التهامي بوعرافة.. أحدد مؤسسي العمل الإسلامي بطنجة

يقول عبد الله اشبابو أحد رفاق التهامي بوعرافة الأوفياء:  كان أحد السابقين الأولين الذين ساهموا في تأسيس الحركة الإسلامية بمدينة طنجة منذ نشأتها الأولى، أيام جمعية الشبيبة الإسلامية سنة 1975، وكان ممن أبلوا البلاء الحسن في أول مشاركة سياسية في الانتخابات النيابية الجزئية سنة 1994، وممن أسسوا أول فرع لحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية بطنجة، وأيضا كان الفائز الوحيد في أول انتخابات جماعية خاضها الحزب بطنجة، فإن الأمر يتطلب منا مكافئة الرجل ببعض من الشهادات علَّها تكون نبراسا للجيل الحالي الذي ينعم بحالات الاستقرار والرَّفاه التنظيميين…

التهامي رفيق درب مُعتقَلِي مولاي الشريف.. ورمزا للتضحية

اعتُقل التهامي بوعرافة سنة 1982، مع أعضاء خليته وخلايا الشبيبة الإسلامية بطنجة، وجمعته الأقدار هو وإخوانه المعتقلون، مع الأستاذ عبد الإله بن كيران، في معتقل درب مولاي الشريف بالدار البيضاء، فكان ضمن أعضاء أول فرع لجمعية الجماعة الإسلامية بطنجة، التي أسسها بن كيران سنة 1994.

سخَّر للعمل الإسلامي منذ انفصاله عن الشبيبة والتحاقه بجمعية الجماعة الإسلامية، مكتبته الملاصقة لمسجد الموحدين بدرادب عين الحياني بطنجة، وكُتَّابه المعروف باسم “الطُموح” وبيته بحي مرشان، فكانت مكتبته مكانا لتلاقي الأعضاء ومقرا للتنظيم والتخطيط. وكذلك كان كُتابه وبيته.

وفي هذا الصدد يروي عبد الله اشبابوا، في تصريح للتجديد، أن مكتبة التهامي بوعرافة، الملاصقة لمسجد الموحدين، كانت مقرَّ لقاء يومي لأعضاء الحركة، حيث كانت بمنزلة مقر للتواصل ، يستطلعون فيها ما يجري من أخبار لصالح الحركة أو ما يُحاك ضدها.

ولم تكن هذه الأنشطة –يقول المتحدث- سهلة حينئذ، بحكم أن الحركة آنذاك، لم يكن لها ترخيص، لذلك كان الأخ التهامي بوعرافة، هو من يتحمل تبعاتها من حيث أنه المحتضن لها، وكان يُستدعى بين الفينة و الأخرى، من طرف قائد المقاطعة أو من استعلامات العمالة وهو من يتحمل المسؤولية لتلك الأنشطة ويتلقى على إثرها التهديدات الكثيرة.

التهامي بوعرافة رمز للاحتضان الدعوي والنضال السياسي

كان الأستاذ عبد الإله بن كيران كلما زار مدينة طنجة في مهمة دعوية أو تربوية أو تنظيمية أواخر الثمانيات و بداية التسعينات، إلا وكان بيت بوعرافة مزاره الأول ومحل استراحته، ومقر اجتماعاته بأعضاء الحركة.

لم يغب اسم التهامي بوعرافة، عن المكاتب المُسيرة للعمل الإسلامي بطنجة في ظل جمعية الجماعة الإسلامية وفي ظل حركة الإصلاح والتجديد، حيث كان مُكلَّفا بالجانب المالي ولكنه كان يتطوع للقيام بمهام أخرى، كتوزيع جريدة “الراية” و “التجديد” التابعتين للحركة على الفعاليات المختلفة بالمدينة، ويقول اشبابو أن التهامي بوعرافة، تجنَّد لتوزيع حصة من أعداد الجرائد التي أصدرتها الحركة والتي كانت تُرسل إلى مكتبته، موزعا إياها على مكاتب المحامين والأطباء وغيرهم من الفعاليات، ومعرفا في الآن ذاته بالحركة وخطها الدعوي والتربوي.

شارك التهامي بوعرافة، بفعالية في الحملة الانتخابية لأول استحقاق انتخابي خاضته حركة الإصلاح والتجديد، تحت لواء حزب الشورى والاستقلال لدعم الأستاذ عبد الله اشبايو سنة 1994، وسخر التهامي بوعرافة -بحسب شهادة عبد الله اشبابو-، كل الوسائل المتاحة لديه، من أجل الحملة الانتخابية وتجند في تأطير اللقاءات والمهرجانات الخطابية مناضلا في تبليغ الرسالة السياسية التي كان وراء مقصد المشاركة في المحطة الانتخابية.

وحين التحق أعضاء حركة الإصلاح والتجديد، بحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، -الذي سيصبح فيما بعد يحمل اسم حزب العدالة والتنمية-، كان التهامي بوعرافة ضمن أعضاء أول مكتب فيدرالية للحزب تأسس بمدينة طنجة سنة 1993، وضمن أعضاء ثاني فيدرالية سنة 1995 وضمن أعضاء ثالث مكتب للفيدرالية سنة 1997.

وشارك بحيوية فائقة في المهام السياسية التي قامت بها فيدرالية الحزب بطنجة، كانتخابات سنة 1997 البلدية، حيث كان المرشح الوحيد الذي فاز من بين المرشحين الذين قدمهم الحزب بطنجة، كما شارك في الحملة الانتخابية النيابية للحزب بطنجة سنة 1997، عينه أعضاء الحزب بالمدينة ذاتها، مديرا إداريا لجريدة “منار الشمال” التي أصدروها بالمدينة وكان يكتب فيها عمودا نقديا تحت عنوان “قِفْ”.

وبذلك يكون التهامي بوعرافة، الفائز الوحيد بين مرشحيه، في أول تجربة انتخابية في الجماعات المحلية سنة 1997، فقام بواجبه في حرص تام على تميز الأداء وإبراز مكانة الحزب ودوره الإصلاحي، لدى الساكنة على الرغم من قلة الخبرة في العمل الجماعي، يقول اشبابوا.

بوعرافة ثبات على المواقف .. واستعداد دائم للتضحية

يحكي عبد الله اشبابوا أن التهامي بوعرافة، عُرف – منذ أول احتكاك له به- بصدقه في الالتزام، واستعداده المستمر للتضحية، والعطاء وكرمه وسخاء يده، على ما كان يعانيه دائما من قلة ذات اليد، وكذا صراحته في قول ما يراه حقا وانتقاء ما يراه مجانبا للصواب.

وقد ترجم هذه الأخلاقيات على أرض الواقع، يضيف اشبابوا، منذ التزامه في صفوف الحركة والحزب، فكان يُحاول تطبيق كل ما يتلقاه من تعاليم ومبادئ تطبيقا حرفيا ويبادر إلى تنفيذ ما يُسند إليه من تكاليف ومهام دون تردد ولا تلكؤ، ويسخر كل ما لديه من إمكانيات من البيت وكُتَّاب “الطموح” ومكتبته المتواضعة، من أجل نجاح الأنشطة التي تقوم بها الحركة والحزب، يوم لم يكن لهما مقر يأويهم.

وزاد اشبابوا أن التهامي بوعرافة، لم يتراجع قيد أنملة عن هذه القيم والمبادئ عندما تعرضوا للاعتقال سنة 1982 بل خرج من المعتقل أقوى تحديا وأصلب إرادة وأكثر تضحية، فسخر بيته للجلسات التربوية واستقبال رموز الحركة عند زيارتهم للمدينة.

بكلمة

هذا غيض من فيض من بعض المحطات المفصلية المختصرة من جهاد هذا الرجل الذي قدم الكثير للعمل الإسلامي على مدى 30 سنة، في نكران كبير للذات، ودون انتظار لأي شكر أو جزاء من أحد إلا رضى الله سبحانه وتعالى، وبذلك ظل التهامي بوعرافة وفيا للقيم والمبادئ التي آمن بها، مناضلا ومضحيا إلى أن أقعده المرض الذي هجَّره خارج أرض الوطن، والإقامة بالديار الاسبانية،

التهامي بوعرافة اضطر إلى الهجرة إلى مدينة خيرونة بإسبانيا بعد أن ساءت ظروفه المعيشية بمدينة طنجة، وشُحَّ عطاء مكتبته وكتابه، لكن عقله وقلبه وروحه ما تزال معلقة بمدينة طنجة وبوطنه حيث ما يزال يتابع أخبار حركة التوحيد والإصلاح و حزب العدالة والتنمية أول بأول.

يبقى الحديث عن التهامي بوعرافة يطول ولا يُمَلّ منه ، فأفضاله كثيرةٌ على جيل كبير من الشباب الذي أصبحوا الآن يقودون العمل الإسلامي بطنجة، وهي الأعمال الجليلة التي حَفِظَتْ للرجل له المكانةَ االكبيرة في النفوس والقلوب، وحيث ما ذكر اسمه إلا واستدعيت كل خصال الوفاء والعطاء والتضحية والسخاء.

وتوفي الأستاذ التهامي بوعرافة، رحمه الله  يوم الجمعة 27 فبراير 2015.

إبراهيم الصمدي – طنجة

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى