تقارير: الاحتلال فشل في تحقيق أهدافه العسكرية ودعم عالمي للقضية الفلسطينية
أكدت تقارير إعلامية ورصدية مختلفة عن فشل الكيان الغاصب بعد مرور مائة يوم من العدوان على قطاع غزة من تحقيق أي هدف عسكري، بينم ارتفع مستوى دعم القضية الفلسطينية إذ تحولت من قضية إقليمية ذات بعد عربي وإسلامي إلى قضية عالمية تتبناها مختلف شعوب العالم.
عجز عسكري ومتاهة سياسية
ورصد تقرير صادر عن مركز الجزيرة للدراسات بعنوان “حرب غزة: مراوحة عسكرية ومتاهة سياسية”، مع بلوغ الحرب على غزة شهرها الثالث، عجز كيان الاحتلال عن الحسم العسكري، ولم تتضح بعد سبل تسوية مشكلة الأسرى وإدارة القطاع، وانتهزت روسيا وإيران الفرصة لتعزيز وضعهما، واتسعت دائرة المناهضين لإسرائيل.
ويحذر التقرير من غموض الرؤية الإستراتيجية الأميركية للموقف على ساحة الحرب، والذي يعمُّ أيضا مجمل الفضاء الشرق أوسطي، تهدده الحرب بعواقب وتحولات كبرى؛ بل ويعم الساحة الدولية برمتها، ويلقي بظلاله على كافة أضلاع النظام العالمي، الذي ارتكز إلى قيادة الكتلة الغربية منذ انهيار الحرب الباردة، وإلى القواعد والمعايير التي وضعتها هذه القيادة.
ويشير التقرير إلى أنه ثمة ثلاثة مسارات اتخذها الحراك السياسي الفلسطيني المواكب للحرب: حراك فلسطيني داخلي، وحراك دولي، وجهود عربية-دولية للوساطة وإيقاف الحرب بصورة مؤقتة أو دائمة. ويتناول الحراك السياسي ملفين رئيسين: ملف وقف إطلاق النار وما يتعلق به من صفقة، أو صفقات تبادل للسجناء، وملف ما بعد الحرب، أو طبيعة الترتيبات الحكومية والإدارية في قطاع غزة بعد نهاية الحرب.
ومثلما تحيط الخلافات داخل الكيان حول مسألة وقف إطلاق النار وصفقة التبادل، كذلك تبرز تباينات حادة حول وضع القطاع بعد نهاية الحرب. وتعد مسألة التهجير، أي دفع أهالي القطاع، وإن جزئيًّا، إلى المغادرة بلا رجعة إلى مصر أو دول أخرى، واحدة من أهم محددات الحرب وما ستنتهي إليه.
فعلى الرغم من أن أهالي القطاع، وبعد ثلاثة شهور من الموت والدمار، لا يزالون متمسكين في البقاء، ولم تظهر عليهم أية مؤشرات على الانكسار، فالمؤكد أن حكومة نتنياهو لم تزل تراهن على أن استمرار الحرب وفقدان مقومات الحياة سيدفع أعدادا ملموسة من أهالي القطاع في النهاية إلى المغادرة. سقوط هذا الرهان يعني فشلا ذريعا لأحد أبرز أهداف الحرب.
المقاومة لم تخسر قادتها وخسائر قليلة
وفي نفس السياق، قالت صحيفة يديعوت أحرونوت إن تقديرات جيش الكيان تشير إلى أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة لم تخسر قادتها، وإن أغلبية مقاتليها لا يزالون على قيد الحياة بعد 100 يوم من الحرب.
وذكرت الصحيفة أن تقديرات الجيش تشير إلى أن عدد مقاتلي كتائب عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة حماس عشية هجوم السابع من أكتوبر الماضي بلغ نحو 30 ألفا. ويزعم جيش الاحتلال أنه قتل 9 آلاف مقاتل في قطاع غزة، من بينهم نحو 50 من قادة كتائب القسام.
وأكد الناطق العسكري باسم الكتائب أبو عبيدة أمس الأحد، أن ما يعلن عنه العدو من إنجازات عسكرية مزعومة خلال عدوانه على غزة “هي أمور مثيرة للسخرية بالنسبة لنا، وسيأتي اليوم الذي نثبت فيه كذب هذه الدعاوى وعيبتها”. في المقابل، أكد أن جيش الاحتلال تكبد خسائر باهظة تفوق تكلفتها ما تكبده في 7 أكتوبر الماضي.
وسبق أن نقل موقع “ميدل إيست آي” عن مصادر مقربة من القيادة السياسية لحركة حماس قولها إن الإحصاءات الإسرائيلية بهذا الصدد “محض هراء، وإن الخسائر في صفوف كتائب القسام كانت قليلة للغاية”. وقال أحد المصادر للموقع إن إجمالي الخسائر في صفوف كتائب القسام أقل من 10%، موضحا أن “القسام حركة عسكرية ذات بنية مركزية وحلقة تنظيمية فضفاضة، لم نسمع عن معاناة القوات المركزية من خسائر خطيرة”.
وقال مصدر آخر إن “ما يحدث الآن في غزة هو من نوعية حرب العصابات، وإن حشد قوة بالآلاف من أجل هذه الحرب هو أمر غير ضروري ومحفوف بالمخاطر”. وأوضح أنه “في العمليات الخاطفة تكفي الفرق السريعة ذات الأعداد القليلة، هذه الفرق تكون صغيرة أيضا من ناحية الأهداف وتقليل الخسائر”.
ومن أبرز القادة العسكريين الذين أعلنت الكتائب عن استشهادهم خلال معركة طوفان الأقصى أيمن نوفل عضو المجلس العسكري العام قائد لواء الوسطى في كتائب القسام، وأحمد الغندور عضو المجلس العسكري في كتائب عز الدين القسام قائد لواء الشمال. كما نعت الحركة “الشهداء القادة الشهيد القائد وائل رجب والشهيد القائد رأفت سلمان والشهيد القائد أيمن صيام”.
الدويري يحلل
وذهب الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري، إلى أن جيش الاحتلال “الإسرائيلي” بعد 100 يوم من الحرب على قطاع غزة لم يحقق أيا من أهدافه العسكرية، كما لم يبلغ الحد الأدنى منها، مشيرا إلى أن الجانبين لا يزالان لديهما القدرة على استمرار القتال.
وفي تحليل للجزيرة، أوضح الدويري أن نتائج المعارك تقاس بمدى تحقيق أهدافها العسكرية المعلنة، وما أعلنه جيش الاحتلال أنه يهدف من حربه على القطاع، القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وتدمير قدراتها القتالية واستعادة الرهائن، وهو ما لم يحققه بعد.
وأضاف في هذا السياق، حركة حماس لا تزال مستمرة تنظيما وقدراتها العسكرية لا تزال قائمة، وبعد 100 يوم من العدوان والدمار لم يستطع جيش الاحتلال إنقاذ أيا من محتجزيه إلا من خلال التفاوض، بينما قتل بعضهم سواء بالقصف أو الاستهداف المباشر.
وأشار إلى أن الاحتلال الذي بدأت التوغل البري في السابع والعشرين من أكتوبر 2023، أي بعد 20 يوما من بدء الحرب، حشدت في البداية 3 فرق للتعامل مع القطاع الشمالي، وبدأت بجهدين رئيسين، وآخرين ثانويين.
تحذير داخل الكيان من مغبة استمرار الحرب
ومن جهة أخرى، حذرت تقديرات محللي الكيان المحتل من مغبة استمرار الحرب على غزة، وأجمعت على أنها لم تحقق أهدافها، في حين رجح بعض المحللين أن ما اعُتبر تحقيق بعض “الإنجازات” قد يتفجر ويتحول إلى فشل إستراتيجي إذا ما طال أمد القتال والمعارك البرية.
ومع دخول العدوان شهره الرابع، تعززت قناعات المراقبين بضرورة إنجاز صفقة تبادل شاملة في ظل إخفاق جيش الاحتلال في تحرير ولو “رهينة” واحدة بالعملية العسكرية البرية. وتوافقت آراء المحللين المحسوبين على مختلف مكونات الطيف السياسي والمعسكرات الحزبية بشأن استحالة تقويض قدرات المقاومة العسكرية وإنهاء حكم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالقطاع، وهناك من دعا إلى إنهاء الحرب والشروع بمفاوضات معها بكل ما يتعلق باليوم التالي للحرب.
وأجمعت تقديرات محللين عسكريين وسياسيين على أن جيش الاحتلال فشل في تحقيق الأهداف المعلنة للحرب على غزة، وأن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتن ياهو، تجد صعوبة في حسم قرار سير العملية البرية، وآليات تحرير المحتجزين لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وتأتي هذه التقديرات في الوقت الذي تتسع فيه دائرة الاحتجاجات لعائلات المحتجزين في تل أبيب والمطالبة بالتوصل إلى صفقة تبادل شاملة، وسط حديث عن موافقة حماس والكيان الغاصب على مسار مفاوضات لصفقة تبادل جديدة. وتشترط حركة حماس وقفا فوريا لإطلاق النار، فيما يتمسك نتن ياهو بالخيار العسكري لتحرير المحتجزين من جنود ومستوطنين.
تزايد دعم القضية في العالم
خلال أشهر الحرب الثلاثة الماضية، أكد التقرير المذكور الصادر عن مركز الجزيرة للدراسات أنه وقع تحول ملموس في توجهات الرأي العام العالمي والموقف من المسألة الفلسطينية وكيان الاحتلال. ولكن هذا التحول لم يصل مؤسسات الدولة والحكم في الدول الغربية، لا على مستوى الحكام ولا المعارضات. كما أن روسيا والصين، اللتين عارضتا الحرب واستمرارها، لم تستطيعا صنع متغير جوهري في الموقف الدولي. والواضح أن حجم الحراك الشعبي والرسمي العربي والإسلامي، سواء في دول التطبيع أو الدول الأخرى، كان أقل من المستوى الذي كان يمكن له التأثير في مجريات الحرب أو في مواقف القوى المؤيدة لها. ولذا، فإن سياق هذه الحرب سيتقرر بصورة كبيرة على أرض قطاع غزة، وطبقا لقدرة الفلسطينيين على الصمود والتمسك بوطنهم، ولتقدير الاحتلال لجدوى استمرار الحرب وما يمكن أن ينجم عنها.
بيد أن هذا لا يعني تجاهل التحولات الجارية في الرأي العام العالمي من الاحتلال “الإسرائيلي”، وعودة روسيا والصين إلى معارضة الموقف الأميركي والغربي من المسألة الفلسطينية. ليس من المتوقع أن تجد المسألة الفلسطينية حلًّا في المدى القصير، وسيكون لهذه التحولات بالتأكيد أثر متزايد على مصائر أطراف هذه المسألة. وحتى في المدى القصير، فلابد أن يُنظر إلى تقدم جنوب إفريقيا بشكوى لمحكمة العدل الدولية ضد كيان الاحتلال الغاصب وحربه على غزة باعتباره نقلة كبيرة في استعداد القوى المؤيدة للحق الفلسطيني على الفعل. ولكن المفارقة، بالطبع، أن هذا التحرك على الساحة الدولية جاء من جنوب إفريقيا، وليس من دولة عربية أو إسلامية، في الوقت الذي لم تستطع فيه الأخيرة، بما في ذلك دول الجوار الفلسطيني، إدخال ولو الحد الأدنى من الإعانة الإنسانية لقطاع غزة.
تقارير إعلامية