ابراهمي يكتب: على هامش التعاطي الإعلامي مع قضية “فقيه ملوسة”
صُدم المغاربة في الأيام الأخيرة بحدثين يجمعهما نفس الموضوع والمجال الجغرافي، مع اختلاف في مدى التحقق من ثبوتهما ومنسوب الجرم للمتهمين، وفي مآلات الجريمتين ونتائجهما، وهما من الحوادث التي تتعارض مع قيم المغاربة وأخلاقهم وثقافتهم، وتستهجنها النفوس السليمة، وتعاقب عليهما القوانين الشرعية والوضعية.
وقد أثارنا وأغضب كل غيور على الدين – في حالة ثبوت الجرم – تفريط “الفقيه” في أمانة وثقة الآباء والأمهات والطفلات البريئات وخيانته المسؤولية، بارتكابه جرائم بشعة في حق الطفولة قال عنها الحق سبحانه: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32]. وغلظت الشريعة في عقوبتها، وخاصة عندما تكون في حق القاصر ومن لا يملك قدرة الدفاع عن نفسه لصغره. ولا شك أن القضاء المغربي المكلف بالسهر على حماية الحقوق وحفظ الحريات، يُعد الضامن لمصلحة الضحية والمتهم والمجتمع بأسره، وعليه يُرَاهنُ في الاقتصاص من الظالم والانتصار للمظلوم، والضرب على يد المعتدي أيا كان موقعه ومسؤوليته في المجتمع، وتشديد العقوبة، إن ثبتت التهمة، في حق من كان في موقع أمانة ومسؤولية، لما في تصرفه من زعزعة للثقة وإخلال بالواجب وتضييع للأمانة.
ومن جهة أخرى فإن التعاطي الإعلامي مع الحدث، والحيز الذي أعطي له في بعض قنواتنا، وما تناقلته بعض مواقع التواصل الاجتماعي من صور للمسجد وللألواح بشكل مثير للريبة ويطرح التساؤل عن ضرورة ذلك والرسالة التي يمكن أن يوحى بها للمواطن من تشويه مستنكر لمؤسسة دينية، لها دور كبير في حفظ استقرار الوطن، وفي تلقين الصغار القرآن الكريم وتعليمهم مبادئ اللغة. لقد كان المفروض في مؤسساتنا الإعلامية المرئية والمكتوبة الاحتياط في نقل الخبر، والتقيد أولا بقاعدة أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وثانيا الحرص على تجنب كل ما قد يسيء لحرمة مؤسسة ذات رمزية ومكانة اجتماعية ودينية لا تتحمل أي مسؤولية في ما حدث. مؤسسة ساهمت عبر التاريخ في تخريج حَفَظة كتاب الله، ونقله للأجيال بكل أمانة، ووضع اللبنات الأولى لتخريج علماء حفظوا للأمة علومها وقيمها وهويتها الحضارية، ولها من الأدوار الاجتماعية ما لا ينكره إلا جاحد.
إن التشويش والتشويه، غير المقصود بالنسبة للبعض والمتعمد لدى آخرين، لهذه المؤسسات التي تحفظ للمجتمع هويته ومنظومة قيمه، من خلال استغلال أخطاء بعض روادها أو ممثليها ومسؤوليها، ولو ثبت في حقهم ذلك، بتعميم الحكم عليها بالفساد ـــ يسهم في هدم الثوابت التي يتأسس عليها المجتمع. وهو في خطورته وآثاره السلبية مثل التشويش والتشويه والتطاول الذي تتعرض له باقي المؤسسات التعليمية والدستورية والسياسية والمدنية التي تسهم في ضمان تماسك المجتمع واستقراره واستمراره، بسبب أخطاء قد تصدر عن أفراد ينتمون لهذه المؤسسات أو يمثلونها رغم أنه لا يد لها في ذلك.
لذا كان من المفروض التعامل مع هذه الحادثة بمقاربة تستحضر ما يلي:
أن الإنسان غير معصوم، وعند وقوعه في الخطأ يقتضي التعامل مع الحدث بمختلف المقاربات التربوية والزجرية التي تحمي حق الضحية والمتهم والمجتمع.
أن القضاء يرجع له القول الفصل في القضية، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته، ومن حق المتهم حفظ حقه في البراءة، وعدم التطاول على شرفه وشرف ما يمثله، ومن حق الضحية والمجتمع الاقتصاص من المتهم حال ثبوت الجريمة، ومع أقصى ظروف التشديد لخيانة الأمانة والثقة، واستغلال الموقع، وضعف الضحية.
أن هذه الحادثة معزولة في مكانها وزمانها وشخصها، وحتى لو تحقّقت التهمة في حق المتهم فيها، فمن الجهالة والظلم تعميم الحكم على غيرها من الحوادث أو الأشخاص، وإلا فكلما اتُّهم طبيب أو أستاذ أو سياسي…. طالت الإدانة ظلماً المؤسسات التي ينتمون إليها أو يمثلونها. وهو ما لا يقبله العقل السليم في كل ملة. وإن الوقائع المرتبطة بالقيمين الدينيين وبأخطائهم ضئيلة مقارنة مع غيرهم، وهي لا تؤثر في مكانة الفقيه ومركزيته في حفظ الأمن الروحي للمغاربة.
أن التعامل مع مختلف الظواهر التي تمس قيم المجتمع وهويته، وتهدد ثوابته وحقوق أفراده وحرياتهم تتطلب مقاربة شاملة، تجمع بين الوقاية والتربية والتوجيه والزجر.. وأن المعول عليه ابتداء لضمان سلامة المجتمع من الظواهر الشاذة هو ترسيخ قيم الاستقامة، وانخراط مختلف المؤسسات في ترسيخ نفس الصلاح والإصلاح في المجتمع، والثقة بمؤسساته التي تسهم في التنشئة السليمة وحفظ منظومة قيمه، بدل الإسهام في تقويض دعائمها، والتقليل من شأنها، وتخوين كل من يمت بصله بها.
الدكتور محمد ابراهمي
عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح
مسؤول قسم الدعوة
اطلع أيضا على:
الموس يكتب: فاجعة مقتل الطفل عدنان.. الدروس والعبر | |
باخوش يكتب: الدخول المدرسي في زمن كورونا ورهانات التطوير والتجويد | |
شيخي والموس يكتبان: استمرار رسالة المسجد في ظل جائحة كورونا | |