أحمد كافي يكتب: الشاطبي صحفيا

حسنة عظيمة:

لا أدري أي حسنات عظيمة كانت للشاطبي مع ربه، حتى انبرى الناس للتعلق به، والحديث عنه، وإذاعة أفضاله، وقوفا في وجه من أنكره، وقرر أن يسفه علمه ومكانته. فقام الكبار شرقا وغربا للذوذ عنه، وبيان مؤلفاته العديدة التي نهل منها المشارقة والمغاربة. حتى أصبح لا يذكر إلا بعلم انفرد به، وتمكن من ناصيته، فأفرده بالتأليف، وقام بواجبه فيه أعظم قيام حتى أصبح لقبه عند علماء المسلمين منذ الغزوة الاستعمارية الحديثة: إمام المقاصد وشيخها.

وقديما قال الشاعر:

إذا أراد الله نشر فضيلة طويت ***  أتاح لها لسان حسود

لولا اشتعال النار لما جاورت *** ما كان يعرف طيب عرف العود                        

الشاطبي صحفيا:

قديما كانوا إذا أرادوا أن يجرحوا شخصا، قالوا مقالتهم الشهيرة: لا تأخذ العلم عن صحفي، ولا القرآن عن مصحفي. وغرضهم بذلك: التحذير من أن تأخذ العلم عمن لم يأخذه عن الشيوخ، حتى يأخذ روحه، ويصحح عليهم ما يكون من الأغاليط في القراءة الفردية. وكذلك القرآن لا يجوزون أخذه عمن حفظه من المصحف مباشرة، بل هذه مظنة الغلطات والفضحات، وانه لا بد من قراءته وعرضه على الشيخ الحافظ المتقن، اتباعا لسنة الاخذ، وكما قال مالك: الأخذ على الطريقة القديمة.

ثم أصبح الصحفي اليوم ذلكم الذي يكتب في الجرائد، ممن غالبهم لا يحققون، ويبحثون عن الإثارة، ولا يتبينون وإن آذوا الخلق.

فهل كان الشاطبي صحفيا بالمعنى الأول أو الثاني.

شيوخ الشاطبي:

وأما شيوخه فأئمة لا ينكر عالم إمامتهم، نذكر منهم:

ابن الفخار البيري: قال في نيل الابتهاج عن أخذه العربية عنه:” أخذ(الشاطبي) العربية وغيرها عن أئمة منهم: الإمام المفتوح عليه في فَنِّها ما لا مطمع فيه لسواه بحثًا وحفظًا وتوجيهًا ابن الفخار البيري، لازمه إلى أن مات”( ).

أبو سعيد بن لب: مفتي غرناطة الكبير. كانت له مع تلميذه الشاطبي مراجعات في موضوعات أصولية وفقهية دقيقة، نقل بعضها الونشريسي. قال التنبكتي عنه وعن تتلمذ الشاطبي عليه:” وقلّ بالأندلس في وقته من أئمتها الجلة من لم يأخذ عنه، ومن أكابرهم الإمام الشاطبي”( ).

فجعل الشاطبي من أكابر أهل العلم، وحلاه بأنه إمام.

الشريف التلمساني: قال عنه التنبكتي:” أحد العلماء الراسخين وآخر الأئمة المجتهدين…إمامة المالكية بالمغرب وضربت إليه آباط الإبل شرقًا وغربًا، فهو علم علمائها ورافع لوائها… وممن أخذ عنه ولده أبو محمد والإمام الشاطبي”( ).

أبو عبد الله المقري: المؤلف الذائع الصيت بكتابه:” قواعد الفقه”. أخذ الشاطبي عنه، فقال التنبكتي عند الترجمة للمقري:” الإمام العلامة النظار المحقق القدوة الحجة الجليل أحد مجتهدي المذهب وأكابر فحولة المتأخرين الأثبات قاضي الجماعة بفاس…وممن أخذ عنه من العلماء الإمام الشاطبي”().

وهكذا كلما ذكر الشاطبي آخذا أو مفيدا إلا وذكره بالإمامة العلمية. إمام يأخذ عن إمام.

أبو العباس الشهير بالقباب: قال ابن مخلوف عند الترجمة له:” الإِمام الفقيه، الحافظ الزاهد، العلامة المحقق المتفنن، العمدة الفهامة، أحد العلماء العاملين، المعروفين بالدين المتين، والصلاح المكين…أخذ عنه الإمام الشاطبي”(شجرة النور الزكية).

جملة شيوخه:

ويمكن الاطلاع عليه من خلال من ترجم له، وقد عد بعضهم في شجر النور الزكية، فقال:” أخذ عن أئمة منهم: ابن الفخار لازمه، وأبو عبد الله البلنسي، وأبو القاسم الشريف السبتي، وأبو عبد الله الشريف التلمساني، والإمام المقرئ، وابن لب، والخطيب ابن مرزوق، وأبو علي منصور المشذالي، وأبو العباس القباب، وأبو عبد الله الحفار، وغيرهم”(شجرة النور الزكية).

فهذا مسرد شيوخه. فهل يملك الطاعن فيه مشيخة علمية تصل مكانة هؤلاء؟؟

ما قيل في الشاطبي:

لنعرج على شهادات بعض أهل العلم المؤتمنين على علمهم، ممن عاصروه أو كانوا قريبا من زمنه، أو ممن هم أعرف به ممن جهل قدره، فأزرى بنفسه، وأوهى قرنه الوعل.

أ ـ التنبكتي(ت1036هـ):

قال عن الشاطبي:” الإمام العلامة المحقق القدوة الحافظ الجليل المجتهد، كان أصوليًا مفسرًا فقيهًا، محدثًا لغويًا بيانيًا نظارًا، ثبتًا ورعًا صالحًا زاهدًا سنيًا، إمامًا مطلقًا، بحاثًا مدققًا جدليًا، بارعًا في العلوم، من أفراد العلماء المحققين الأثبات وأكابر الأئمة المتفننين الثقات، له القدم الراسخ والإمامة العظمى في الفنون فقهًا وأصولًا وتفسيرًا وحديثًا وعربية وغيرها، مع التحري والتحقيق”( نيل الابتهاج بتطريز الديباج).

ب – أبو العباس المقري التلمساني (ت1041هـ):

مما جاء من القول فيه:” الشيخ الإمام أبو إسحاق الشاطبي… الشيخ النظار أبو إسحاق الشاطبي”(أزهار الرياض).

ج – ابن سالم مخلوف(ت1360هـ):

قال عنه:” العلامة المؤلف المحقق النظار، أحد الجهابذة الأخيار، وكان له القدم الراسخ في سائر الفنون والمعارف، أحد العلماء الأثبات، وأكابر الأئمة الثقات، الفقيه الأصولي المفسر المحدّث”(شجرة النور الزكية في طبقات المالكية).

د- عبد الحي الكتاني(ت1382هـ):

قال عنه:” الإمام المحدث المتبحر، المحدث الاصولي النظار الجهبذ، أبي إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي..(فهرس الفهارس).

الشاطبي صحفيا:

نعم صحف الشاطبي هي التي بين يدي الناس: الموافقات، والاعتصام، والمقاصد الشافية، والإفادات. وكذا صحفه التي لم نسعد بها بعد، كشرحه على الصحيح…

هذه هي صحفه وصحافته.

الخلاصة:

الشاطبي ليس صحفيا، بل أخذ العلم من ينابيعه، وحققه من صفاء عيونه، وشهد له أهل العلم في زمانه بذلك ومن بعدهم، لم يتخلفوا في بيان رتبته، وأنها لا تنزل عن طبقة الفحول.

فمن يشهد للطاعن اليوم من أهل العلم؟

وقد بلغنا أن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قرر مجلس أمنائه في لقائه الأخير، سحب العضوية في الاتحاد منه، لمواقفه التي لا تشرف العلم وأهله.

د. أحمد كافي

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى