استلهام ذكرى المسيرة الخضراء وحلول شهر ربيع النبوي

الحمد لله رب العالمين. و الصلاة و السلام الاتمان الاكملان على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا و مولانا محمداً عبد الله ورسوله و مصطفاه من خلقه وخليله، فصلى الله عليه و سلم من نبي أمين ناصح حليم، و على آله وصحابته ، وعلى من حافظ على دينه و شريعته و استمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين.

* أما بعد ، من يطع الله و رسوله فقد رشد و اهتدى، و سلك  منهاجا قويما   و سبيلا رشدا ومن يعص الله و رسوله فقد غوى و اعتدى، و حاد عن الطريق المشروع و لا يضر إلا نفسه و لا يضر أحدا ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن يطيعه و يطيع رسوله، حتى ينال من خير الدارين أمله    و سؤله ، فإنما نحن بالله و له،

عباد الله:إن حبَّ الوطن لم تخلُ منه مشاعر الأنبياء، وقلوب الصحابة الأوفياء

فالإسلام لا يغير انتماء الناس إلى أرضهم ولا شعوبهم ولا قبائلهم وعشائرهم فهذا بلال قد بقي حبشيًّا بعد إسلامه، وهذا صهيب ظل روميًّا بعد انضمامه، وهذا سلمان استمر فارسيًّا بحكمته وإيمانه، ولم يتعارض ذلك مع انتمائهم القوي للإسلام. كيف وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسُه كان يربي ويرعى في أصحابه حب الانتماء، ذكر ابن سعد في طبقاته أنه صلى الله عليه وسلم في غزوة حُنين :”صفّهم صفوفا ووضع الألوية والرايات فِي أهلها، مَعَ المهاجرين لواء يحمله عَلِيّ بْن أَبِي طالب، وراية يحملها سعد بْن أَبِي وقاص وراية يحملها عُمَر بْن الْخَطَّاب، ولواء الخزرج يحمله حباب بْن المنذر و الآخر مَعَ سعد بْن عبادة، ولواء الأوس مَعَ أسَيْد بْن حُضير، وفي كل بطن مِن الأوس والخزرج لواء أو راية يحملها رَجُل منهم مُسمَّى، وقبائل العرب فيهم الألوية والرايات يحملها قوم منهم مُسَمَّوْن.”   

  إن هذا التقسيم وذاك التصفيف لم يُضعِف أو يخلخل من قوة وبأس المسلمين في المعركة بل كان مما يزيدهم إقداما و استبسالا و تنافسا في الجهاد في سبيل الله.هذا وإن مما يتأهب له الشعب المغربي أيها الإخوة المؤمنون عندما يقترب السادس من نونبر من كل سنة الاحتفاء بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، التي ترمز إلى معاني التضحية والفداء، و التلاحم بين العرش المجيد و الشعب المجاهد و ما يربط بينهما من الولاء و الوفاء، حيث يستحضر بهذه المناسبة الدور الذي قام به جلالة الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله في سبيل استكمال تحرير البلاد و الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة و حماية مقدساتها الدينية و الوطنية، والإشادة بدور جلالة الملك محمد السادس أيده الله في جمع الشمل و توحيد الكلمة، و ما يبذله من مساعي عظيمة و جهود كبيرة للنهوض بهذا البلد في مختلف الميادين علميا و ثقافيا و اجتماعيا و عمرانيا  و اقتصاديا و غير ذلك، و إن مما هو مقرر ومعلوم في ديننا الحنيف أن التذكير بأيام الله و الدعوة َإلى أخذ العبرة من أقدار الله    و تصاريفها أساس متين من أسس الوعظ  والإرشاد، الذي ينبغي أن يُتفقد به العباد، عساهم يتفكرون في سلوكهم و سيرهم، ليحصل لهم الاعتبار           و التبصرة بالأحداث التي تجري بها تقلبـات الليل و النهار، و يعملوا حسابا لتصرفاتهم التي تُملأ بها صحائف الأعمار،.أيها الإخوة لا يستطيع أي شعب أن يتنازل عن ذكرى استقلاله، كيف وفيها كرامتُه ووجوده وحريتُه.وكلما تذكرنا ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة، وذكرى الاستقلال المجيد، إلا ازداد أحدنا حبّا لوطنه. أيها المسلمون، إنَّ المحبة الحقيقية للوطن تتجلى في  عدة أمور منها: 1- الحرص على نشر العقيدة الصحيحة لتعم أرجاء الوطن؛عقيدة أهل السنة و الجماعة التي يحمل رايتها السادة الأشاعرة في وجه المجسمين و المعطلين، كي يتمتع المواطنون بالإيمان الحقيقي بالله تعالى، ويصدقون في حُبه والاعتماد عليه وحده دون غيره.2- ومنها القضاء

المحكم على أسباب الشرّ والرذيلة وعوامل الخلاعة التي تغرق المجتمع في أوحال الفساد، بصنع الرجال المحبين لربهم ودينهم، المدافعين عن وطنهم بصدق وعزيمة. 3- ومنها التواصل بين الأفراد والجماعات، وإزالة أسباب التفرقة بين أفراد المجتمع، وقيام روح النصيحة والتعاون بين أبناء الشعب الواحد رغم اختلاف انتماءاتهم  العرقية والقبلية. 4- ومنها  المحافظة على الآداب الشرعية والنظم العادلة المرعية التي تسعى إلى جمع الكلمة بين الراعي والرعية، سمعًا وطاعة بالمعروف، وأداء للحقوق والواجبات، كل فيما له و ما عليه. 5-كما تتجلى المواطنة الصادقة في رعاية الحقوق وأداء الواجبات و اجتناب الظلم، واحترام حق الغير، فالوطنية  الحقًة هي تكريم الإنسان الذي كرمه الله بالإنسانية وشرفه بالملة المحمدية. قال تعالى:” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَــاهُمْ فِي الْبَـرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَــاهُم مِّنَالطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً” ( الإسراء 70) 6-وتتجلى كذلك في تطهير الوطن من الذين يستغلون النفوذ ويتساهلون في المال العام وكأنه كلأ مباح أو فرصة سانحة لا تؤجل.عباد الله روى الترمذي عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:” كل كلام ابن آدم عليه لا له،إلا أمر بمعروف، أو نهي عن منكر أو ذكر الله”. نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين و غفر لي و لكم و لجميع المسلمين .سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين  و الحمد لله رب العالمين .

الخطبة الثانية

* الحمد لله على نواله و إفضاله ، والصلاة  والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لاإله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد :

 أيها المومنون ، لقد حل بنا شهر عزيز و غال شهر ربيع الانوار الذي يحتفل فيه المغاربة، على غرار العديد من الشعوب الإسلامية، بذكرى المولد النبوي الشريف، تعظيما وإجلالا لخير خلق الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وتمسكا منهم بدينهم الحنيف وتشبثا وتعلقا بالرسول الكريم وتفانيهم في حبه وحب آل بيته.ويعتبر هذا الاحتفال مظهرا من مظاهر حب الرسول صلى الله عليه وسلم وإجلال شخصيته العظيمة في النفوس، احتفال له مظاهره وتقاليده الأصيلة التي درجت عليها الشعوب الإسلامية، كما أنه مناسبة من أجل التذكير بالمثل العليا للإسلام ومعانيه السامية، والحث على مراجعة الأمة الإسلامية لسيرتها الذاتية، وسلوكها في التربية الروحية والهداية الأخلاقية.

و تعود عادة إحياء هذه المناسبة في المغرب إلى عهد الموحدين الذين حكموا المغرب ما بين 500 و620هـ، والذين عملوا على تخليد مناسبة المولد النبوي للتصدي لخطر المسيحيين في بلاد الأندلس والذين كانوا يحتفلون بعيد ميلاد المسيح على نبينا و عليه السلام، ولكيلا يؤثرهذا التعظيم للمسيح على المسلمين عمل الموحدون على تخصيص ذكرى المولد النبوي باحتفالات تليق بمقام النبي عليه الصلاة والسلام،كما تشير المصادر التاريخية أن أسرة العزفيين من مدينة سبتة هي أول من احتفل بعيد المولد النبوي بمبادرة من قاضيها أبي العباس العزفي اللخمي المتوفى سنة 633هـ صاحب كتاب “الدر المنظم في مولد النبي المعظم” على عهد الخليفة الموحدي عمر المرتضى الذي قام بإحياء الذكرى بمراكش. ويكتسي الاحتفال بهذه الذكرى في المغرب، المعروف بعاداته وتقاليده، طابعا رسميا وشعبيا، يتميز بصبغة دينية بحتة واحتفالية زاهرة، إذ تتنوع مظاهره بين المواكب الدينية ومجالس العلم وتدارس القرآن و السيرة النبوية العطرة و الشمائل المحمدية خصوصا كتاب الشفا للقاضي عياض رحمه الله وترديد الأمداح النبوية ، فتقام لذلك المولديات في المساجد وتنظم المواسم الدينية في الزوايا ومجالس الذكر بالبيوت والمنازل.ويحرص أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس سبط الرسول الأمين كل سنة على إحياء هذه الليلة المباركة احتفاء بجده المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام واقتداء بسنة أجداده المنعمين الذين دأبوا على الاحتفاء بذكرى مولد جدهم المصطفى عليه الصلاة والسلام،.ويمثل هذا اليوم لدى المغاربة طابعا دينيا واجتماعيا، حيث تلتقي الأسر فيما بينها لما لذلك من دور في ترسيخ الروابط والأواصر والتمسك بالتقاليد المغربية الأصيلة والتشبث بالقيم ومنح القدوة الحسنة للأجيال الناشئة. بالإضافة إلى عادات و مظاهر أخرى للاحتفاء بهذه المناسبة، قد تختلف من مدينة إلى أخرى.

عباد الله استعينوا على أموركم كلها بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم ، صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات و تقضي لنا بها جميع الحاجات وتطهرنا بها من جميع السيئات، و ترفعنا بها أعلى الدرجات، و تبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات، آمين. و ارض اللهم عن أصحاب رسولك وخلفاء نبيك، القائمين معه وبعده على الوجه الذي أمر به و ارتضاه و استنه خصوصا الخلفاء الأربعة و العشرة المبشرين بالجنة، والأنصار منهم  و المهاجرين،و عن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين اللهم انفعنا يا مولانا بمحبتهم،         و انظمنا يا مولانا في سلك ودادهم، و لا تخالف بنا عن نهجهم القويم و سنتهم،(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا  للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .)

(سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).

الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته :

” ذ. سعيد منقار بنيس”

الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء

أستاذ العلوم الشرعية

بالمدرسة القرآنية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني

مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد

البريد الإلكتروني:  [email protected]

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى