لمهى: شبابنا بقدر حاجتهم إلى مأكل ومشرب وتعلم، فهم يحتاجون إلى العبادات لصقل مواهبهم ونماء قدراتهم

نظر في قضايا الطفل والشباب

من المظاهر التي صارت معهودة بين الناس حرصهم الشديد على تلبية حاجيات أبنائهم من مأكل وملبس وبذل للجهد في التعلم بما هو وسيلة لتلبية حاجيات العقل، كما أننا لا نفرط في العناية بأجساد أطفالنا من خلال تحفيزهم على القيام بالرياضة بل ربما انفقنا جزءا من أموالنا على تعليمهم الرياضة بأنواعها المختلفة، كل هذا عمل مطلوب محمود يرغب فيه الدين والعقل ويعد من الحاجات الواقعية في تربية الأطفال.
لكن ما يعاب على مجتمعنا اليوم إهماله جانب العناية بالعبادات بما هي وسيلة تغذي مطالب الروح، فلا تجد الأسرة تجتهد في تعليم أبنائها عبادة الصلاة مثلا، كما أن البعض قد يرفض حضور الصغار للمسجد وتحمل بعض تصرفاتهم فيه، ومن الصور التي تدل على عدم تعظيم هذا الجانب في حياتنا اليومية أنك تجد الأسرة تقيم الدنيا ولا تقعدها أحيانا إذا سمعت بتغيب الطفل عن حصة الرياضة أو الدراسة وكذلك إذا رأت منه ضعفا في تناول الأطعمة اجتهدت في عرضه على أهل الاختصاص لعلها تجد عندهم علاجا لمشكلته كما تعرضه على أهل العلم لتدعم قدراته الدراسية ضمانا للنجاح في دراسته .
إن من شأن تجاوز الحد المطلوب في رعاية الجوانب الثلاث ـ الوجداني، العقلي، الجسدي ـ الرجوع بالضرر على الطفل، فلعل ما نراه من اضطرابات نفسية وعقلية عن بعض الأطفال والشباب راجع لا محالة إلى الإفراط في تدبير العلاقة بين الجوانب السالفة الذكر.
إن علاج تلك الآفات التي تظهر على صحة الطفل والشاب يتطلب منا بصدق مجهودا إضافيا في حملهم على إعطاء وجدانهم ما يستحق من الجهد في سبيل تجاوز تلك المعضلات، وليست العبادات وعلى رأسها الصلاة إلا من أنجع الوسائل إلى ذلك، ومن عجيب الأمر أن العبادة السالفة الذكر لا تكلف وقتا ولا جهدا ماليا وبدنيا كبيرا وإنما تحتاج إلى إرادة وعزيمة قويتين؛ بهما يتمكن المجتمع من مجاوزة محنته هاته ويصقل هذه الطاقات التي تكاد تكون معطلة الآن، فإذا تم هذا الأمر سعد المجتمع بأبنائه وتقدم وجنب نفسه المخاطر والمهالك التي يتسع رقعها بين الشباب يوما عن يوم.
إن عبادة الصلاة التي سبق ذكرها تربي في الإنسان المراقبة الربانية أكثر من الرقابة الأبوية وفرق بين الأمرين كبير، وكذا المحافظة على الأوقات وبذلك تعالج آفات مثل التأخر عن الحضور إلى المدرسة في وقتها، كما تحمل صاحبها على التجنب التلقائي للفواحش فلا نحتاج بعد ذلك إلى كبير مجهود في الإقناع بأن المخدرات مضرة بالصحة ويحسن بالإنسان تجنبها، ثم إن عبادة الصلاة تعلم الطفل التركيز الذي هو من الأمور المساعدة على نجاح التعلم المدرسي.
قد يقول قائل إن هذه الفوائد السالفة الذكر ليست إلا محض خرافة لا يمكن لها أن تسمن أو تغني في حل مشكلات الشباب المعاصر، الجواب نقول: إننا عادة ما لا نتحدث عن فاعلية الدواء إلا بعد تناوله وتجريبه، فلتكن علاقتك بهذه العبادة علاقة تجربة وبعدها تجميع النتائج بصدق وتجرد فإن وجدتها غير نافعة ومجدية في تجاوز المعضلات السالفة الذكر، فلتعلم أن المشكلة لا يمكن أن تكون في أصل العبادة وإنما في عقل وقلب ذاك الإنسان الذي يستقبلها، فإن أمر الله إلى الناس يستحيل أن يكون غير ذي معنى فإن شريعة رب الناس ينتفي في حقها ذلك.
ختاما فإن ما تطرق إليه المقال لا يعدو أن يكون اجتهادا لا يدعي لنفسه الاطلاق، كما أنه يقدم قراءة يقدر أنها تكون مفيدة إلى جانب قراءات أخرى تساعد على التغلب على مثل هذه الظواهر، حتى لا يتقولن علينا أحد أننا نلغي مختلف المقاربات الأخرى للموضوع وطرق التعامل معه.

بقلم عبد الحق لمهى: باحث في الفكر التربوي
*/*/*/*/*/
المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الجهة الناشرة

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى