عوام يكتب: ولا تؤتوا السفهاء “أصواتكم”

هذا العنوان هو جزء من آية كريمة في سورة النساء وهي قوله عز وجل: “ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيما” (النساء:5). والآية ذكرت المال ولم تذكر غيره ﻷجل ضنة الناس به، وحبهم له، وشغفهم بجمعه، ثم لما للمال من أهمية قصوى في البناء والتعمير، مما يستوجب صيانته والمحافظة عليه، والحرص عليه من أن يقع بيد السفهاء، حتى لا يضيع، ويذهب سدى.

ومعلوم أن السفه خفة العقل، وفقدان الرشد الذي يحصل معه انعدام حسن التصرف، لأجل ذلك جاء في الشريعة التحجير على السفهاء، والمقصود من ذلك حماية المال، سواء كان مالا عاما، أو خاصا يتملكه الأفراد، لأن المال قوام الأعمال، وحفظه حفظ لإحدى الضروريات الخمس، التي اتفقت جميع الملل والشرائع على حفظها وصيانتها. والآية تنص بدلالة النهي الصريح الواضح على عدم إيتاء السفهاء الأموال، ولا يخفى أن مقتضى النهي التحريم.

فإذا كان المال من الأهمية بمكان، وهي مكانة بلا شك، لا تخفى على أحد، أفلا يكون اختيار نواب الأمة، الذين يصوت عليهم الشعب من الخطورة بمكان، بحيث يقتضي الحيطة والحذر من أن يقع في غير محله، فيشمل بذلك سفهاء الأمة الكبار، الذين يأتون على مالها ومستقبلها، ويقفون سدا منيعا من أن تنال كافة حقوقها وكرامتها وحريتها، وأن ترتقي مثل غيرها من الأمم، فبهذا يكون اختيار نواب الأمة (التصويت) أمانة ومسؤولية أخلاقية ودينية ووطنية وإنسانية، فلا يجوز شرعا إعطاؤه لمن لا يستحقه، وإلا عد خيانة للأمانة، بمعنى ينبغي التحجير على سفهاء الانتخابات، الذين جعلوا من ولوجهم قبة البرلمان أو المجالس الجماعية مصدر الاستغناء والاسترزاق والعبث بمقدرات وخيرات الأمة.

إن اختيار نواب الأمة ينبغي أن يكون عن وعي وتعقل ورشد وسداد، فلا جرم أنه ينبني عليه مصير شعب ودولة بأكملها، من هنا أفلا تكون الآية السالفة الذكر تقتضي ضمنيا عدم اختيار سفهاء الانتخابات وتجارها وأباطرتها الكبار، على اعتبار أن الاختيار في النهاية يؤول إلى العبث بالمال العام؟ فلا شك أن دلالتها واردة من حيث اللزوم، ثم أليس إيتاء الصوت لسفهاء الانتخابات كمثل المال الذي يؤتى لغيرهم بالاشتراك في صفة السفه؟ بلى، إنه في ميزان الموازنة أخطر من ذلك، من حيث حجم الضرر الذي يلحق بالشعب وبالوطن. وينبني على الضرر وحجم الخسارة المتوقعة -وهذا الذي حصل بالفعل منذ زمن غير يسير- من اختيار سفيه الانتخابات وأن من فعل ذلك بمنح صوته لهؤلاء المرتزقة، أو أعانهم فقد خان دينه ووطنه وشعبه، وساهم في نصرة المفسدين، “والله لا يحب الفساد”.

فعلى العاقل الذي يرجو أن يلقى الله عز وجل، وهو راض عنه أن يصلح ولا يتبع سبيل المفسدين. قال الله تعالى عن سيدنا موسى عليه السلام مخاطبا أخاه هارون: “وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين.” (الاعراف:42)، ومن الإصلاح أن لا يرشح السفهاء، لأنه من اتباع سبيل المفسدين.

د.محمد عوام

******

مقالات رأي لا تعبر بالضرورة عن رأي الهيئة الناشرة

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى