القضية الفلسطينية والأفق المستقبلي – نورالدين قربال
توطئة:
الكل يتساءل أي مستقبل للقضية الفلسطينية؟ جوابا على هذا السؤال برزت اجتهادات متعددة، منها ما هو مكتوب وآخر كلام يغطي الحوارات المتعلقة بالموضوع. وقد يتساءل البعض هل يمكن أن نجد حلولا مع احتلال صهيوني متوحش يسعى إلى التطهير العرقي للشعب الفلسطيني؟ وحشية وليدة ارتباك تصوري أفقد الاحتلال البوصلة رغم الدعم الأمريكي ومن يساندوه.
وصنف آخر يربط أي حل بوحدة الفصائل الفلسطينية ضمانا للشرعية الوطنية، واستهداف المصالح العليا للدولة الفلسطينية، وإحداث التوازن أثناء التفاوض، من أجل تجاوز اتفاقيات الخزي والعار التي لم يحقق منها الفلسطيني إلا الدمار والخراب. وآخرون يدعون إلى استثمار هذه الظرفية التاريخية، حيث يتراجع الدعم لإسرائيل، وتحظى القضية الفلسطينية بتأييد شعبي عالمي، ومواقف رسمية مشجعة من باب فلسفة التضامن الأخلاقي، إضافة إلى أحكام وقرارات كل من الأمم المتحدة، ومحكمة الجنايات الدولية ومحمة العدل الدولية واعتراف مجموعة من الدول بضرورة قيام الدولة الفلسطينية نحو إسبانيا وإيرلندا والنرويج.
إن هذا الصنف يؤكد على استثمار هذه اللحظة التاريخية باعتبار أن القضية الفلسطينية محورية في معادلة التحرر العالمي، وانتفاضة الشعوب العالمية والبعد الإنساني المناهض للإبادة والتطهير والخرق الحقوقي للحريات مما يؤشر على قيام جبهة دولية ضد الفساد والاستبداد، وهذا من باب السنن التاريخية التي تتدافع في إطار جلب المصالح البشرية ودرء المفاسد عليها أو على الأقل التقليل منها.
لقد اتخذت القضية الفلسطينية بعدا أخلاقيا وقيميا إضافة إلى البعد الجيوالسياسي والاستراتيجي.ومن تم لا تعايش مع الكيان الصهيوني، الذي لم يحقق أي نصر كما يدعي إلا الاعتداء على الأبرياء خاصة الأطفال. وقد فضحت جنوب إفريقيا ودول أخرى مظاهر الإبادة والتطهير التي يقوم بها هذا العدو المحتل. ويمكن اعتبار الدعم الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية للصهيونية انهيارا أخلاقيا وانحرافا قيميا خطيرا وانزلاقا فكريا يهدد الإنسانية والآدمية.
إن الأصل في هذا الصراع الذي عمر أكثر من 75 سنة مخالف للشرعية الدولية وماقام على باطل فهو باطل، وحسب المعطيات فإن المشروع الصهيوني قد فشل جغرافيا وتاريخيا وأنثروبولوجيا وسياسيا وحضاريا. لقد أصيب بالإفلاس. امام هذه المعطيات ماهي الخيارات المطروحة لإنهاء هذا الصراع الذي
تجاوز 75 سنة؟
الاختيارات المطروحة:
في الغالب يطرح حل الدولتين لكن هذا الاقتراح يقابله الرفض الإسرائيلي حيث يصرح بأنه لا تنازل على أي شبر من الأراضي المحتلة. وقد تسمح “بدولة فلسطينية” لكن دون سيادة. وأكد الموقف الفلسطيني على دولتين شريطة أن تكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، وهذا مرفوض من قبل الكيان المغتصب. ومن تم يستحيل التعايش مع كيان متطرف اتخذ قرارا داخل الكنيسيت بعدم السماح بقيام دولة فلسطينية لأنه يهدد الأمن الإسرائيلي.
لذلك طرح خيار دولة فلسطينية مفتوحة على جميع الأديان. بذلك يعود المستوطنون إلى بلدانهم الأصلية ويعود الفلسطينيون الذين أخرجوا من وطنهم قسرا. لكن من الصعب إنجاح هذا الخيار لأنه لا يرضي الدول الداعمة لإسرائيل لأنه سيشوش على الصفقة التي وقعت بينها وبين الصهيونية العالمية التي استقرت في فلسطين أثناء الانتداب البريطاني من أجل تسهيل قيام الكيان غير الشرعي سنة 1948.
برز خيار آخر هو دولة واحدة وعيش مشترك كجنوب إفريقيا سنة 1994، مبني على الاختيار الديمقراطي والعدل والسلم، والحوار هو الآلية الوحيدة لتأسيس هذا الاختيار. الإشكال أن الكيان الصهيوني لا يعترف بالفلسطينيين.
الخلاصة استحالة قيام دولة أو دولتين لأنه متناقض مع التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي يقوم بهما الاحتلال. من تم برز خيار المقاومة حتى التحرير في إطار ثنائية النصر أو الشهادة. وهذا الخيار لا يمنع من الجمع بين البندقية والتفاوض. لكن بعض المفكرين يدعون إلى إعادة النظر في مفهوم الحرب نظرا للتطور الذي يعرفه العالم. مؤكدين أن هناك الحل التاريخي الذي يستغرق الأمد الطويل، والحل السياسي الذي يختزل في الأمد القريب.
صفوة القول إن المقاومة تبذل مجهودا كبيرا ونوعيا على مستوى تطوير آليات مواجهة الكيان الصهيوني. وبالمقابل يجب أن يبذل مجهود أكبر على مستوى وضع تصور واضح لما بعد ما يقع اليوم يستحضر السيادة والمشروعية والشرعية. بناء على الخير والعدل والحرية والفضل والمساواة. مع تطوير المفاهيم كما تم على مستوى المقاومة، لأن الحل الفلسطيني لا يكون إلا فلسطينيا. وهذا ما يتطلب وضع رؤية جديدة تتناغم مع 7 أكتوبر 2023، وجديد الجيو سياسي والجيواستراتيجي في إطار قيمي إنساني عادل، في تناغم مع التعاطف الدولي مع القضية الفلسطينية.
لقد تحدث بعض الممارسين والمتتبعين عن الرؤية الاستراتيجية للقضية الفلسطينية التي تحافظ على الثوابت الفلسطينية من خلال ضبط نقاط القوة والفرص المتاحة محليا وإقليميا ودوليا. يجب عدم الاستهانة بالتحديات، مع الاستئناس بالذاكرة الفلسطينية، والبحث عن قطبية دولية قريبة من الدعم المؤسساتي للقضية الفلسطينية، مع التركيز على البعد الإسلامي للدولة الفلسطينية المنفتحة على جميع الديانات، والتمييز بين المشروع الصهيوني والديانة اليهودية.
إن المعركة ليست مع محتل إسرائيلي فحسب وإنما مع المجموعة السبع التي تدعم هذا الكيان بكل ما تملك وأصبحت تفقد سيادتها من أجل مصلحة إسرائيل، كل هذا يجب أن يكون حاضرا في الرؤية التي تحتاج إلى وضوح في الرسالة والغايات والأهداف.
وأخيرا نقول إن الرؤية الاستراتيجية للقضية الفلسطينية مرتبطة بربط الأفق الفلسطيني بالبعد السياسي والإنساني والحضاري، وتفعيل مشروع الوحدة الفلسطينية، واعتبار المقاومة اختيارا استراتيجيا في المعادلة، وبناء شراكات مع كل الأحرار والغيورين مدنيا ورسميا مع التركيز أخيرا على تحصين الرؤية بالوحدة من أجل توحيد المواقف والقرارات عملا بالمأثور نتعاون فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه.