تعديل مدونة الأسرة.. قضايا للنقاش وسجالات خرج بعضها عن الإجماع الوطني

شهد النقاش العمومي منذ الدعوة الملكية بإعادة النظر في مقتضيات مدونة الأسرة سجالا مجتمعيا في عدد من القضايا بين أغلبية؛ تدعو إلى التمسك بالمرجعية الدستورية والدينية والإطار العام للتوجيهات الملكية، وأقلية تدعو لتجاوز النص الديني إما بلغة دبلوماسية بدعوى الاجتهاد، أوبلغة فجة بدعوى أن الفقه القديم ميت وان الحاجة ماسة لمدونة حداثية مدنية منسجمين بذلك مع التوصيات الدولية ذات العلاقة بقوانين الأسرة.

ومن بين القضايا التي برزت بشكل واضح أثناء النقاش العمومي حول تعديلات مدونة الأسرة،  بما فيها المذكرات الموجهة إلى الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة من قبل عدد الفعاليات التي تشكل جزءا من النسيج المجتمعي، نجد قضايا زواج القاصرات والتعصيب في الإرث وتعدد الزوجات والإجهاض.

تزويج القاصر

في الوقت الذي ارتفعت الدعوات إلى الحاجة الملحة لتعميق فهم ظاهرة زواج القاصر عبر دراسات وإحصائيات علمية دقيقة، أثارت مسألة زواج القاصرات الشذ والجذب منذ بداية النقاش ذهب إلى حد الدعوة لإلغاء زواج مادون سن 18 وعدم السماح بالاستثناءات.

وأوصى ‬المجلس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والبيئي‭ ‬في رأي صادر له بتسريع‭ ‬المسلسل‭ ‬المتعلّق‭ ‬بالقضاء‭ ‬على‭ ‬تزويج‭ ‬الأطفال‭ ‬والطفلات‭ ‬خاصة،‭ ‬وذلك‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬المصلحة‭ ‬الفضلى‭ ‬للطفل،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اعتماد‭ ‬استراتيجية‭ ‬شموليّة‭ ‬تهدف،‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬المنظور،‭ ‬إلى‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الممارسة‭ ‬وتحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬السوسيو‭-‬اقتصادية‭ ‬للبلاد‭. ‬

واستبق وزير العدل عبد اللطيف وهبي إجماع مؤسسات وطنية وهيئات مدنية على ضرورة مراجعة مدونة الأسرة وفق مقاربة تشاركية، تأكيده على إلغاء السماح بتزويج أقل من 18 سنة المعمول به في مدونة الأسرة، قائلا خلال استضافته على أثير الإذاعة الوطنية في يناير من العام الماضية “سنجرم زواج القاصرات، ونمنع الإذن الذي يمنحه القانون للقضاة”.

حركة التوحيد والإصلاح من خلال مذكرتها، انطلقت من أن الرشد يُسهم في الاستقرار الأسري، وأن تحصين الشباب وإبعادهم عن الرذيلة مما دعت له الشريعة وحثت عليه. وهو ما يقتضي التأكيد على أن الأصل هو اعتماد سن الرشد القانوني ( 18 سنة )، مع الإبقاء على إمكانية الإذن بزواج من اقترب (ت) من سن أهلية للزواج حينما يكون الزواج فيها مصلحة واقعة وراجحة، يقدرها القضاء المختص مع الأولياء الشرعيين، مع التنصيص على إلزامية الجمع بين البحث الاجتماعي والخبرة الطبية، ويمكن اعتماد خمس عشرة سنة كحد أدنى لإمكانية إعطاء الإذن.

في المقابل، يوضح خبير قانوني أن مجموعة من الدول الكبرى والعريقة في مجال الحقوق والحريات، تمنح حق تزويج قاصر ما دون 18 سنة، وذلك انطلاقا من خلاصات نتائج حول دراسة مقارنة حول قضية تزويج القاصر في العالم.

ويؤكد إدريس الفاخوري أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بوجدة خلال مداخلة قدمها في ندوة وطنية حول “مدونة الأسرة وأفق التعديل”، نظمها مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، بشراكة مع محكمة الاستئناف بوجدة، بتاريخ 24 فبراير 2023، أن “هناك تجارب دولية لزواج فتيات دون سن الرشد القانوني في أغلب الدول الأوروبية وكل الدول العربية”.

وأشار المتحدث إلى أن القانون المدني في إسبانيا يسمح بزواج القاصر ابتداء من 14 سنة، وأن القانون البلجيكي يخول لمحكمة الشباب صلاحية تزويج الفتاة دون سنة 18 عاما، وأن القانون السويسري يمنح الإذن بتزويج القاصر، وأن القانون المدني الفرنسي ينص على الإعفاء من شرط السن في حالة توفر أسباب جدية.

ويرى مركز المقاصد للدراسات والبحوث في مذكرته، أن تزويج القاصر يجب اعتماده بتقييده بدل منعه والاصطدام بالمجتمع، ودفعهم إلى الزواج خارج إطار المساطر القانونية ظانين أنهم يقومون بعمل شرعي يوافق عليه العلماء.

استمعت الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة أمس الأربعاء بالرباط، في اجتماعات منفصلة، لمقترحات وتصورات كل من مركز المقاصد للدراسات والبحوث،

وفي هذا الإطار، اقترح المركز جعل الأمر في يد القضاء وجعل الاستثناء في الزواج في 16 سنة وهو السن الذي يقترب من السن القانوني بمدونة الأسرة 18 سنة، قائلا في عرضه لمذكرته ” إننا لا نشرع لأنفسنا بل نشرع للمغاربة خاصة في المغرب العتيق والمناطق المهمشة والفقيرة، ولا يجب أن ندخل في صراع مع المجتمع المغربي”.

الإرث والتعصيب

من بين القضايا السجالية قضية الإرث، حيث اقترحت مذكرة من أجل “المساواة في الإرث” أعدتها تنسيقية المناصفة المساواة في الإرث بين الذكور والإناث وإلغاء التعصيب، فيما اقترحت مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان “تخوـل صاحب المال سـلطة اختيار النظام المطـق على أمواله، إما الوصية أو الميراث”؛ وجعل نظام الإرث الإسلامي اختياريا، إلى جانب نظام الوصية ورفع كل قيد أو ضابط شرعي عن الوصية ينضبط لحدود الله عز وجل، من قبيل كون الوصية تبقى في حدود الثلث، وأن لا وصية لوارث.

وتعرض مقترح المجلس انتقادات واسعة، خاصة أن المجلس مؤسسة دستورية؛ تعبر عن كل أطياف المجتمع، ويقول حزب العدالة والتنمية في مذكرة أصدرها للرد على مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشأن مراجعة مدونة الأسرة،  المذكرة اقترحت إلغاء منظومة شرعية جوهرية تهم التصرف في المال باعتباره مال الله، ينتقل لأصحابه وفق قواعد محددة على سبيل التفصيل بالنص القرآني، وبناء على فلسفة ربانية قوامها العدل والإنصاف، وجعل الإنسان يتحدى حدود الله وقواعده التي سنها لتسري على عباده المسلمين.

وذهب الحزب إلى أن المذكرة وإن اقترحت اختيار الشخص العمل بنظام الإرث الإسلامي، فإنها طالبت بتعديلات جوهرية تفرغ نظام الإرث وفق النظام الإسلامي من محتواه، ويتعلق الأمر بعدد من العناصر، ومنها “تدقيـق مفهـوم التركـة باسـتخراج نصيـب الزوجـة أو الـزوج البـاقي على قيـد الحيـاة مـن الأمـوال المكتسبة بعـد الـزواج، وذلـك قبـل توزيـع التركـة”.

المذهب المالكي في المدونة

طالبت هيئات نسائية وأحزاب يسارية بحذف المادة 400 من مدونة الأسرة (التي تحيل القاضيى على المذهب المالكي كمرجعية للاجتهاد في نازلة لم يرد فيها نص بالمدونة) بدعوى أن هذه المادة أصبحت وسيلة لتقييد اجتهاد القاضي بالمذهب المالكي وحده خاصة، فيما استقت المدونة الحالية بعض أحكامها من مذاهب أخرى.

وقد انتقد العلامة مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي المحلي بوجدة هذا المطلب ، موضحا أن المرجعية هي التي تبين الحرام والحلال، وتبين على سبيل المثال المحارم من النساء في الزواج، متسائلا ما الذي سيمنع الناس من الزواج بأمهاتهم وبناتهم في ظل غياب أية مرجعية؟ 

تفاعل العلامة مصطفى بنحمزة في مقالة له بإحدى الجرائد المغربية مع الإنجاز التاريخي الذي حققه المنتخب الوطني لكرة القدم في كأس العالم بقطر وت

وقال العلامة بنحمزة في محاضرة حول “ضوابط الإجتهاد وتنزيلها على مدونة الأسرة” يوم 27 فبراير 2024 بالقنيطرة “يجب أن ننظر في المجتمع ولا نسبب له أزمة ولا مشكلة، ارضاء لزيد ولا لعمر من الناس”، مشيرا إلى أن المفترض في القانون هو أنه  يلبي حاجة المجتمع”.

ودعا عضو المجلس العلمي الأعلى  إلى الحديث عن الاجتهاد بذكاء، مع احترام الاختصاص، وبناء القضايا على العلم والمعرفة باعتبار هذه الأخيرة سلطة، موضحا أن العلم إما أن تكون مصيبا فيه باعتماد الأدلة وإما أن تكون مخطئا.

التعدد في الزواج 

نظم المشرع المغربي “التعدد” في المواد من 40 الى 46 من مدونة الاسرة وقيد التعدد في حالة إذا خيف عدم العدل بين الزوجات وحالة وجود شرط من الزوجة بعد التزوج عليها، لكن خيئات نسائية وحزبية طالبت  بالمنع المطلق لتعديد الزوجات ولم تكتف بتشديد شروطه.

وطالبت التنسيقية النسائية من أجل التغيير الشامل والعميق لمدونة الأسرة، في بيان لها، بـ”منع تعدد الزوجات بصفه نهائية ومطلقة ومعاقبة مخالفة أحكام القانون”، كما اقترحت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان منع التعدد أو تشديد شروطه على الأقل، مع إدخال تعديلات على المدونة تفتح الباب لاعتماد الخبر الجينية لتحديد النسب.

ويرى عدد من الفقهاء أن التعديد أباحه الله عز وجل وحل من حلول معضلة العنوسة بشروط وضوابط، وينبغي للمكلف أن لا يقبل عليه دون تحقق من قدرته على تحققها.

وتؤكد حركة التوحيد والإصلاح في مذكرتها الإبقاء على إباحة التعديد بالنظر لورود نص قطعي من كتاب الله عز وجل يبيحه، ولما يحققه عند إعماله بضوابطه من مصلحة للمرأة والأسرة. وطالبت المذكرة  بضبط مسطرته، وتخفيف بعض قيوده التي قد تسبب العنت للأفراد، وتدفع إلى ممارسة التعدد غير الموثق الذي يضر بالأسرة والمجتمع.

تدبير الأموال المكتسبة

من بين القضايا المقترحة في تعديل مدونة الأسرة، مطالب تدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين من قبيل المطالبة باعتبار عمل الزوجة في البيت عملا مسهما في بناء الثرورة التي يحصلها الزوج خلال مسار العشرة الزوحية . وقد نص المشرع المغربي في المادة 49 من مدونة الأسرة المغربية على أن ذمة الزوجة المالية تستقل على ذمة زوجها، ولها الحق في التصرف في مالها وإدارته طالما تم إثراء ذمتها المالية بهذه الأموال بطرق قانونية تمكنها من إمتلاك هذه الأموال بمنأى عن ذمة زوجها المالية.

ورغم مزايا نظام إستقلال الذمة المالية من الناحية النظرية، فإن الواقع يحتم على الزوجين التشارك والمساهمة في تنمية ثروة الأسرة، وهو ما يؤدي إلى خلق كتلة مالية مشتركة بين الزوجين، لذلك يجب الإعتراف بما لكلا الزوجين في هذه الأموال المكتسبة، وما جناه من عمله في سبيل تنمية أموال الأسرة في إطار ما يسمى بحق الكد والسعاية الذي يتضمن فكرة المساهمة وبذل العمل والجهد بكافة الوسائل.

وترى حركة التوحيد والإصلاح أن المادة 49 من مدونة الأسرة تفي بمقصد حفظ الذمة المالية للزوجة وللزوج، وقد صيغت بطريقة دقيقة جعلت الذمة المالية لكل واحد منهما مستقلة عن ذمة الآخر، ونبهت الزوجين إلى إمكانية إقامة عقد مستقل عن عقد الزواج يتم بموجبه الاتفاق على كيفية تدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية.
لكن الحركة دعت لمزيد ضبط للمادة، خاصة فيما يتعلق بوسائل الإثبات، عندما لا يكون هناك اتفاق بين الزوجين وتدعو الحاجة لتقدير وتقييم ما قدمه كل واحد منهما من مجهودات وما تَحمَّله من أعباء لتنمية أموال الأسرة.
موقع الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى