حسن الإفراني يكتب: خواطر من وحي العمل الإسلامي (8)
إن للقاءات كتابا موقوتا
يقول مالك بن نبي رحمه الله:” إن الزمن نهر قديم يعبر العالم، ويروي في أربع وعشرين ساعة الرقعة التي تعيش فيها كل الشعوب، والحقل الذي يعمل به، ولكن هذه الساعات التي تصبح تاريخا هنا وهناك، قد تصير عدما إذا مرت فوق رؤوس لا تسمع خريرها.”
إن فلسفة الزمن قد ضعفت في حياة المسلمين، تحكي صحفية فيما رواه لها أحدهم، أن طيارا فرنسيا نزل في الصحراء، فالتقى برجل يسافر على جمل، فتعجب الأخير من شكل الطائرة التي لم يرها من ذي قبل، فأخبر الطيار صاحب الجمل بأن الطائرة الماثلة أمامه تستطيع أن تقطع في يوم واحد ما يقطعه جمل طوال شهر كامل، فتعجب الرجل وقال: وماذا سأفعل في التسعة والعشرين يوما الباقية؟!
وهذه النظرة الدونية للزمن قد زحفت على أبناء الحركة الإسلامية، الذين هم في النهاية من أبناء هذا المحيط. فعوض أن نصححه، انغمسنا نحن الآخرين في وحله. فحينما نضرب لنشاط أو لقاء ما موعدا، يكون في خلدنا أنه لن ينطلق إلا بعد ساعة أو… وإننا بهذا السلوك نقدم صورة قبيحة، لينتج عن هذا سخط لدى الملتزمين بالوقت، وسخط على مواقع التواصل الاجتماعي (إذا كان النشاط مفتوحا للعموم)، وعقاب للمنضبطين، ومكافأة للمتأخرين، فنكون جراء ذلك قد غششنا في منح الجائزة لمستحقيها، فنكرس بموجب ذلك التخلف والتشنج والقلق… بانتظار المتأخرين لعدم احترامهم للموعد المحدد حتى أصبح أفراد بعينهم معروفون بذلك السلوك الذي يتعين تقويمه وتصحيحه، إذ تحول الأمر عندهم إلى عادة تتكرر في كل لقاء أو نشاط يصعب بموجب ذلك أن تلتمس لهم مليون عذر.
وإذا أردنا أن نتعظ فلنعتبر بأجور الصلاة، فالذي يكبر تكبيرة الإحرام مع الإمام، لا يمكن أن يقارن في الأجر مع المسبوق، وللفقهاء أقوال في مسألة تحصيل ثواب الجماعة إن تأخر عليها، وإن كان الإمام مالك يقول بخصوص من أدرك الإمام في التشهد الأخير قبل أن يسلم، هل تحتسب له الجماعة أم لا؟ فهو يرى أنه لا يكون مدركا إلا بإدراك ركعة كاملة. وعلى رأي الجمهور فمن أدرك الإمام قبل أن يسلم تحتسب له جماعة، لكن فاته أجر التكبير بحضور تكبيرة الإحرام. فانظر تبصر!
إن من يتأخر عن لقاءات الهيئات عليه أن يغالب أهواءه، وأن يستحيي من أن يجد إخوانه وأخواته ينتظرون قدومه في كل مرة، إذ قد يكون ذلك سببا في تذمر البقية، فتكون تلك اللقاءات عامل دفع عوض أن تكون عامل جذب.
إن النشاط أو اللقاء يتعين أن تنطلق أشغاله بمن حضر، ليعتاد الجميع على ذلك، ويضعوا الأمر في حسبانهم؛ لكن – بطبيعة الحال – شريطة أن تكون البرمجة قبلية، ولم لا وضع برمجة خاصة باللقاءات، وأن تراعي كل ما من شأنه أن يؤثر على الحضور في الوقت، كالصلوات والأسواق والبعد والعمل. وكما يتوجب تحديد موعد البداية، يتعين في المقابل ضبط زمن النهاية.
فقبل كل لقاء يتعين الاعتناء بالتكليفات التي تجعل كل مسؤول عن ملف أو فرع محلي يحضر وفي جعبته مخططا واضحا حول ما أنجز وما سينجز ” ابدأ والنهاية في ذهنك”، ليكون الإعداد واضحا في العقول، قبل إنزاله في الحقول، فنسبة نجاح أي لقاء رهين بالإعداد القبلي.
وأما أثناء الاشتعال على نقط جدول الأعمال فينبغي الانتباه إلى فضول الكلام، وكذا فضول الطعام… والشروع في جدول الأعمال بالأهم والمستعجل قبل غيره، مع تحديد الوقت المحدد لكل نقطة على حدة.
وعند نهاية كل لقاء فلا ينبغي التوهم بنهاية العمليات، بل يجب أن نعتبر ذلك بداية دورة أخرى نحمل همها فيما بين اللقاءين، فمن لا هم له فلا همة له.
إنه مما ينبغي معرفته أن الوقت عهد سنسأل عن مدى استخدامه بشكل فعال، كما نبهت على ذلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، “فالواجبات أكثر من الأوقات” كما قال حسن البنا رحمه الله، وأنه مورد اقتصادي، كما أنه – عند الاقتصاديين – يعد عنصرا من عناصر الإنتاج، وأن استثماره يسهم في تحقيق التنمية، فما قلناه عن الاقتصاد يصدق قوله على الدعوة.
ومن الأمور التي لا ينبغي أن نغفل عنها حينما يتعذر حضورنا، أو في حال تأخرنا، هو قبول اعتذار إخواننا وأخواتنا؛ والأجدر وللمشاركة في الأجر هو إرسال كل التزامات ومتابعات ومعلومات تكفل به المعتذر عن الحضور، وقبل هذا كله أن نبعث بمن ينوب عنا في اللقاءات لنضمن السير العادي للعمل، تطبيقا للمقولة المشهورة:” لا للكرسي الفارغ.” يقول تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود”.
وما أجمل أن نتخذ إخواننا في المركز قدوة لنا، فاللقاء يبدأ في الوقت المحدد وبمن حضر، وإن غفلت عن أن تأخذ مكانك في الوقت المحدد، فإن جرس هاتف الأخ الرئيس سيقرع في أذنك، لتنهض مهرولا.
أبو عبد الرحمن