الجفاف.. كيف يربح المغرب تحدي عقلنة تدبير موارده المائية؟

أعادت صور جفاف واحات بالجنوب الشرقي المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي إلى الأذهان خطر ندرة المياه الذي يتهدد المغرب، خصوصا مع احتلاله المرتبة 22 عالميا، والأول مغاربيا في تصنيف خاص بالدول المهددة باستنزاف ثرواتها المائية.

ووضع تقرير مشترك بين معهد الموارد والبنك الدولي المغرب في خانة خطيرة بسبب استنزاف الثروات المائية بنسبة تتراوح ما بين 40 و80 في المائة. وكان المجلس الأعلى للحسابات قد شخص الوضعية المائية للمغرب، في تقرير “تدبير الملك العام المائي خلال الفترة 2012-2017″، و خلص إلى أن المياه المغربية تشهد استنزافا مفرطا ببعض الفرشات المائية.

وأوضح المجلس أن ذلك قد أدى إلى الانخفاض الكبير في مستويات العديد من الفرشات، وخاصة فرشات تادلة وسوس وسايس، بحيث رصد بلوغ متوسط الحجم الإجمالي للاستغلال بها حوالي 937 مليون متر مكعب في السنة.

 المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الوضعية هو الآخر، حذر من خطر داهم يهدد الموارد المائية في المغرب، قائلا في إصدار رسمي بعنوان “نقطة يقظة”، إن “الحق في الماء والأمن المائي مهددان بسبب الاستغلال المفرط للموارد المائي”، داعيا إلى اتخاذ تدابير استعجالية لتدارك الوضع المقلق قبل فوات الأوان، مسجلا تناقص المواد المائية للمملكة تقدر في سنة 2019 بأقل من 650 مترا مكعبا للفرد سنويا، بعد أن كانت تقدر بحوالي 2500 متر مكعب في سنة 1960.

وقال الخبير الدولي في المياه والطاقة جواد الخراز، إن “المغرب يتموقع في منطقة جغرافية صعبة؛ لأن المنطقة المتوسطية تعتبر من أكثر مناطق العالم تأثرا بالتغيرات المناخية؛ وبالتالي فهو ليس غريبا عن محيطه، فكل الدول المتوسطية القريبة تعاني من المشكل نفسه، كالجارة الإسبانية، وجنوب فرنسا وجنوب إيطاليا واليونان وتركيا ولبنان وفلسطين ومصر والجزائر وتونس وليبيا. كل هذه الدول تعاني من شح المياه”.

وأضاف المدير التنفيذي للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة بالقاهرة في حوار صحفي أنه “عندما ننظر إلى كمية المياه المتوفرة للفرد يظل المغرب أفضل من نظرائه الجنوب متوسطيين، لكن إذا كان البلد قبل فترة قصيرة يوفر 1500 متر مكعب للفرد في السنة، فإن هذا الرقم نزل تقريبا إلى 750″، منبها إلى وجود أسباب أخرى من صنع البشر، كاستنزاف الثروات المائية، وخصوصا المياه الجوفية غير المتجددة، من خلال الأنشطة الزراعية المكثفة. إضافة إلى بعض المنتوجات الفلاحية التي تستهلك مياها كثيرة كالبطيخ الأحمر والأفوكادو.

وفي الندوة الافتتاحية للحملة التحسيسية حول قضية ندرة المياه، نظمها قسم العمل المدني لحركة التوحيد والإصلاح لجهة الشمال الغربي تحت شعار”تدبير الموارد المائية بالمغرب: الواقع والآفاق” في ماي 2022، دعا المشاركون إلى ضرورة الوعي بقضية المياه، وسجل المهندس نور الدين لشهب أن 80 في المائة من استعمالات الماء ليست للشرب وإنما تستعمل للفلاحة، قائلا “هنا لا بد أن يكون لدينا اختيارات إستراتيجية عن كيفية استعمال الماء، ولا بد من النظر لبعض الزراعات حيث يضيع الماء”.

وقد عرفت الواحات خلال العقدين الماضين تدهورا لافتا، لا سيما تراجع مستوى المياه الجوفية بمعدل يتراوح بين 15 و20 متر مكعب سنويا وانخفاض بنسبة 34 في المائة من إنتاج التمور، وهو ما سجلته دراسة نشرها المعهد المغربي لتحليل السياسات، التي أكدت على أن “رد الإعتبار للواحات رهين بتدبير رصين للموارد المائية وتسريع وثيرة المشاريع الحالية والمستقبلية في هذا المجال”، واعتبرت زراعة البطيخ الأحمر تهديدا للزراعة المعيشية والتسويقية البسيطة للفلاحيين الصغار بالواحات.

ولتجاوز الوضعية وربح التحدي، قدمت عدة مؤسسات توصيات عدة، إذ اقترح تقرير الفريق العالمي رفيع المستوى المعني بالمياه والسلام “استكشاف التعاليم الدينية والقوانين من حيث ارتباطها بالمياه وحمايتها، معللا ذلك بأهمية المياه في جميع الديانات الواسعة الانتشار، مضيفا أن هذا يشجع فئات معينة في مختلف المجتمعات على حماية المياه من منطلق معتقداتها الدينية، مشيرا إلى أن “الإسلام يؤكد على حق جميع بالمياه وأنها ليست حكرا على المسلمين”.

بدوره، طالب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالقطع مع ممارسة سقي المساحات الخضراء العمومية ومنتزهات الترفيه والمنشآت الرياضية بالماء الصالح للشرب، مشددا على ضرورة الحرص على اللجوء الممنهج إلى استخدام المياه العادمة، وبلورة إستراتيجية للتواصل تهدف إلى زيادة وعي جميع المستخدمين بالأهمية القصوى لاعتماد سلوكيات مراعية للبيئة في ما يتعلق لاستهلاك المياه، داعيا إلى افتحاص وصيانة شبكات توزيع المياه في المدن بكيفية دائمة.

كما اقترح منتدى الحق في المياه بالمنطقة العربية في تقريره السنوي الثاني استرجاع الدولة للمنابع المائية، محذرا من اتجاه المغرب نحو أزمة مائية غير مسبوقة في المستقبل، فيما أوصى تقرير الأمم المتحدة العالمي عن تنمية الموارد المائية لعام 2022 أن “تضطلع الحكومات بالدور المنوط بها بوصفها الجهة القائمة على الموارد، وذلك نظرا إلى ما تنطوي عليه المياه الجوفية من جوانب مرتبطة بالمنفعة العامة والصالح المشترك، وأن تكفل انتفاع مختلف الجهات المعنية بالمياه الجوفية بصورة عادلة، وتوافر المياه الجوفية للأجيال المقبلة”.

موقع الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى