الدخول المدرسي واختلالات مجالس التدبير في ظل جائحة “كورونا” – الحبيب عكي
في الحقيقة، ما أكثر الهيئات التربوية والإدارية في المؤسسات التعليمية، بشكل يستوفي لها كل متطلبات التدبير والتسيير والتدوير وإعادة التدوير وزيادة، على الأقل من الناحية النظرية والتصورية لخريطة الطريق التربوية السليمة والمتكاملة والواضحة، مجالس ولجن.. أندية وجمعيات.. مشاريع ومبادرات.. شركاء وفاعلين..، ولكن في الميدان على أرض الواقع، وجود ذلك كله وعدمه في العديد من المؤسسات سواء، إذ لا زالت تتخبط في العديد من المشاكل المزمنة والمستفحلة، تأثيرها في الأول وفي الأخير، على جو العمل والحياة المدرسية الكئيبة وعلى المردودية التربوية المتدنية رغم الجهود الجبارة، مما يجعل تدابير كل ما نرفعه من شعارات مدرسة المصداقية والنجاح و الجودة والمواطنة والإدماج وتكافؤ الفرص..، محل التساؤلات الإصلاحية المشروعة.
في قطاع المخيمات التربوية في المغرب، أزيد من 20 شراكة بين الوزارة الوصية ومختلف الفاعلين والمتدخلين، ولازال القطاع رديئا مزريا يثير الشفقة، ولكن يظهر أن الموضوع ليس قطاعيا فحسب أكثر مما هو موضوع سياسات عمومية متبعة ككل، فنفس الشيء يقع في قطاع التعليم أو يكاد، إذ نجد في المؤسسة التربوية مجالس (تعليمية..أقسام..تربوية..تدبيرية..تأديبية..)، وأندية (تربوية..علمية..فنية..رياضية..بيئية..)، ولجن (اجتماعية..يقظة..دعم..مواكبة..استماع..)، وجمعيات(أباء وأولياء..رياضة..دعم مدرسة النجاح.. وجمعيات شريكة..)، ومشاريع (المؤسسة..التلميذ..تكوين الأستاذ..)، ونقابات الحقوق والإنصاف(الأستاذ..المدير..المفتش..المتصرفين..)، وكل هذا أحيانا، على بعض مئات من التلاميذ فقط، لو وزع على عدد هم على عدد المتدخلين والفاعلين ما تعدى نصيب كل منهم فريقا من 10 أطفال أو تلاميذ ولا يحسن تدبير أمرهم.
ولعل الخلل الأكبر بعد السياسة العامة المتبعة في القطاع، يكمن ويظل في موضوع التدبير، الذي يظل في الغالب تدبيرا انفراديا فوقيا عموديا، عاجزا عن أداء روتينه اليومي العادي، فبالأحرى أن يرقى إلى أداء مهامه الجوهرية ويبدع لمستجداته الميدانية ما يلزمه من قرارات لذلك. فما هي مكامن الخلل في مجالس التدبير كواجهة تدبير المؤسسات؟، وكيف يمكن معالجة ذلك؟
1- خلل في العنصر البشري: المسؤول أو المشارك في التدبير، قد يكون مسؤولا، حسب همته وعزمه وحيويته وإبداعه حسب التخصص و الممكن والمتاح، إذ في نفس المنظومة القانونية والمرجعية التدبيرية ونفس ظروف المؤسسات، نجد البعض أكثر إنتاجا و نجاحا أو أكثر ركودا و إخفاقا من البعض الآخر، حسب الإيجابية والسلبية قبل الجهات والمؤسسات والإمكانيات والعلاقات.
2- خلل في تكوين المجالس: عندما تكون بشكل صوري، فتولد ميتة ولا يكون لها من المجالس إلا الاسم وملأ التقرير الإداري للمراقبة والإدارة الأعلى، وطبعا في مثل هذه المجالس تقدم الولاءات والصداقات على الخبرات والكفاءات، وفي غياب لفقه الصلاحيات فبالأحرى الجرأة على ممارستها أو امتلاك وسائل تنزيلها، ليبقى المجلس معطلا وإن انعقد فبدعوة من السيد المدير ومن أجل الدردشات و التوقيعات في بعض الأحيان.
3- خلل في تقييد الصلاحيات: إذ نجد المذكرات الوزارية والدوريات المديرية، كثيرا ما تقيد اجتهادات المجلس وأعضائه، وبما لا يرونه حلولا ناجعة لما تعاني منه المؤسسة من معضلات على أرض الواقع، وتجعل مهامهم مجرد استشارات وإبداء الرأي في مجالات محددة وبمقترحات مشروطة بموافقة الدوائر العليا أحيانا، فلا قرار لهم مثلا في خريطة مدرسية.. ولا محاربة اكتظاظ.. ولا فرض انضباط.. ولا احترام عتبة نجاح.. ولا تبني تعليم عن فرب ولا عن بعد ولا..ولا..ولا حق التفكير أصلا إلا داخل الإطار العام للمنظومة وهو العاجز والفاشل أحيانا في إنقاذها وعلاج مشاكلها.
4- خلل في هيمنة المسؤول: عندنا يجعل الاجتماعات من تقريره وتقديره، ويجعل فيها المداولات استشارية لا تقريرية، مصرحا في ذلك بأنه سيتحمل المسؤولية (في قرار يريده) أو لا يستطيع تحملها (في قرار من اقتراح الآخرين ولا يريده)، وقد يقرر المجلس بالإجماع وفي الأخير لا يعمل بقراره بدعوى أو بأخرى، مثلا (تحديد بنية المؤسسة.. أو فضاءاتها اللازمة.. أو مقرراتها الدراسية.. أو فترات ومدة امتحاناتها.. أو أولويات مشاريعها وشركاتها.. أو عدتها اللوجستيكية..)، ويصبح الأمر وكأنه عملا بالمثل المغربي العبثي (شاورها ولا تدير بريها).
5- عزوف عام عن المشاركة: لا من طرف الكفاءات ولا من طرف غيرها، على اعتبار سائد بأن أمر التدبير أمر شكلي وأن الانخراط فيه زيادة إثقال المشارك بدون أي عائد مادي ولا حتى معنوي ولو بكلمة شكر أو شهادة تقدير، وأن أمر إصلاح المنظومة التربوية ولو على مستوى المؤسسات التعليمية، ضحك على الأذقان، كيف لا وكل الأحزاب الوطنية والنقابات الجماهيرية والبرلمانات المتعاقبة قد هرمت من أجل ذلك لعقود وعقود دون جدوى، بل حتى ما يمنح لهذه المجالس من صلاحيات محدودة تعوزها في الغالب إمكانيات التنزيل.
والآن، قد داهمنا هذا “الكوفيد 19 ” كما داهم كل العالم، وكشف المشؤوم عن عورات الجميع وهشاشة القطاع كغيره من القطاعات، خاصة القطاعات الاجتماعية التي طالما قذف بها في طريق التخلف عن الموعد بدل طريق الإصلاح الحقيقي في الموعد، وعلى مدى عقود وعقود سجل قطاعنا المسكين خلافا وتخلفا مع توفير الفضاء التربوي.. مع تجهيز الفضاء العلمي.. مع محاربة الاكتظاظ.. مع تراجع القيم وتدني المستوى المعرفي.. مع فرض الانضباط ومحاربة الغش والانفلات.. مع رقمنة المنظومة.. وتطوير البيداغوجيات.. والتكوين المستمر للفاعلين.. إلى التخلف عن الموعد مع الذين فرض عليهم التعاقد.. ومع الذين فرض عليهم التقاعد.. وحتى الذين لا زالوا وسط المؤسسات يكافحون وينافحون ..كم بينهم وبينها من تقارب أو تباعد.
التعليم الحضوري وما يتطلبه من احترازات.. والتعليم عن بعد وما يتطلبه من معدات وتقنيات ومفاهيم وبيداغوجيات..مجالس التدبير في المؤسسات يمكنها فعلا أن تساهم في تدبير الأزمة وعن قرب وبحلول ميدانية فعالة منقذة ومسعفة، تتجاوز احترام البروتكول الصحي إلى غيره من البروتوكولات التربوية و النفسية وتفعيل الحياة المدرسية وما تخطط له من ضمان المتعة والإفادة للجميع، هذا ممكن، شريطة تفعيل هذه المجالس والتنسيق معها وشريطة اعتبارها كما هي مبدعة حلول ميدانية لا مجرد أدوات تنفيذ لقرارات فوقية، ترى هل سيسمح لها بذلك أم سيحال بينها وبين ذلك، كما حيل بشكل ما في وقت ما، بين الجمعيات المدنية والجماعات الترابية وبين مساهماتها الممكنة بدعوى عدم التخصص وغرضية المساهمة ربما، ليبقى الجميع غارقا في أدواره التقليدية التي ما عادت تسمن أو تغني في شيء أمام تحديات الجائحة ورهانات التجاوز وحتميتها، “نحن في سفينة واحدة وهي سفينة الوطن”، ولدينا من مقاربتنا وطبائعنا ما يسع مساهمات الجميع، الانفتاح والمقاربة التشاركية واللامركزية والجهوية.. والمحلية والمؤسساتية.. والمواطنة والتضامن.. المسؤولية والمحاسبة، أرجو أن يسعفنا كل هذا أو حتى بعضا منه حتى لا يستطيب فينا هذا “الكوفيد 19” المشؤوم غزوه وفتكه جولات ..وجولات..في الصيف والشتاء.