رسائل الدخول المدرسي وعاشوراء

الحمد لله رب العالمين، يربي عباده بالخير وبالشر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك أنعم على الناس ببعثة النبي المربي الخاتم فقال: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } [الجمعة: 2].وأشهد أن محمدا عبد ورسوله ربى جيلا قرآنيا فريدا على عينه، لم تعرف البشرية له نظيرا ولا مثيلا  صلى الله عليه وعلى آله وصحابته الأخيار. أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون نستقبل في أيامنا هذه مناسبات كثيرة، وقد أحببت أن أقدم فيها رسائل أرجو أن تكون هادية لنا جميعا لما فيه خيرنا وخير وطننا وأمتنا.

الرسالة الأولى:

أما الرسالة الأولى فترتبط  بوعد الله بنصر أوليائه، وبإظهار دينه ولو كره الكارهون. فقد مرت بنا ذكرى الهجرة حيث نصر الله نبيه وحفظه من كيد الأعداء، ونجاه من طغيانهم فقال سبحانه: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40].  وسنستقبل أيضا عاشوراء وهو يوم نجى الله تعالى فيه موسى عليه السلام وأصحابه من فرعون وجنوده . قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [طه: 77 – 79]. وأخبر النبي عليه السلام أن موسى عليه السلام صام ذلك اليوم وهو العاشر من محرم، فصامه النبي عليه السلام وأمر  أصحابه بصيامه. روى في الصحيح عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – : قال : « قَدِمَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ ، فرأى اليهودَ تصومُ عاشوراء ، فقال : ما هذا ؟ قالوا: [هذا] يوم صالح ، نَجَّى اللهُ فيه موسى وبني إِسرائيل من عدوِّهم ، فصامه ، فقال : أنا أحقُّ بموسى [منكم] ، فصامَهُ -صلى الله عليه وسلم- وأمر بصيامه ». وفي رواية أنهم كانوا يصنعون فيه مظاهر الفرح .  وقد هم النبي عليه السلام بصيام التاسع والعاشر مخالفة لليهود .

الرسالة الثانية:

مرتبطة بما سبق وهو أن بعض الصحابيات كن يصومن عاشوراء لأبنائهم الصغار، ويقدمن لهم بعض الهدايا في انتظار الإفطار، ومن ثم مشروعية  إدخال الفرح والشرور على الأطفال بما يقتنى ويشترى بهذه المناسبة. روي عن الرُّبَيِّع بنتِ مُعَوِّذ – رضي الله عنها – : قالت : أرسل رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- غداة عاشوراء إِلى قُرى الأنصار التي حول المدينة : من كان أصبح صائما فليُتمَّ صومَهُ ، ومن كان مُفْطِرا فليتمَّ بقية يومه ، فكُنَّا بعد ذلك نصومه ونصوِّمُه صبيانَنَا الصِّغار ، ونذهب إلى المسجد ، فنجعل لهم اللُّعبةَ من العِهن ، فإذا بكى أحدهم أعطيناها إياه ، حتى يكون الإفطار.

لكن الطامة الكبرى أن عاشوراء اليوم ارتبطت به عند بعض الناس منكرات ما أنزل الله بها من سلطان فمن ذلك:

أ‌- أعمال الشعوذة والسحر حيث ينشط السحرة والساحرات، وتتحرك الجاهلات من النساء لجلب الأذى للأزواج وللجيران وغيرهم من الناس … فلتعلم كل مؤمنة أنها بذهابها عند السحرة وتصديقها لهم فيما يأمرونها بفعله قد فتحت على نفسها باب كبير من أبواب الكبائر كما أن كل من أعان على أعمال السحر والشعوذة سواء بيع المواد أو الدلالة على أماكنها شريك في المعصية والإثم، روى البخاري عن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ..”.

التحذير ممن يدعون أنهم فقهاء (الفقيه) وهم أبعد ما يكونون عن الفقه والعلم الشرعي، بل هم دجاجلة ونصابون على الناس يأكلون أموالهم بالباطل ويقعون في أعراضهم …

ب- ما يفعله الشباب والمراهقين من بدع توارثوها عمن سبقهم وأضافوا لها أعمال فأصبحت أعظم جرما وشناعة من مثل اللعب بالشهب المشتعلة والمفرقعات والتعرض للمارة من النساء والفتيات لإيذائهم، وكذلك بدعة”شعالة” إشعال النيران المتلظية ليلة عاشوراء، وسد الطرقات بالإطارات المطاطية وتلويث البيئة… ويشيع بين شباب المغرب كذلك التراشق بالماء وقد أضاف له بعضهم التراشق بالبيض أو الماء الممزوج بمواد سامة فكل هذا من المنكرات التي ينبغي أن نحذر منها الأبناء كلما حلت ذكرى عاشوراء. وهي عادة دخيلة غير إسلامية، ورثها من ورثها عن اليهود.

الرسالة الثالثة: الدخول المدرسي

حول التذكير بأهمية التربية وأنها قطب الرحى في صلاح الأوطان والبلدان، وقد أخبر الله تعالى عن حكمة ومقاصد بعثة نبيه عليه السلام فجمعها في التزكية أي التربية والتعليم للكتاب والحكمة. فأين نحن اليوم من هذين القطبين. لقد ركز المعلمون والآباء على التعليم ” إقرأ” لكنهم تغافلوا أو أهملوا القطب الثاني أي التربية والتزكية، وإنه لا تعليم بدون تزكية، كما أن التعليم دون خشية خراب ودمار.

قال تعالى في وصفه رسله: ” {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79]” قال بعض المفسرين الرباني منسوب إلى الرُبان وهو معلم الناس، وعالمهم السائس لأمرهم، مأخوذ من رب يرب إذا أصلح وربى ، … وذكر العلماء صفات من يستحق أن يقال له رباني، فذكروا الحكيم العالم، الفقيه، الحليم، ..وقال ابن عطية: ” الربانيون الولاة والأحبار والعلماء، وقال مجاهد : الرباني فوق الحبر لأن الحبر هو العالم والرباني هو الذي جمع إلى العلم والفقه البصر بالسياسة والتدبير والقيام بأمور الرعية وما يصلحهم في دينهم ودنياهم، وفي البخاري : الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره .

الآباء والأمهات والتربية:

أيها الآباء أيتها الأمهات إن الله سيأجركم على تضحياتكم المادية والمتمثلة في هم الأدوات واللباس. لكن حذار من إلقاء الحبل على الغارب، والاكتفاء بهذا الجانب دون العناية بجاب التربية والقيم والأخلاق. وتذكروا قول النبي عليه السلام: ” كلمكم راع وكلمن مسئول عن رعيته …. قال ابن أبي زيد القيرواني في الرسالة: ” فكذلك عليهم أن يَعلموا ما فرض الله على العباد من قول وعمل قبل بلوغهم، ليأتي عليهم البلوغ وقد تمكن ذلك من قلوبهم، وسكنت إليه أنفسهم، وأنست بما يعملون من ذلك جوارحهم.”

عباد الله عندما توقظون أبناءكم للدراسة في الصباح، وتلزموهم بذلك فهلا رغبتموهم في القيام للصلاة وأدائها في وقتها. قال الله تعالى:  {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } [طه: 132]، وكان النبي عليه السلام يتفقد أهله وأبناءه ويوقظهم للصلاة، ووجه المسلمين لحث أبنائهم على إقامتها وزجرهم عن التهاون فيها فقال فيما رواه أبو داوود عن سيرة بن معبد الجهني – رضي الله عنه -: «مُروا الصَّبيَّ بالصلاة إذا بَلَغ سَبْعَ سِنين ، فإذا بلغ عَشْرَ سنين فاضرِبُوه عليها ». فاحذروا رحمكم الله من العناية بإيقاظ الأبناء للمدرسة وإهمال صلاتهم وذكرهم لربهم.

المعلم والتربية:

وأنتم  يا معشر المدرسين إن عليكم مسئولية كبيرة تتمثل في التحلي بالشفقة والرحمة مع من تستقبلون من التلاميذ والطلبة، وأن تكونوا لهم كالوالد لولده كي يُقبلوا عليكم ويأخذوا عنكم القيم والأخلاق.

أيها المعلمون والأساتذة إن الدخول المدرسي يذكركم جميعا بالمهمة الجسيمة الملقاة على عاتقكم إنها مهمة التربية والتزكية للنشء الصاعد وهي مهمة ثقيلة في ميزان الله تعالى، وتتطلب أن تكونوا من أهل القدوة وممن يقولون ما يفعلون ويفعلون ما يدعون إليه من الأخلاق الحميدة والسلوك الحسن . قال صاحب الكشاف في تفسير قوله تعالى : { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا }: – فيه أن من صلح ليكون قدوة في دين الله فالهداية محتومة عليه مأمور هو بها من جهة الله ، ليس له أن يخل بها ويتثاقل عنها، وأول ذلك أن يهتدي بنفسه؛ لأن الانتفاع بهداه أعم، والنفوس إلى الاقتداء بالمهدي أميل-   …

أن الجموع التي تستقبلون أمانة في أعناقكم فقدروا الكلمة التي تقولونها وزنوا الحركة قبل أن تتحركوا بها واعلموا أن الدارسين والدارسات يسمعون بأعينهم أكثر من سماعهم بآذانهم نعم إن القدوة لا يكفي بها مجرد الكلام بل تحتاج إلى ممارسة الأفعال والعلم ليس مجرد نصوص تحفظ ولكنها الممارسة والتطبيق العملي الذي يجعل من النصوص أشخاصا تتحرك تترجمها إلى واقع عملي فتنساب في أذهان التلاميذ والتلميذات  ويتيسر عليهم هضمها والاستفادة منها، وإلا فكلامكم لن ينفع. ألم تسمعوا حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم : يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ .البخاري عن أسامة.

أيها المدرسون والمدرسات مهنتكم من أعز المهن فجملوها بالإخلاص واحموها بالجد والمتابعة والمواظبة  ومهما كان نوع رقابة البشر عليكم فضعوا رقابة الله دائما نصب أعينكم وتذكروا قوله تعالى “ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد”، واعلموا أن الغرس الذي تغرسونه اليوم سيثمر غدا (تجنب الغياب أو التهاون في أداء الرسالة ).

إنه بأخلاقنا العالية  كمعلمين وأساتذة ومعاملتنا الطيبة نصل إلى قلوب الطلاب .

كما أنه من خلال تضحيات المربين ومساهماتهم بجانب الإداريين في الأنشطة الثقافية والعلمية نساهم في تكوين جيل قوي سنأجر عند الله على ذلك .

إلى التلاميذ والطلبة: 

وأنتم يا معشر الشباب والطلبة والتلاميذ، احرصوا على بذل الجهد في التعلم، واستفيدوا من أخلاق مربيكم ومبادئهم الصحيحة قبل الاستفادة من علمهم. واعلموا أن كل فرد مسئول عن صلاح نفسه، وعلى حملها على التحلي بالقيم وبمبادئ الدين. وإن التربية كالغيث إن أصاب أرضا طيبة فإنها تزكو وتنبت الخيرات كما قال تعالى:  “وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا” [الأعراف: 58]. فكونوا كالبلد الطيب الذي يخرج نباته بإذن  ربه، واحذروا من رفقاء السوء الذين يزينون لكم الباطل.

والحمد لله رب العالمين.

الدكتور الحسين الموس

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى