المولد النبوي الشريف {وذكرهم بأيام الله} – يوسف الحزيمري

إن حدث المولد النبوي الشريف ليس حدثا عاديا حتى يمر علينا مرور الكرام، ولا نحتفي بذكره واستخلاص الدروس والعبر منه؛ بل هو حدث عظيم تواثرت به الأخبار الصحيحة، ولأجل عظمه أقسم الله عز وجل بحياة نبينا صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: “‌لَعَمۡرُكَ إِنَّهُمۡ لَفِي سَكۡرَتِهِمۡ يَعۡمَهُونَ” [الحجر: 72] ولا يقسم الله إلا بعظيم، قال ابن عباس: {لعمرك} لحياتك، “والعُمْرُ عُمْرُ الحياة. وقول العرب: لعَمْرُكَ، تحلف بعمره، والعُمْرُ اسمٌ لِمُدّةِ عِمَارَة البَدَنِ بالحَيَاةِ فَهُوَ دون البَقَاءِ، فالعمر إذن هو مدّة الحياة من الولادة إلى الموت، والوجود والبقاء بين الناس، ومدة البقاء وشغل المكان على ظهر الأرض وبين الناس.

وإذا علمنا أن ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم هي بداية حياته ووجوده، فينبغي لنا أن نكون من العُمَّار لذكر هذا اليوم العظيم، والتذكير بشأنه من مقتضى عالمية الرسالة التي بعث بها صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: “‌وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ” [إبراهيم: 5]، عن مجاهد قال: «بنعم الله عز وجل»، قال الماتريدي في تفسيره:” ألا ترى أن موسى – عليه السلام – فسر أيام اللَّه بالنعمة؛ حيث قال على إثره: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ..) الآية، وأي نعمة أعظم من ميلاد سيد ولد آدم، أنعم الله به علينا وبعثه فينا من أنفسنا، وامتن به علينا إذ قال تعالى: “‌لَقَدۡ ‌مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ” [آل عمران: 164]، قال الطبري: أي كانوا من قبل: في جهالة جهلاء، وفي حيرة عن الهدى عمياء، لا يعرفون حقًّا، ولا يبطلون باطلا.

ولعل من هذه الآية في الامتنان، استوحى الإمام ابن حجر رحمه الله عنوان كتابه في هذا الخصوص، فسماه: (النعمة الكبرى على العالم في مولد سيد ولد آدم) حيث قال في مقدمته:” الْحَمْدُ لله الذي نَوَّرَ وَقَوَّى هَذه الأُمَّةَ الضَّعِيفَةَ بِوُجود مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ الَّذِي أَلْبَسَهُ اللهُ تَاجَ النُّبُوَّةِ وَجَعَلَهُ نَبِيَّ الأَنْبِيَاءِ * وَآدَمُ مُنْجَدِلٌ مُنْدَمج في الطِّينِ * اصْطَفَاهُ حَبِيبًا طَبِيبًا خُصُوصًا مِنْ بَيْنِ هَذَا الْعُمُومِ أَجْمَعِينَ * فَقَالَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} * نَوَّهَتْ بِمَجِيئهِ الكتب الْمُنَزَّلَةُ مِنَ الْحَقِّ الصَّمَدِ * {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} * فَأَشَارَتْ إِلَى تَفْضِيلِهِ بِشْمُولِ الْمُفَضَّلِينَ * وَلَمْ يَتَدَبَّرُ ذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْقَابِلِيَةِ سِوَى الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيِّينَ * {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ} * اخْتَصَمَ الْمَلَأُ الْأَعْلَى فِي غَايَةِ مَبْلَغَ عِلْمِهِ وَلَمْ يَصِلِ الْأَنْبِيَاءُ إِلَى بَعْضٍ تَعْرِيفِهِ بِرَسْمِهِ * إِذْ كَانَ سِرَّ سُجُودِ آدَمَ وَدَعْوَةَ إِبْرَاهِيمَ {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} * نَزَّهَهُ مَوْلَاهُ عَمَّا يَقولُ الظَّالِمُونَ * فَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجنون}ثُمَّ أَقْسَمَ بِعُمْرِهِ فِي الْقُرْآنِ الْمَحْفُوظِ الْمَصُونِ فَتَدَبَّرْ حَبِيبِي {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} * خَتَمَ الشَّرَائِعَ بِتَأْخِيرِهِ الْفَاخِرِ * وَكَانَ أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ نورَ نَبِيِّكَ يَا جَابِرُ *”.

أفلا نكون من الرجال العُمَّار وهم الزَّيْنُ في المجالس، الذين يجمعون أَهْلَ بَيْتِهم وأَصْحَابَهم على أَدَب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقِيَامِ بسُنَّتِه، واستحضار نعمة الله الكبرى علينا بإيجاده بيننا لنبينا عليه أفضل الصلاة والسلام.

فهذا من حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم علينا وهي: “الإيمان به، ومحبته، وطاعته، ومتابعته، والاقتداء به، وتوقيره، وتعظيم شأنه، ووجوب النصح له، ومحبة آل بيته ومحبة أصحابه، والصلاة عليه”.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى