قيام النهار

حيث قد أهل علينا شهر رمضان المبارك هذا العام، على غير معتادنا وإيلافنا من الاجتماع في المساجد لصلاة القيام والتهجد، وحيث كثرت الأسئلة والتساؤلات عن صلاة التراويح في البيوت، وقد تكلمت أنا وغيري في ذلك فقد لاحظت أننا في حاجة إلى تصحيح مفهوم القيام، لأننا لم ندرك مقاصد قيام الليل فضلا عن حكمه، إذ هو سنة مستحبة بالاتفاق، وأن من أعظم مقاصده تقوية المسلم على قيام النهار، فإن الله تبارك وتعالى أوجب قيام الليل على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه سنة كاملة، وفي ذلك أنزل سورة المزمل: ( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا  * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا)، إلى أن نُسخ الواجب إلى المستحب في قوله تعالى: ( إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن  ……) الآية.

وكان ذلك تهيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لقيام النهار، الذي في قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7المدثر 1 – 7.

إنه القيام بالدعوة إلى الله عز وجل ونصرة الحق والعدل، والوقوف في وجه الباطل والظلم، بكافة أنواعه.

فذاك قيام ليلي مندوب، وهذا قيام نهاري مفروض، إنه قيام الإنسان بواجب معاشه، والتهيء لمعاده، إنه القيام بالقسط الذي جعله الله تبارك وتعالى مقصد بعث الرسل وإنزال الكتب، كما في محكم التنزيل (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط).

والذي أمر الله به بأسلوب المبالغة كل المؤمنين فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) النساء 135.

ولذا، لا يجوز أن نحرص على قيام الليل المستحب، لنضيع قيام النهار الواجب، فذلك من الخلل في الأولويات، لا في رمضان ولا في غيره.

إقرأ أيضا: فضل قراءة القرآن في رمضان

ولم يكن الصحابة الكرام رضي الله عنهم ولا من بعدهم من أسلافنا الصالحين يجعلون من شهر رمضان شهرا للبطالة والخمول والكسل، بل أحيوا ليلهم بالقيام، وقاموا نهارهم بما يجب عليهم، فنصروا دين الله عز وجل، وكم حقق المسلمون من انتصارات في رمضان، كغزوة بدر، وفتح مكة، والقادسية، وفتح بيت المقدس، وموقعة عين جالوت، وغيرها..

واليوم كم ينتظر منا الإسلام من قيام في نهار رمضان، كم لله من فقير يحتاج إلى كفايته؟

وكم له من مظلوم يحتاج إلى نصرته؟

وكم لله من مريض يحتاج إلى مداواته وعلاجه؟

وكم لله من ملهوف يحتاج إلى إغاثته؟

وكم لله من مدين يحتاج إلى القضاء عنه؟

وكم؟ وكم؟ وكم؟

فقوموا نهاركم أيها الصائمون، ولا تستهينوا بذلك، فإن من قام الليل ونام النهار فقد جعل الوسيلة غاية والغاية وسيلة.

والله ولي التوفيق..

الشيخ بشير بن حسن

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى