أكاديميون يطالبون بسياسات عمومية للأسرة وينوهون برفض توصيات أممية تستهدفها

دعا أكاديميون وفاعلون في المجال الأسري إلى ضرورة اعتماد سياسات عمومية موجهة إلى الأسرة من أجل ضمان استقرارها وأداء أدوارها، مشددين على ضرورة تفعيل الفصل 32 من الدستور الذي ينص على أن تعمل الدولة على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، منبهين إلى أن المغرب دولة بمقومات حضارية أولت العناية لهذه الخلية عبر التاريخ.

وسلط المتحدثون في ندوة وطنية نظمها قسم الدعوة والعمل الثقافي لحركة التوحيد والإصلاح حول “الأسرة المغربية.. التأسيس القيمي والحماية المجتمعية والقانونية”، يوم الأحد 21 ماي 2023 بالمقر المركزي للحركة بالرباط، الضوء على التوصيات التي رفضها المغرب بمناسبة رضه على الاستعراض الدوري الشامل لما لها من استهداف لكيان الأسرة.

غياب سياسات عمومية للأسرة

أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الأول بسطات عبد الحفيظ يونسي أن موضوع الأسرة هو منطقة تماس بين الدولة التي تنتج السياسات العمومية وبين المجتمع الذي يستقبل تلك السياسات العمومية، مشددا على ضرورة وجود مبادئ جامعة، موضحا أن كل أمة تخط لنفسها منظومة قيمية في بناء كيانها المجتمعي.

وانتقد يونسي عدم توجيه السياسات العمومية في المغرب إلى الأسرة كبنية وإنما إلى لأفراد، ممثلا لذلك بالسياسات الموجهة للشخص في وضعية إعاقة وللمرأة وللطفل وللشباب، مضيفا أن الذي يتخذ القرار لا تحضر عنده هذاه خلفية.

وأوضح المتحدث أن الفاعل الرسمي مطالب بمقتضى الفصل 32 من الدستور العمل على إنتاج وتنفيذ سياسات عمومية تستهدف الأسرة ككيان، مشددا على ضرورة الحاجة إلى تفكير الفاعل الرسمي في صياغة وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية في مجال الحماية الاجتماعية لأسرة المغربية. 

وينص الفصل 32 من الدستور على أنه “تعمل الدولة على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها. تسعى الدولة لتوفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية.

وعرض أستاذ القانون الدستوري تجارب مقارنة لعدة دول ركزت على قضية الأسرة في صياغة السياسات العمومية مثل ألمانيا وفرنسا بسبب ظهور عدة تحديات داخل المنظومة الغربية، مسلطا الضوء على التجربة الماليزية باعتبارها من الدول التي أولت عناية لقضية الأسرة من داخل السياسات العمومية.

واقترح خمس توصيات انطلاقا من التجربة الدستورية ومن التجارب المقارنة والأرقام الواقعية، وتتجلى الأولى في الحاجة إلى ترسيخ نموذج الأسرة المغربية وفق المنظومة الحضارية عبر الأساس الدستوري، وتتمثل الثانية في الانتقال من اعتماد الفرد كمنطلق ومبتغى للسياسات العمومية إلى اعتماد الأسرة كمحور للسياسة العامة والعمومية والقطاعية والترابية.

وتتجسد الثالثة في تطوير مؤشرات في نجاعة الأداء مرتبطة بالأسرة، وتتلخص الرابعة في ربط السياسات العمومية والعامة بالنتائج وأثر هذه السياسة على مستوى الأسرة، بينما تتجلى الخامسة في الالتقائية عبر الربط بين ما هو قيمي وما هو من تجليات المقومات الحضارية للأمة.

رفض توصيات تمس الأسرة

وأكدت رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية بثينة قروري أن المغرب خط خطا واضحا في الممارسة الاتفاقية والتعامل مع توصيات المنتظم الدولي، موضحة أن هذا الخط لا يتغير بتولي الإسلاميين أو الحداثيين للحكومة، مشيرة إلى أن المملكة المغربية رفضت في ظل الحكومة الحالية عدة توصيات تستهدف الأسرة بمناسبة الاستعراض الدوري الشامل.

وكانت المملكة أعلنت أخذها علما بـ 32 توصية، تعتبرها مرفوضة كليا، بالنظر لعدم اتساق بعضها مع طبيعة هذه الآلية التعاونية، أو لعدم مراعاة بعضها للنقاش الوطني الجاري حول بعض القضايا والحاجة إلى تهيئة الشروط المادية والواقعية المتعلقة بها، أو لتعارض بعضها الآخر مع الثوابت الدستورية والهوية الوطنية.

وجردت الأستاذة بجامعة محمد الخامس بالرباط التوصيات التي رفضها المغرب عقب الاستعراض الدوري الشامل، مثل رفض التوصيات المتعلقة بالأسرة لضمان حظر تصميم برامج لمحاربة التمييز ضد المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي في مجال التعليم، ورفض تعديل قانون اللأسرة لضمان المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة عند فسخ الزواج  فيما يتعلق بالأطفال والميرات.

وأضافت أن المغرب رفض إلغاء الفصل 489 من القانون الجنائي المتعلق بتجريم العلاقات التوافقية بين البالغين من نفس الجنس (الشذوذ الجنسي)، ورفض تعديل الفصل 490 من القانون الجنائي المتعلق بالفساد، ورفض تجريم الاغتصاب في إطار الزواج، رفض إلغاء تجريم العلاقات بين البالغين خارج إطار الزواج.

وأفادت المتحدثة أن المغرب رفض كذلك إلغاء المواد 20 و21 و22 من مدونة الأسرة لعدم السماح بتزويج القاصر، ورفض التوصية الموجهة له باعتماد إصلاح جديد لمدونة الأسرة من أجل إلغاء تعدد الزوجات، وإلغاء تجريم العلاقات الجنسية الرضائية.

وقالت “إذن المغرب ليس دولة مبتوتة، بل دولة لها تاريخ ومقومات وحضارة وعندها خط ناظم في ما يتعلق بالممارسة الاتفاقية لا تتغير بتغير الحكومات”، موضحة أن التوصيات التي رفضها المغرب حاليا كان قد رفضها في 2008 في إطار الاستعراض الدوري الشامل الأول، وفعل نفس الشيء في الاستعراض الثاني في 2012 ثم في الاستعراض الثالث في 2016″.

وشددت قروري على الحاجة لتغيير القوانين ولكن ليس بالتماهي مع بعض المقتضيات التي تستهدف الأسرة، موضحة أن الوثيقة الدستورية هي سقف النقاش المجتمعي الذي يتبوء فيها الدين الإسلامي مركز الصدارة، مؤكدة أن القانون ليس دائما هو الحل الفريد لحل كل المشاكل.

 

عناية خاصة للأسرة

ورأت المستشارة في قضايا الأسرة وعضو المكتب التنفيذي لمنتدى الزهراء للمرأة المغربية صليحة بولقجام أن الأسرة أولتها الشريعة الإسلامية مكانة خاصة، مضيفة أن الإسلام فصل بآيات وأحكام وبترسانة من النصوص جميع تفاصيلها ما لم يفعل في الصلاة، موضحة أن الشريعة جاءت بقيم ثابتة لا تتغير مثل المودة والرحمة والقيم البانية للأسرة.

ودعت المتحدثة إلى تقوية النسيج الاجتماعي لضمان التماسك الاجتماعي، مشددة على ضرورة تفعيل القيم العليا من أمانة وعمل ورحمة وتضامن، مضيفة أن المجتمع الإسلامي عرف تحولات أسرية ترجع لعدة أسباب منها الممتدة إلى الفترة الاستعمارية، وبعضها إلى منظومة الحداثة، وكذا العولمة وما بعد الحداثة.

وأوضحت بولقجام أن الأسرة مؤسسة أساسية لبناء للإنسان الذي يبني العمران البشري، مشيرة إلى أنه بدون الأسرة لن تستمر البشرية بشكل قاطع، منبهة إلى دورة الأسرة في نشر القيم وتوريثها.

 

الإصلاح 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى