«جريدة التجديد».. لمحة تاريخية لتجربة إعلامية وأدها الحصار

بعد عقدين من الصدور المستمر تحتجب جريدة «التجديد» عن الأكشاك المغربية. وسيصبح العدد رقم 3916 ليوم الخميس 30 مارس 2017 آخر عدد يؤرخ لنهايتها. وسيطوي قراؤها آخر ورقة من جريدة «التجديد» ويطووا معها إرثها العريق. وسيشكل إغلاق «التجديد» محطة جديدة تسلط الضوء على الأزمة الخانقة التي تعيشها الصحافة المغربية بكل أنواعها.

«التجديد» إرث تجربة

من حيث التموقع السياسي والفكري فالتجديد تصدرها حركة التوحيد والإصلاح المغربية، وهي هيئة دعوية وتربوية تأسست سنة 1996 تتويجا لعملية توحيد بين حركتين إسلاميتين، وهي بذلك تجسد وحدة الحركتين على المستوى الإعلامي إذ ورثت كلا من جريدة «الراية» التي تصدرها «حركة الإصلاح والتجديد» وجريدة «الصحوة» التي تصدرها «رابطة المستقبل الإسلامي». وهي بذلك تمثل إرثا لتجربة إعلامية تمتد جذورها إلى منتصف التمانينات.

و«التجديد» في سياق وحدة الهيئتين اللتان تشكلان هيئتها الناشرة صدر منها أول عدد بتاريخ 10 شوال 1419 موافق 27 يناير 1999، وتزامن هذا التاريخ مع اعتماد المقاربة المقاولاتية في تدبير إعلام الحركة، وتحويل «التجديد» إلى شركة محدودة المسؤولية وفق المقتضيات القانونية، وبعد صدور أسبوعي منتظم استمر سنة ونصف، بدأت في الصدور مرتين في الأسبوع (الأربعاء والسبت) ابتداء من 29 صفر الخير 1421 موافق 3 يونيو 2000.

وتحولت إلى الإصدار اليومي مع مطلع شهر رمضان 1422هـ موافق 19 نونبر 2001م، ومنذ ذلك الحين قاومت عوامل الاندثار وتحملت عناء الصدور اليومي، لكنها ستعرف منعطفا جديدا يوم الخميس 2 يونيو 2016، يتجلى في انتقالها من الإصدار اليومي الذي دام 18 سنة إلى الإصدار الأسبوعي، ويعد العدد الحالي العدد 40 من الصيغة الأسبوعية لها.

وجاء الانتقال الأخير من الإصدار اليومي إلى الإصدار الأسبوعي بعد قرار مجلس شورى حركة التوحيد والإصلاح، بصفتها الهيئة الناشرة، والذي وافق فيه على تحويل صحيفة “التجديد” من يومية إلى أسبوعية. وأرجعت الهيئة الناشرة، ذلك التحول إلى عدة اعتبارات، أهمها اعتماد وتيرة إصدار تكون أنسب لوظائف الحركة وسياستها الإعلامية، مؤكدة أن التحول سيسمح بتثمين كل الإيجابيات المكتسبة، وتدارك النقائص المسجلة.

لماذا التوقف الآن؟

بعد قرابة عقدين من الصدور المستمر قررت الهيئة الناشرة حجب «التجديد» عن الأكشاك، وأوضح بلاغ لمدير نشرها أن أسباب التوقف ترجع إلى أسباب اقتصادية قاهرة. وأكد البلاغ أنه بعد أزمة مالية خانقة استمرت لعدة سنوات لم يعد ممكنا الاستمرار في الصدور، مضيفا أن معلنين كبارا أوقفوا عقود الإشهار من المؤسسة دون سبب معروف. وأشار البلاغ إلى أن محاولات متتالية بذلت لإنقاذ الجريدة لكن دون جدوى.

وجاء توقيف معلنين كبارا، كشفت «التجديد» عن أسماء أهمهم في إحدى افتتاحياتها التي كانت تحت عنوان: أي ثمن تؤديه «التجديد» بحرمانها من إشهارات؟ في سياق سياسي عنوانه الكبير «البلوكاج» الذي عرفته محاولات تشكيل الحكومة من طرف عبد الاله ابن كيران. وأكدت «التجديد» في افتتاحيتها المشار إليها

«أن التوقيت الذي تزامنت فيه «قرارات» وقف تزويد «التجديد» بالاشهارات يوحي بأنها تؤدي ثمن ما يجري في الحقل السياسي من تجاذبات ومدافعات». وأضافت أن «السياق الذي أقدمت فيه تلك المؤسسات على «معاقبتها» يطرح أكثر من علامة استفهام حول مراميه السياسية في غياب مبررات موضوعية لحرمانها من تلك الاشهارات».

رسالة التجديد

«التجديد» قبل أن تنسحب من الساحة تركت رسالة تنبيه إلى النموذج الاقتصادي للمقاولة الصحفية المبني أساسا على مداخيل الإشهار والإعلانات و التي تتحكم في توزيعها عوامل سياسية واقتصادية، إذ دعت إلى الحد مما أسمته بـ»أساليب التضييق الاقتصادي الذي أصبحت تعاني منه بعض المقاولات (المؤسسات) الصحفية الجادة، والذي يرهن حرية الصحفيين ومصداقيتهم».

وأضافت في افتتاحيتها المشار إليها، إلى أن «عملية التحكم المالي في المشهد الإعلامي لخدمة أجندات سياسية لا يضر بقطاع الصحافة فقط، بقتل أخلاقيات المهنة فيها وتحويلها إلى منصات لتصفية الحسابات السياسية، ولكنه يضر بالوطن أيضا، حين يحرم من إعلام قادر على خدمة الشعب بالالتزام بنقل الحقيقة ومقاومة الفساد ونصرة المستضعفين، وإحلال إعلام غير مسؤول محله يدور حيث برق الدرهم».

نور الدين مفتاح، رئيس فدرالية الناشرين بالمغرب، نبه إلى معاناة المقاولة الصحفية مع الإعلانات والإشهار، وأكد أن المداخيل قليلة ووسائل الإعلام تصارع من أجل البقاء، وعدد، في تصريح لهسبريس، قائمة بعدد من الجرائد التي أغلقت، كما هو الحال بالنسبة ل»التجديد»، و»مغرب اليوم» و»الخبر» وصحيفة «الناس»، منبها إلى خطر إغلاق ما يناهز ثلاثين صحيفة وموقعا إلكترونيا في السنوات القادمة. قائلا «إن إغلاق جريدة بالمغرب يعتبر جنازة، موضحا أن مقبرة الصحف تتسع، وهو ما يهدد وسائل إعلام تنشط الديمقراطية، ويهدد القطاع بأكمله.

من هنا مروا

تناوب على إدارة نشر جريدة «التجديد» شخصيات فاعلة اليوم في الساحة العلمية والسياسية والدينية وكانت البداية مع العالم المقاصدي الدكتور أحمد الريسوني نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ثم سعد لوديي عضو ديوان وزير الاتصال الأسبق مصطفى الخلفي، وقد كان من أبرز من تحملوا مسؤولية إدارة الجريدة عبد الإله بن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية و رئيس الحكومة السابق. و مصطفى الخلفي وزير الاتصال الناطق باسم الحكومة السابق. وتولى بعده إدارة نشر «التجديد» الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح محمد الحمداوي، ليختم ذلك المسار مع آخر مدير نشر لها جواد الشفدي.

وتوالى على رئاسة تحرير «التجديد» كل من القيادي بحزب العدالة والتنمية، محمد يتيم، والأستاذ الباحث حسن السرات أمين مركز المقاصد للدراسات والبحوث، ومصطفى الخلفي، ليختم مشوار رئاسة التحرير في التجديد مع حسن بويخف.

أما سكرتارية التحرير في التجديد فانطلقت بشكلها المؤسساتي مع الصحافي محمد أعماري ثم مع الصحافي الحاج علال عمراني الذي استمر في هذه  المهمة الى عددها الأخير الذي تصدره اليوم.

وتخرج من جريدة «التجديد» العشرات من الصحافيين والمتدربين الذين أبدعوا في الجرائد والمواقع وقنوات الاتصال التي التحقوا بها، وقد عبروا في تعليقاتهم على قرار الإغلاق عن أسفهم على إغلاق مؤسسة كانت بمثابة مدرسة أخذوا منها قواعد المهنة وأخلاقها.

ويرحل معها «جديد بريس»

ليست جريدة «التجديد» وحدها من ستغادر الساحة، بل سيرافقها موقع «جديد بريس» التابع لشركة التجديد، إذ سيغادر العالم الالكتروني، وهو الموقع الذي انطلق في أواخر سنة 2000 باسم «التجديد.أنفو»، وكان آنذاك أول المواقع الإلكترونية باللغة العربية التي أنشئت في المغرب، وهي فترة كان فيها عدد مستخدمي الانترنيت بالمغرب حسب رئيس تحرير الموقع زكرياء سحنون لا يتعدى 200 ألف مستخدم.

شواهد عن مهنيتها

تمكن صحافيو «التجديد» من انتزاع العديد من جوائز الصحافة بالمغرب، كما تشرفت الجريدة بالحضور في الفاعل في الجائزة الكبرى للصحافة سواء في لجنة الإعداد أو لجنة التحكيم، ويشهد ذلك بمستوى المهنية الذي عرفت به، ومند أن اختار صحافيو «التجديد» المشاركة في مختلف الجوائز الصحافية، تمكنوا من تسجيل حضور مشرف لمؤسستهم.

وفي هذا السياق فازت الصحافية سناء القويطي بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة المغربية صنف الصحافة المكتوبة في دورتها الرابعة عشر 2016. وحصل الصحافي انبارك أمرو على جائزة الحسن الثاني للبيئة صنف الإعلام 2016.

وفاز الصحافي ياسر المختوم بجائزة الصحافة المتخصصة في الشرق الأدنى وشمال إفريقيا من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) 2016، وقبلها توج بالجائزة الوطنية الثالثة للصحافة الفلاحية والقروية 2015.

وفازت الصحافية مريم التايدي بجائزة الصحافة المغربية في قضايا المرأة والتنوع الاجتماعي، المنظمة من طرف منظمة البحث عن أرضية مشتركة بشراكة مع معهد التنوع الإعلامي، وجائزة التميز ضمن الجائزة الوطنية الكبرى للصحافة الفلاحية والقروية 2016.

وفاز الصحافي المصور عصام زروق بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في صنف الصورة برسم الدورة الحادية عشر 2013.

كما انتخبت التجديد عضو بمكتب فيدرالية الناشرين منذ سنة 2009 وأعيد انتخابها سنة 2013.

عبد الله أموش – عدد التجديد “30 مارس – 5 أبريل 2017”.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى