الدكتور الموس يكتب: نحو مزيد من النبوغ المغربي للحقل الديني

تزامن حلول شهر ربيع الأول وذكرى المولد النبوي الشريف لهذه السنة مع حدثين وطنيين كبيرين، هما ذكرى استقلال المغرب والمسيرة الخضراء، لتجتمع مناسبات تعبر عن أصالة هذا الوطن، وتشبثه بمقوماته الحضارية وبوحدته الوطنية.

واحتفاء بذكرى المولد النبوي الشريف، قدم وزير الأوقاف حصيلة عمل المجالس العلمية، ليبرز أداء مساجد المملكة في تلبية احتياجات المواطنين الروحية والتربوية، وفي حفظ مقومات الوحدة لهذا الوطن، وتنظم الوزارة المعنية سنويا في اليوم السابع الموالي لذكرى المولد النبوي الشريف حفلا دينيا رسميا بمناسبة “يوم المساجد” يستدعى إليه، بالخصوص، المحسنون والمهندسون والصناع التقليديون الذين أبدعوا في الحفاظ على معمار المساجد، يصادف هذه السنة اليوم الأربعاء 20 نونبر 2019.

إن المعطيات التي قدمها السيد الوزير تدل على أن المغرب بحمد الله تعالى ماض في إعادة الاعتبار للمسجد كمؤسسة جامعة تحظى بمكانة خاصة من طرف كل المسلمين، ويجدون فيها الواحة التي يستظلون بظلالها كلما اشتد الحر من حولهم. ومن ثمَّ وجب التنويه بتخصيص الوزارة ما يقارب 861 مليون درهم لبناء المساجد وتأهيلها، ومواكبتها عناية المغاربة بالقرآن الكريم عبر طباعة المصحف الشريف برواية روش وإصدار تطبيق خاص به، وتيسير حلقات حفظ القرآن الكريم بالمساجد والكتاتيب القرآنية ومؤسسات التعليم العتيق، وتشجيع ذلك من خلال مسابقات محمد السادس سواء في الحفظ والتجويد، أو بين الكتاتيب في جوانب التلقين والتسيير والمردودية، وكذلك في تسجيل أصوات القراء على مختلف الدعامات. ولقد ظهرت نتائج هذه العناية في إقبال نصف مليون من الذكور والإناث على حفظ القرآن.   

ولعل مقترح تجديد مدرسة مغربية للحديث، وإحياء الدور الرائد لعلماء الحديث المغاربة والذين اعتنوا بشكل خاص بصحيح البخاري وبصحيح مسلم وموطأ مالك، من شأنه الإسهام في مدافعة الشبهات التي يطلقها من لا علم لهم حول الحديث ورجالاته.

   أما العناية بالسنة النبوية والحديث الشريف فتجلت في تواصل تنفيذ برنامج “الدروس الحديثية” لإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم والتي تهدف إلى توعية الناس بكيفية التمييز في الحديث بين الصحيح والموضوع. ولعل مقترح تجديد مدرسة مغربية للحديث، وإحياء الدور الرائد لعلماء الحديث المغاربة والذين اعتنوا بشكل خاص بصحيح البخاري وبصحيح مسلم وموطأ مالك، من شأنه الإسهام في مدافعة الشبهات التي يطلقها من لا علم لهم حول الحديث ورجالاته. كما وجب التنويه بقرار إعادة تنظيم الكراسي العلمية والتي أسهمت بدور كبير في التعريف بعلماء المغرب وفقهائه وتوسيع مدى إشعاعهم العلمي والتربوي، وقديما قيل لولا عياض لما عرف المغرب.

إن الجهود الرسمية التي تبذلها الدولة في هذا المجال، رغم بعض الملاحظات، جهود تستحق التنويه والتعميم، وهي تعبير عن وفائها المتواصل لمقتضيات مرجعيتها الإسلامية التي ينص عليها الدستور والتي تعتبر عاصما للمغرب من القواصم والفتن التي عُرفت في التاريخ وتعيشها عدد من البلدان اليوم.

وفي هذا الإطار وجب استحضار عدد من التحديات الكبرى التي تجابه هذه الجهود وتحتاج لرفعها إخلاص النيات وشحذ الإرادات وتضافر المبادرات وجمع الكلمة، ومنها:

  • رفع فعالية المجالس العلمية من خلال مزيد من تأطير الأئمة والدعاة، وتخريج علماء ومربين مؤهلين، يمتلكون خطابا معاصرا وملكات تواصلية كفيلة برفع تحديات التأطير والإرشاد، وتمكينهم من الآليات المعاصرة التي تسهم في احتضان الشباب وحسن استيعابهم، وتنويع المواضيع وربطها بالواقع الاجتماعي وبالتحديات المعاصرة.
  • ضرورة تعزيز ثقافة الاجتهاد والتجديد وتوفير شروطه في واقع يشهد صحوة دينية متزايدة وأوضاعا متجددة وفورة إعلامية غير مسبوقة ويحتاج فيه الإفتاء في الشأن الديني إلى تناول مختلف النوازل التي تعترض الإنسان المسلم في كافة مناحي حياته، وليس فقط في أمور العبادات، ويريد لها موقفا شرعيا واجتهادا جماعيا معللا يطمئن إليه. وهو ما من شأنه أيضا أن يعيد لبلدنا إشعاعه وحضوره في محيطه العربي والاسلامي وامتداده الإفريقي وبعده الإنساني.
  • تعميق خيار إشراك مختلف الفاعلين في الحقل الديني والانفتاح عليهم لتنضاف الجهود الشعبية للجهود الرسمية وتتكامل معها لتؤكد تلاحم المغرب ووحدته في ظل الثوابت الجامعة للأمة المغربية واختياراتها التاريخية الموفقة.

اعتماد مقاربة شمولية تتسم بالانسجام بين مختلف السياسات العمومية خاصة في التعليم والإعلام والثقافة والشباب، لتعزيز قيم الوسطية والاعتدال، ودرء كل غلو أو تسيب، في إطار دستور البلاد وثوابتها الدينية والوطنية.

الدكتور الحسين الموس، عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى