضي الله عنه وخمسة ألاف مقاتل من الجيش المعتدي، ولـما رفض الحسين رضي الله عنه أن يستأسر لعبيد الله بن زياد، وكانت الكفتان غير متكافئتين، فرأى أصحاب الحسين رضي الله عنه أنهم لا طاقة لهم بهذا الجيش، فصار همهم الوحيد الـموت بين يدي الحسين بن علي رضي الله عنهما، فأصبحوا يموتون بين يدي الحسين رضي الله عنه الواحد تلو الآخر حتى فنوا جميعا ولم يبق منهم أحد إلا الحسين بن علي رضي الله عنه. وولده علي بن الحسين الذي كان مريضا. وبقي الحسين رضي الله عنه بعد ذلك نهارا طويلا، لا يقدم عليه أحد حتى يرجع لا يريد أن يبتلى بقتله رضي الله عنه، واستمر هذا الأمر حتى جاء شمر بن ذي الجوشن فصاح بالناس ويحكم ثكلتكم أمهاتكم أحيطوا به واقتلوه، فجاءوا وحاصروا الحسين بن علي رضي الله عنه فصار يجول بينهم بالسيف رضي الله عنه حتى قتل منهم من قتل وكان كالسبع، ولكن الكثرة تغلب الشجاعة وصاح بهم شمر: ويحكم ماذا تنتظرون؟! أقدموا. فتقدموا إلى الحسين فقتلوه رضي الله عنه، وحزوا رأسه رضي الله عنه قبحهم الله. وبعد أن قتل الحسين رضي الله عنه حمل رأسه إلى عبيد الله في الكوفة فجعل ينكت به بقضيب كان معه يدخله في فمه، ويقول: إن كان لحسن الثغر، فقام أنس بن مالك وقال: والله لأسوأنك؛ لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل موضع قضيبك من فيه[2].واستشهد عدد من إخوانه وأبنائه وأبناء إخوانه فلله درهم وعند الله حقكم وإلى الجنة مصيرهم بإذن الله تعالى.                             

2 – أهم الأحكام الشرعية ليوم عاشوراء:

أ:حكم صيام عاشوراء

كان صيام عاشوراء واجباً ثم نسخ وجوبه لما فُرض رمضان ، قال ابن العربي المعافري:”وكان هو الفريضة حتى فرض رمضان ترك عاشوراء، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه ،وأنا صائم فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر”[3] . ولذلك أورده الإمام ابن القيم في كتابه القيم “زاد المعاد في هدي خير العباد” في فصل: في هديه صلى الله عليه وسلم في صيام التطوع[4] :

ب: فضل صوم يوم عاشوراء

ثبت في صحيح الإمام البخاري من رواية عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما قال: “ما رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء وهذا الشهر يعني شهر رمضان[5]”. وثبت في صحيح الإمام مسلم من طريق أبي قتادة مرفوعاً قوله : ” وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله” 

ج : صيام عاشوراء الأكمل 

ذكر ابن القيم رحمه الله أن مراتب صيام عاشوراء ثلاث :

  • 1ـ أكملها أن يصام قبله يوم وبعده يوم .
  • 2ـ ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث
  • 3ـويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم.[6]

د:يوم عاشوراء بين السنة والشيعة

عندما غاب العلم وسيطر التعصب وعم التقليد واستبعد الفهم السليم لأحكام الشر الحنيف، وقعت الطائفتين في بعض البدع والضلال:

1ـ الشيعة:

 حيث يخيم الحزن والندم والأسى والبكاء، فيقومون بضرب الخدود وشق الجيوب وضرب أجسادهم بالسيوف لإخراج الدم ، وذلك حزناً على استشهاد الحسين بن علي رضي الله عنه ، وفي ذلك إحياء لعادات جاهلية ومخالفة لأحكام الشرع . وما نتابعه ونشاهد في بعض قنواتهم ومواقعهم، ما يندى له الجبين ويشيب من هوله الجنين.

2ـ السنة :

بعض السنة على عكس الشيعة يقيمون الاحتفالات ويوسعون على أهلهم ويظهرون الفرح ،ويردون على بدع الشيعة ببدع أخرى ، لا يقبله شرع ولا عقل، وإنما ترد بالحجة والبرهان ودعوتهم إلى القرآن.

ومن البدع المحدثة في عاشوراء: إشعال النيران والقفز عليها، والرش بالماء من المنازل وفي الشوارع، ولبس السواد . وذبح القطط وقتل الكلاب. ولطالما عشنا هذه الأمور عندما كنا صغارا دون أن ينبهنا أحد، وهذه التقاليد البائسة والبدع الضالة لا زالت إلى يومنا هذا. فأين الوعي وأين الفهم !!

وختاما نقول إن إحياء يوم عاشوراء يكون باستحضار نعم الله علينا ، واستلهام الدروس والعبر من قصص الأنبياء والصالحين ، واستثمار ذلك في تبليغ الدين و تربية الأجيال وخدمة الوطن .

 *********

هوامش:

  • 1 – الهجرة النبوية : قيم خالدة ونماذج رائدة بحث علمي من إعداد أ.عبد العزيز الإدريسي
  • 2 – الـمعجم الكبير للطبراني5/206 رقم 5107، وانظر «صحيح البخاري »: حديث 3748..
  • 3 – القبس في شرح موطأ ابن أنس لأبي بكر بن العربي المعافري المجلد 2 ص149و150
  • 4 – زاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيم الجوزية الجزء 2 ص106 و111
  • 5 – صحيح البخاري حديث1902
  • 6 – زاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيم الجوزية الجزء 2 ص121

كتبه الأستاذ عبد االعزيز الإدريسي

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى