كوني يا ابنتي غيثا – سعيدة حرمل
جلسَت تشاهد حلقة من برنامج اطمأن قلبي والدموع تملأ عينيها متأثرة بمشهد فرح السيدة وغيث يقدم لها مساعدة مالية ضخمة لتشتري مزرعة وتزرع مائة نخلة فيها وهي المريضة بالسرطان والفقيرة لأبسط ضروريات الحياة فالتفتت إلي تسألني بعد نهاية الحلقة لم لا يوجد غيث بيننا ومعنا …
فاستوقفني سؤالها ألا يوجد حقا غيث بيننا وهو الذي يبحث عن حالات معوزة فيلتقي بها مخبأ وجهه وغير كاشف لهويته فيقدم للشخص مساعدة ما كان يحلم بها، جميل أن تدخل الفرحة على قلب المحتاج فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول في حديث: “أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله سرور يدخله على مسلم أو يكشف عنه كربته أو يقضي عنه دينا أو يطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب لي من أن اعتكف في هذا المسجد شهرا ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له اثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام”، وجميل أن لا تكشف هوية المانح لكي يثبت الأجر أكثر والأجمل ألا يكشف وجه الممنوح حفاظا على كرامته وإنسانيته فيكون الأجر أعظم.
ولكن ألم تمر بنا لحظات في الحياة التقينا بها بغيث. ألا تذكرون ؟ أنسيتم ذلك ؟ ألا يوجد في حياة كل منا ذكرى راسخة لا تنسى من ذلك اللقاء. وهل كان هذا اللقاء مرة واحدة أم تعدد أعداده؟ ألم تمر بنا لحظات أغلقت الأبواب وسدت السبل فالتقينا به مبتسما كاشفا وجهه فاتحا لنا المغاليق ؟
أنسيت تلك الكربة العسيرة فجاء غيث ففرجها؟ أنسيت ذلك الدين المعسر فالتقيت غيثا فقضاه عنك؟ أنسيت ذلك المرض فالتجأت إليه فأذهب سقمك؟ أنسيت أم تناسيت فإن النسيان عدو الإنسان أنحتاج أن نصور لك لقاءاتك به على طول حياتك لكي تتذكره دائما فتتحدث به وبعطاياه وجوده وكرمه فهو أكرم الكرماء وأسخى الأسخياء ومازلت في حاجة إليه في كل حركاتك وسكناتك فعلمه بحالك يغنيك عن سؤاله أنه المغيث سبحانه :
وهو الكريم يعم بالجود الورى وبجوده يتعايش الثقلان
فإذا رأيت من البرية باذلا فالله رب الجود والإحسان
بل يبدأ المخلوق قبل سؤاله سبحانه من واسع منان
يقول سبحانه في حديث قدسي “يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا على صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر”، سبحانه ذو الجود إذا أعطى أدهش ولكننا قوم جاحدون غافلون وناسون، فكم من نعمة قل لنا عندها شكرنا و كم من سترة أو عطية تناسيناها أو جحدنا بها فاللهم ألهمنا الشكر على النعم ودوام النعم وتذكر النعم ..
إنه المغيث سبحانه الذي يسخر عباده لعباده فإذا سألت فاسأل الله أن يعطيك من فضله وأن يسخرك لخدمة عباده فتكون غيث أهلك وحيك وجيرانك وبلدك ووطنك….. فالمسلم كالنحلة أينما وقع نفع فغيث عنوان كبير لرحمة الله الواسعة التي يضعها في قلوب عباده ليتراحموا ويتعاطفوا، وكم من غيث معنا لا تتبعه كاميرا راصدة ولا أعين باحثة عن الهوية يحيا بحب الخير ويموت على حب الخير وما أم المساكين وحبيبة الأيتام أم محمد مدرسة الإحسان رحمها الله التي توفيت هذا الأسبوع ما هي عنا ببعيد.
فأجبت ابنتي كوني غيثا ببسمتك وبأخلاقك وبتفانيك في دراستك أو عملك وكوني نحلة أينما وقعت نفعت واشكري المغيث سبحانه الذي يغيثنا صباحا ومساء واسأليه دائما فسبحانه كما قال عنه صلى الله عليه و سلم “يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحَّاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يعض ما في يده” سبحانه .
ابنتي الحبيبة غيث برنامج اطمأن قلبي هذه السنة قد يغيب في السنوات المقبلة ولكن المغيث سبحانه معنا دائما في كل سنة، وقلبك سيبقى مطمئنا دائما بإيمانك وبعلمك أن رزقك لن يأكله غيرك ولن يأخذه سواك، وأنه لو اجتمعت الإنس والجن على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، فتصدقي وأنفقي من حولك وطولك ولا تخشي من ذي العرش إقلالا وفقرا، وكوني غيث زمانك فهو القائل سبحانه في سورة الإسراء:”قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا” . فاللهم يا مغيث أغثنا.