حول مسألة التمكن من اللغات الأجنبية لدى أجيال المستقبل – عبد الحق لمهى

إن هذا المقال لن يتجه، قطعا، نحو مسألة تدريس بعض المواد الدراسية باللغة الفرنسية أساسا، والتي تعد محط نقاش عمومي، عرف اتفاقا واختلافا بين المتدخلين في الموضوع.

ما أود الإشارة إليه هو نقطة ذات أهمية قصوى في حياة الأجيال والناشئة من أبناء وطننا الحبيب، أقصد هنا بالتحديد موضوع تعلم اللغات لدى فئة عريضة من الشباب عامة والمتعلمين منهم خاصة.

بداية لا بد من التأكيد على مجموعة من الأفكار التي يمكن اعتبارها مقدمة لفهم الموضوع بشكل أكبر. من هذه الأفكار ما يلي:

  • أولا: إن الإسلام كان وسيبقى مؤكد على أهمية تعلم اللغات بشتى أنواعها، الفرنسية، الإنجليزية،… وغيرها. جاء في إحدى المقالات: ” ومن العناية بتعلم اللغات ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن ثابت الأنصاري أن يتعلم السريانية والعبرانية فتعلمها رضي الله عنه حتى استطاع أن يكتب إلى اليهود، وأن يترجم إذا كتبوا. وجاء في بعض الروايات أنه تعلم الفارسية، والرومية، والحبشية،…” [1]، هذا النوع من التعلم يعكس حرص الإسلام على أن يكون في تعلم اللغات  وسيلة للتلاقح الحضاري وغيره من المقاصد السامية الأخرى التي لا تتحقق من دون مدخل تعلم اللغات، ولست بحاجة إلى مزيد تأكيد على دعوة الإسلام تلك، وإنما القصد التذكير.
  • ثانيا: إن مسؤولية تعليم الأجيال مسؤولية الجميع، تتكاثف فيها جهود الأفراد والجماعات، الدولة والمؤسسات الرسمية والشعبية ،… ومن ثم ” فَإِنَّ مِن وَاجِبِ الجَمِيعِ مَسؤُولِينَ وَتَربَوِيِّينَ، وَآبَاءً وَمُعَلِّمِينَ، وَحَمَلَةَ أَقلامٍ وَرِجَالَ إِعلامٍ، أَن يَتَعَاوَنُوا عَلَى مَا يُحَقِّقُ حِفظَ مَكَانَةِ العِلمِ وَتَقدِيرَ أَهلِهِ، وَتَرغِيبَ الأَجيَالِ في طَلَبِهِ” [2]

هذه الأفكار وغيرها مما لم أذكره أحببت جعلها مقدمة أولية لاستيعاب ما سيأتي بعد.

إن المتتبع لواقع التربية والتعليم، وخاصة في الآونة الأخيرة، يكاد يجزم بما لا يدع مجالا للرد والشك، أن ثمة فئة عريضة من الشباب والمتعلمين يجدون صعوبة في تعلم اللغات الأجنبية والتمكن منها، وليس الغرض التفصيل  في الموضوع من حيث أسبابه وتجلياته ونتائجه على مستقبل الأجيال والوطن، فذلك مما بينته الأبحاث والكتابات والمقالات من دون شك، أو على الأقل قاربته بوجه من الأوجه، لكن الغرض من المقال دعوة صريحة وبإلحاح إلى جعل موضوع تجويد ورفع مستوى تعلم الأجيال للغات محور اهتمام كل فعاليات الأمة المغربية، كل بحسب جهده وإمكاناته، ومما ينبغي الحرص عليه توحيد الجهود في هذا الاتجاه وترشيدها، ولا يستثنى لتحقيق هذا الهدف أحد من تلك الفعاليات.

بناء على ما تم بسطه يأتي التأكيد على أن مسؤولية تعليم الأجيال مسؤولية جماعية بالأساس، وليس معنى هذا تنقيصا من جهود أي طرف في هذا الباب، فالزيادة في الخير خير.

قد يقول قائل:  لم هذا التحريض الكبير على أمر يبدو فيه اشتغال بما من شأنه طمس هوية المجتمع المسلم، خاصة إذا صار موضوع تعلم اللغات هدفا وغاية في حد ذاته وليس وسيلة؟، بمعنى آخر أن هذا النحو من الاشتغال من المحتمل رجحان ضرره على الثقافة والهوية الدينية للمجتمع المسلم، وهنا أقول إن للأمة المغربية، خاصة، ما يكفي من المقومات والمؤهلات التي تحمي هويتها وتصونها من كل أشكال الطمس لها، لذا يكون من المهم والمطلوب قيام المؤسسات ذات الصلة بالشأن الديني مضاعفة الجهود بما يضمن الحفاظ على الهوية الدينية الإسلامية، فيما تتقاسم باقي مؤسسات المجتمع، وأخص بذلك الجمعيات المدنية المسؤولية عن تكثيف الجهود نحو صناعة جيل قوي بما يمتلكه من كفايات لغوية متعددة تجعله قادرا على الاعتزاز بهوية من خلال ما يستفيده من الجهود القيمة من قبل المؤسسات ذات الصلة بالشأن الديني خاصة من جهة، ومن جهة أخرى متملكا لناصية اللغات، وبالجملة يصير مجتمعنا المغربي إلى أفضل حال مما نحن عليه اليوم في مجال تعلم اللغات لدى الأجيال.

صفوة القول، أعود وأكرر على أهمية بذل وتضافر الجهود من أجل الارتقاء بمستوى أجيالنا نحو تعلم أفضل للغات والتمكن منها باعتبارها وسيلة لبناء وتقوية الأوطان، إلى جانب إسهامها في تحقيق تلاقح حضاري واسع من شأنه إبراز وترسيخ رسالة الإسلام العالمية، المنفتحة على الشعوب والحضارات بما يحقق الخير والنفع للبشرية ويخرجها من ظلماتها المختلفة إلى أنوار متعددة كثيرة.

 

[1]ـ https://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/3645

[2]ـ https://www.alukah.net/

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى