نظرات في القرآن الكريم – نورالدين قربال

سورة البقرة مدنية وآياتها 285.

بسم الله الرحمان الرحيم آلم. ذلك الكتاب لا ريب. فيه هدى للمتقين 1 الذين يومنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون 2 والذين يومنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون 3 أولئك على هدى من ربهم. وأولئك هم المفلحون 4.

“الم”. من حروف الهجاء التي لا يعلم مقصدها إلا الله تعالى رغم التأويلات والاجتهادات التفسيرية. إذن فهي سر من أسرار الله البليغة. والمومن يقر بها ويومن بها لأنها كذلك. وحسب بعض المأثور فيما ورد في فواتح السور فهي سر وإعجاز وصفوة ومفتاح وكفاية وهداية وحكمة وعلم وصدق ولطف ومجد وملك وفضل. قد تكون قسما نظرا لفضلها عند الله تعالى. “ذلك الكتاب”. قد يكون للقريب أي هذا القرآن. قد يفيد البعيد والذي يفهم من السياق. والكتاب مصدر مكتوب حيث جمع حرفا إلى حرف. “لا ريب”. لا شك فيه، لأنه من عند الله تعالى وهو حق وصدق وخبر منهي عن الشك فيه. بهذا المقام فهو هدى للمتقين. يرشدهم ويبين لهم ما خفي عنهم، لذلك يهتدي به الإنسان وهو سائر إلى ربه آمنا مطمئنا. واشتق المتقون من التقوى أي تجنب المحظور من شرك وفواحش وكبائر، لذلك من الواجب الاجتهاد في بناء حواجز بين السائر في طريق الله تعالى وما يشوش ويعترض طريق التقوى تفاديا لغضب الله وعذابه. بالتالي فالمتقي هو الذي يترك ما لا بأس فيه حذرا لما به بأس كما ورد عن شهربن حوشب. إن جماع التقوى قوله تعالى “إن الله يامر بالعدل والإحسان” سورة النحل الآية 90. لكن ما صفات هؤلاء المتقين؟

“الذين يومنون بالغيب”. الشرط الأول التصديق وهو من المعاني الكبرى للإيمان، الذي يكون مبنيا على الاعتقاد بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالأركان. بالتالي فالعمل والإقرار جزءان لا ينفصلان عن الإيمان. وكل إيمان إسلام وليس كل إسلام إيمانا باعتبار أن الإسلام خضوع وانقياد، والجدلية قائمة بين التصديق والانقياد، والظاهر والباطن. والإيمان يرزق المومن الأمان في الدنيا والآخرة لأن الله تعالى يؤمن المتقين من العذاب لأنهم أمنوا أنفسهم من عذابه، والغيب ما غاب عن العين والبصر. ويطلق الغيب كذلك على الله تعالى والقرآن والآخرة. وبعد الإيمان بالغيب تحضر إقامة الصلاة، أي المداومة عليها وحسن إقامتها مستحضرين أركانها وهيئاتها.

إن الصلاة تحمل معنى الدعاء أما اصطلاحا فهي قيام وركوع وسجود وقعود ودعاء وثناء. قيل بأن الصلاة من الله تعالى رحمة ومن الملائكة استغفار ومن المومنين دعاء. والصفة الثالثة للمتقين الإنفاق في سبيل الله. وليعلم الإنسان أن الله تعالى هو الذي أعطاه ورزقه فله حظ ونصيب ينتفع به. قد يكون هذا الرزق ماديا أو معنويا. والإنسان مطالب بالإنفاق مما أعطاه الله تعالى. وهذا مؤشر على طاعة الله، ومن صفات المومنين كذلك الإيمان بالقرآن والتوراة والانجيل وسائر الكتب المنزلة على أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام.

ثم يذكر النص القرآني الصفة الأخرى المتعلقة بالإيقان بالآخرة. وسميت بالآخرة لأنها تأخرت وجاءت بعد الدنيا التي هي دنو من الآخرة. والإيقان بها العلم بها، والإيمان بأنها كائنة. إنه علم مبني على اليقين الناتج عن الاستدلال. ويقال الإيقان واليقين. بعد هذه الرحلة المتواضعة مع كتاب الله وصفات المتقين يحضر زمن الجزاء، “أولئك على هدى من ربهم. وأولئك هم المفلحون”.

هؤلاء العباد الذين أنعم الله عليهم بالهدى التي تختزل البصيرة والبيان والرشد والفلاح الذي يعني النجاة. والفوز بالجنة والنجاة من النار. والفلاح يفيد البقاء في النعيم المقيم. جعلنا الله وإياكم من المتقين والمومنين الصادقين والمقيمين الصلاة والمنفقين في سبيل الله والمفلحين آمين يارب العالمين.

 

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى