شويكة تكتب عن الفصل 490 ق.ج في إطار حرية الفرد وإكراه المجتمع

تفاعلا ومتابعة للحملة الافتراضية التي جددت مطلب إلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي، ورفع التجريم عن الزنا والخيانة الزوجية والعلاقات الشاذة، والتي أطلقها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وتنويرا للرأي العام بطبيعة هذا المطلب، والخطورة القيمية والاجتماعية التي يحملها على النسيج المجتمعي، أرتأى موقع الإصلاح أن يخصص زاوية من زوايا النظر لمتابعة هذا الموضوع، وفيما يلي ننشر مقالا للباحثة حليمة شويكة في هذا الموضوع:

“في مسألة العلاقات الرضائية هناك تلبيس غريب يحاول أصحابه أن يقدموا المسألة وكأنها أمر شخصي يتعلق بالطرفين اللذين اختارا اقامة علاقة جنسية خارج إطار الزواج..ويذهب بعض المتدينين إلى اعتبار الأمر – مع الإقرار بحرمته – خاص بين العبد وربه وأن الله يغفر لمن تاب. وإن المادة المذكورة تستعمل لحسابات خاصة وتفتح المجال للتجسس على حياة الناس الخاصة.

وبعيدا عن الموقف في فصل قانوني.. و بعيدا أيضا عن الموقف من اختيارات الأفراد وقناعاتهم وحرياتهم- التي لم يقل أي مفكر بكونها مطلقة إطلاقا تاما – أرى أن البعد الاجتماعي والمعطى العلائقي العام الذي يقوم عليه وضع البشر في هذه الحياة له مكانته القوية التي يجب مراعاتها.

وعليه، فالقول بأن إقامة علاقة جنسية رضائية أمر شخصي لا يعني سوى طرفي الممارسة أمر مردود..لأننا نعيش في وسط اجتماعي اختار تنظيم حياة الأفراد وفق مرجعيات جامعة.

وهنا لابد من التذكير بأن إشكالية التعارض بين حرية الفرد وإكراه المجتمع، إشكالية قديمة حاول عدد من علماء الاجتماع تجاوزها والتفكير فيها بطرق مغايرة. لأنه ليس بالإمكان إزاحة “الاكراه” من الوجود الاجتماعي.. ولا التنكر لعنصر الحرية الذي يميز الأفراد.

هذا التضاد الكلاسيكي بين الفرد والمجتمع حاول عالم الاجتماع الألماني “نوربيرت إلياس” تجاوزه بالتأكيد على عدم إمكانية الفصل بين الفرد والمجتمع، فلا يوجد لمجتمع بدون أفراد، و ليس الفرد شيئا بدون مجتمع، فهما وجهان لبنية واحدة، كما أن العلاقة بينهما هي علاقة تأثير و تأثر، بحيث إن المجتمع يمارس مفعوله في تكوين شخصية الفرد الذي من شأنه أن يكون فاعلا وليس مجرد مفعول به.

بل يذهب السياسي والمؤرخ الفرنسي ألكسيس دوطوكفيل أبعد من ذلك عندما يعتبر أن الاعلاء من “الفردانية” ليس سوى صورة من صور القهر والاستبداد الاجتماعيين، وأنها تتجاوز كل أشكال الاستبداد التقليدي، لأن القهر الذي يهدد المجتمعات الحديثة يتمثل في السلطة القاهرة المطبقة على الأفراد والتي حولتهم إلى كائنات غريبة بدون إحساس، لا تهتم بالآخرين، و لا تفكر إلا بذاتها.

ويصف دوطوكفيل تلك السلطة الجبارة بأنها سلطة مطلقة لينة ومنظمة، تقوم بدور مزدوج ومتناقض، فرغم أنها تحقق الاستمتاع للأفراد إلا أنها غير قادرة على رفع قلق التفكير وشقاء العيش عنهم. لأنها حولت المواطنين إلى مجرد كائنات معزولة بدون إحساس بالغير، ولا يمتلكون وعيا مشتركا بقضاياهم العادلة، وفي ذلك قهر للأفراد يتجاوز كل استبداد و اضطهاد لهم.

صحيح أن سلطة المجتمع على الأفراد لها جانب شيطاني يتعين ضبطه ومراقبته، لكن بالتأكيد أن لها كذلك وجه آخر إيجابي في ضبط سلوك الأفراد للارتقاء بهم إلى مرتبة الإنسان…هذا الوجه الايجابي هو بالضبط ما جاءت الشريعة لتعززه وتقويه وتنظمه.. لذلك حرمت الشريعة الزنى ليس من أجل قهر الأفراد ولا الاعتداء على حريتهم، لكن لكي ترتقي بهم من البهيمية إلى الانسانية، بالمقابل، وربما نظرا لحالات الضعف المرتبطة ببشرية الانسان، لم تسمح الشريعة الإسلامية للسلطة الاجتماعية ولا السلطة السياسية والقانونية أن تكون مسلطة بالتجسس على حياة الناس، وطوقت عقوبة الزنى بشروط تكاد تكون تعجيزية…فالأصل هو أن يكون الوازع في الامتناع عن الزنى ذاتيا.. والأصل هو ألا تشيع الفاحشة في النظام الاجتماعي.

لذلك… فإن أي قانون يتم وضعه من أجل استغلاله في التشهير بالناس والتجسس عليهم يصبح مرفوضا. ورفضه لا يعني الدفاع عن العلاقات المسماة رضائية.. وإنما رفضه لأنه مدخل لإشاعة الفواحش… فلا هو منع الناس من ممارسة تلك العلاقات… ولا هو حفظ الحياء العام”.

ذة حليمة اشويكة

-*-*-*-*-*

ملحوظة: المقالات والآراء التي ينشرها موقع الإصلاح لا تعبر بالضرورة عن رأي الجهة الناشرة

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى