المجلس الأعلى للحسابات يقدم تشخيصا شاملا للتعليم العتيق بالمغرب

قدم المجلس الأعلى للحسابات تشخيصا شاملا لمنظومة التعليم العتيق في المغرب، بما تحمله من إيجابيات وما تعرفه من سلبيات سواء على مستوى التخطيط أو التنسيق أو التسيير أو التأطير أو النتائج. وقدم المجلس توصيات لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لتجاوز جوانب القصور في المنظومة.

وانطلق التقرير السنوي للمجلس برسم سنة 2021” في تقييمه من كون مؤسسات التعليم العتيق، “تساهم في تحصين المجتمع المغربي، والحفاظ على ثوابته الدينية وهويته التاريخية والحضارية، وذلك، من خلال إرساء نظام تعليمي يتسم بالوسطية والاعتدال والتسامح واحترام الآخر”. 

تشخيص وواقع

سجل المجلس الأعلى للحسابات بلوغ عدد مدارس التعليم العتيق بالمغرب ما مجموعه 294 مدرسة، وفق إحصائيات سنة 2021، فيما بلغ عدد الكتاتيب القرآنية التقليدية ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، التي تشرف عليها المجالس العلمية المحلية، حوالي 12 ألفا و943 كتابا.

ولاحظ التقرير بلوغ عدد المتمدرسين في مدارس التعليم العتيق 36 ألفا و661 متمدرسا خلال سنة 2021، كمع بلوغ عدد المتمدرسين بالكتاتيب القرآنية 419 ألفا و855 متمدرسا، مضيفا أن تمويل تسيير منظومة التعليم العتيق يعتمد على ثلاثة مصادر أساسية.

وبيّن أن تلك المصادر هي الميزانية العامة للوزارة، والحساب الخصوصي لتسيير برنامج محو الأمية بالمساجد وتأهيل التعليم العتيق، وميزانية تسيير الأوقاف العامة، مشيرا إلى أن متوسط اعتمادات التسيير المفتوحة خلال الفترة الممتدة من سنة 2014 إلى سنة 2021، بلغ حوالي 253 مليون درهم في السنة.

وأوضح التقرير أنه تم رصد 90 في المائة من مجموع مبالغها، لتعويض العاملين في مؤسسات التعليم العتيق ومنح التالميذ، علاوة على رصد اعتمادات للاستثمار بلغت في المتوسط 70 مليون درهم في  سنة 2021، مسجلا بلوغ عدد المفتشين التربويين برسم الموسم الدراسي 2020-2021 ما مجموعه 81 مفتشا موزعين على جهات المملكة حسب المواد الدراسية.

اختلالات ونواقص

سجل المجلس عدة نقائص منها، إعداد وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إستراتيجية تربوية للتعليم العتيق سنة 2006، غير أنه لاحظ أن الأهداف والتدابير المحددة لم يتم ربطها بالتكلفة المالية التقديرية ولا بالموارد البشرية الضرورية لتحقيقها كما أنه لم يتم ربطها بإطار زمني محدد. 

ولاحظ المجلس أن هذه الاستراتيجية لم تتضمن أهدافا وتدابير خاصة بتأهيل الكتاتيب القرآنية والمراكز القرآنية لضمان التقائية أهدافها مع منظومة التعليم العتيق، بصفتها رافدا أساسيا لهذه الأخيرة، لاسيما عن طريق عقد شراكات مع المجالس العلمية المحلية.

أصدر المجلس الأعلى للحسابات تقريره السنوي برسم سنتي 2019 و2020، وذلك طبقا للتوجيهات الملكية السامية القاضية بالحرص على قيام المجلس الأعلى للحسابات بمهامه الدستورية، لاسيما في ممارسة المراقبة العليا على المالية العمومية، وفي مجال تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة.

وتبين للمجلس أنه تم تكليف مديرية التعليم العتيق ومحو الأمية بالمساجد، منذ إحداثها سنة 2004، بإعداد الخريطة المدرسية الوطنية لمؤسسات التعليم العتيق إلا أن هذه الخريطة لم تخرج بعد إلى حيز الوجود.

ورصد المجلس عدم انعقاد اللجنة الوطنية للتعليم العتيق منذ إحداثها سنة 2006، تحت رئاسة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالإضافة لممثلي السلطتين الحكوميتين المكلفتين بالتربية الوطنية والتعليم العالي، لتضطلع بمهام تتبع وضعية التعليم العتيق واقتراح التدابير الكفيلة بتطويره والنهوض بمؤسساته، وإبداء الرأي في البرامج المتعلقة به، كما لم تعمل على إحداث لجان التنسيق المكونة من ممثلين عن القطاعات المهتمة بالتربية والتكوين، وذلك رغم التأكيد على ضرورة إحداثها في التوصيات الصادرة عنها قبل 2013.

وتنبه المجلس لغياب المفتشين التربويين في بعض مواد التخصص، قائلا “أما بالنسبة لعدد المراقبين الإداريين فإنه لا يتناسب مع عدد مؤسسات التعليم العتيق، بحيث لم يتجاوز عددهم 40 مراقبا إداريا مكلفا بمراقبة 292 مدرسة على الصعيد الوطني”، مضيفا أن نفس الأمر بالنسبة لعدد مراقبي الكتاتيب القرآنية الذي ناهز 300 مراقبا إداريا مكلفا بمراقبة 12 ألفا و943 كتابا قرآنيا.

وأكد المجلس أن نسب النجاح تعرف لتطورا بطيئا في كافة اأطوار الدراسية، سواء بالنسبة للتلاميذ الذين انخرطوا في هذا النمط من التعليم منذ المستوى الأول أو الثاني أو الثالث ابتدائي، قائلا “من أصل 2521 تلميذا مسجلا بالمستوى الأول ابتدائي، برسم الموسم الدراسي 2015/2016، تمكن 939 منهم فقط من بلوغ المستوى السادس خلال الموسم الدراسي 2020/2021 و240 منهم فقط هم من حصلوا على الشهادة الابتدائية برسم نفس الموسم، موضحا أن نفس الأمر ينطبق على الأفواج المسجلة برسم المواسم الدراسية السابقة.

توصيات وحلول

وقدم المجلس توصيات للوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية منها العمل على تحيين الإطار الاستراتيجي لتأهيل منظومة التعليم العتيق وفق رؤية مندمجة مبنية على تحديد دقيق للأهداف المتوخاة في هذا القطاع، مع الاعتماد على مؤشرات أداء تتيح إجراء تقييم منتظم لجميع مراحل التخطيط وإنجاز مشاريع التأهيل.

وطالب المجلس بضرورة تفعيل آليات التنسيق والتعاون والشراكة المنصوص عليها في القانون رقم 01.13 في شأن التعليم العتيق مع جميع الفاعلين الأساسيين، لاسيما قطاعي التربية الوطنية والتعليم العالي، وذلك من أجل تحسين أداء المنظومة التربوية للتعليم العتيق.

ودعا المجلس الوزارة بالعمل على إعداد خريطة مدرسية وطنية وخرائط جهوية وإقليمية، بشكل يراعي توجهات السياسة التربوية لمنظومة التعليم العتيق والمميزات الخاصة بهذا النمط من التعليم، وذلك من حيث المناهج التربوية والبرامج، والأطوار الدراسية، والفئات العمرية للمتمدرسين.

وشدد المجلس على ضرورة تعزيز المراقبة والتأطير التربوي من خلال العمل على تغطية جميع مؤسسات التعليم العتيق، واعتماد مفتشين تربويين متخصصين حسب الأطوار الدراسية، وكذا الرفع من جودة الزيارات الصفية في إطار برمجة سنوية، وتجويد تقارير المراقبة الإدارية والتربوية.

أوصى المجلس بتأطير الدعم والامتيازات والمساعدات الممنوحة لمؤسسات التعليم العتيق وللجمعيات المدبرة لها، من خلال إبرام اتفاقيات شراكة معها، وعلى أساس دفاتر تحمالت تتضمن أهدافا واضحة وقابلة للقياس وتحدد الالتزامات والواجبات المتعلقة بكل طرف.

وحث المجلس الوزارة بالقيام بدراسات الجدوى قبل الشروع في البت في المشاريع المتعلقة بإنشاء مؤسسات جديدة للتعليم العتيق، بما يتيح التشخيص القبلي لحاجيات المناطق المعنية، ومدى قدرة المؤسسات المتوقع إنجازها على استقطاب المتمدرسين.

موقع الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى