احتفالية برشيد (2) – عبد الرحيم مفكير
مدخل:
المسرح: شكل من أشكال الفنون يؤدى أمام المشاهدين، يشمل كل أنواع التسلية من السيرك إلى المسرحيات. وهناك تعريف تقليدي للمسرح: هو أنه شكل من أشكال الفن يترجم فيه الممثلون نصا مكتوبا إلى عرض تمثيلي على خشبة المسرح، يقوم الممثلون، عادة بمساعدة المخرج على ترجمة شخصيات ومواقف النص التي ابتدعها المؤلف. وهذا التعريف أصبح متجاوزا أمام العمل الجماعي لإعداد النص الإبداعي بدء بالفكرة وانتهاء بأدائها على الركح.
المسرح: فن يجمع العديد من الفنون فهو يتعامل مع النص الأدبي،والروائي والشعر والنثر، وهي مكونات النص المسرحي، كما يستغل الفنون التشكيلية ، والنحت ليقدم الديكورات – أو كما أصبحت تسمى الآن السينوغرافيا- وللمسرح كذلك انفتاح على الموسيقى، وذلك لتقديم المؤثرات الصوتية وفواصل اللوحات، فهو فن شامل مركب من عدة فنون، يشتمل على الأدب والرسم والهندسة المعمارية والموسيقى والغناء والرقص..الخ.
ومن بين هذه الفنون يبرز فن يختص بالمسرح وهو فن التمثيل، فالممثل لا ينفصل عن المسرح، والمسرح لا ينفصل عن الممثل، ولا يمكن اعتبار بقية الفنون مرتبطة بالمسرح، ما لم يؤد كل منها دوره في المسرح، وبتأدية هذا الدور يكتسب ذلك الفن خصائص جديدة تغنيه، فالرسم المسرحي يختلف عن طبيعة فن الرسم، والموسيقى المسرحية تختلف عن الموسيقى العادية وهكذا، أما فن التمثيل فهو فن مسرحي بطبيعته.
المسرح فن قديم عريق ومتجدد، وهو من أقرب الفنون إلى قلوب الناس وعقولهم، لأنه يشعرهم بالبهجة والفرحة ويزودهم بالثقافة والمعرفة، وقد قيل ” أعطني مسرحا أعطيك شعبا متحضرا”.
المسرح هو ذلك الفن الزائل، الذي يمثل فيه حدث، من طرف ممثلين وفنانين، في مكان محدد، من أجل جمهور، وهو فن جديد تماما في المجتمع العربي – الإسلامي1. وهناك من يطلق على المسرح فن الدراما ، ولا يفصل بين مصطلح المسرح والدراما، والدراما كلمة يونانية انتقلت إلى اللغة العربية لفظا، لا معنى، وهي نوع من أنواع الفن الأدبي ارتبطت من حيث اللغة بالرواية والقصة، واختلفت عنها في تصوير الصــراع وتجسيد الحدث وتكثيف العقــدة 2.
والدراما بمعناها العام هي الشعر الدرامي، والنص المكتوب لأداء أدوار مختلفة، حسب الفعل المتسم بالصراع 3.
وقد عرف المسرح المغربي مسارا انطلق منذ الاستعمار إلى اليوم ، وحقق تراكما ساهم في تشكيل المشهد الثقافي المغربي بنسب متفاوتة ، وقد عمل المهتمون بالحقل التأسيس لثقافة مسرحية انخرطت في الفعل التغييري سواء في ظل الحماية أو بعد الاستقلال ، بل ساهمت الحركة المسرحية إلى جانب الحركة الوطنية بالمطالبة باستقلال المغرب من الاستعمار وظلمه، وشكلت وعيا اجتماعيا عبأت الشعب من أجل التحرر والاستقلال. كما عرفت الساحة المسرحية كتابات لرجال السياسة تدعو للعصيان والوقوف في وجه الغاصبين، وعرفت مسارحنا في تلك الحقبة تظاهرات انطلقت من باب المسرح تستنكر الاستعمار الفرنسي وتندد بجرائمه.
إن مسار المسرح المغربي طويل ومتابعته تحتاج إلى مجلدات للإيفاء بالغرض ، وهذه الدراسة لن تقف إلا على شكل من أشكاله والمتمثل في المسرح الاحتفالي والتعريف بالاحتفالية ووضعها في إطارها الجمالي المعرفي الصحيح ، وتقريب لتصور شامل ومتكامل ،كما أرادها لها رائدها ــ لكل المسرح العربي المعاصر ـــــــ تصور يمكن أن نؤسسه انطلاقا من الأفكار المختلفة ومن الاجتهادات المتضاربة ومن المواقف المتداخلة التي يمكن أن يتبعها المهتمون في كتاب الاحتفالية لبرشيد، ويفرض الأمر الوقوف على رؤية برشيد الإبداعية ومشروعه النهضوي، وموقفه من الفن ، والحداثة، والأخلاق ، والقيم ، والتراث وغيرها من القضايا….
يقول برشيد “إن من يحب الحياة كما أحبها، ومن يعشق جمال الوجود كما أعشقه، لا يمكن أن يكون إلا مناضلا في صوف القيم الإنسانية الخالدة، والتي ما وجد الفن إلا ليبرزها بأدواته الفنية المختلفة. وهذا التعلق بالمصنوعات الجميلة ـ في معناه الحقيقي ـ هو انبهار واندهاش أمام عظمة الصانع، وهو صلاة قبل أي شيء، ولعل هذا ما يفسر أن تكون كل الفنون قد خرجت من المعابد القديمة.
والأصل في الفن أنه جمال وجمالية، وأنه كمال واكتمال، ورؤية ورؤيا، ورسالة بمضمون إنساني نافع وممتع ومقنع، وليس مجرد ظرف له شكل خارجي بدون محتوى داخلي، وهذا الفن ـ كما أتمثله دائما ـ إما أن يكون فنا حقيقيا أو لا يكون.
وإن كل تهريج وكل إسفاف، وكل شعوذة “فنية” وكل دجل “إبداعي” لا يمكن أن تكون أية علاقة حقيقية بالفن الحقيقي، ويمكن أن نسميه بأي اسم آخر سوى أن يكون فنا.
إن الفن خاصية الإنسان وحده، وهو مظهر حضاري ومدني، ودرجة سامية في الإحساس والشعور، وهو الارتقاء بالذات الفردية إلى درجة الذات الجماعية، وهو الارتقاء بالمادي المحسوس إلى درجة المعنوي والرمزي والوجداني والروحي4.
إن لكل عمل مؤيدون مناصرون ومحبون قد يصل بهم الأمر إلى التغاضي عن كل النواقص والعيوب والأخطاء ومخالفون قد يصل بهم الأمر إلى العداء وتجاوز النقد البناء ، يقول برشيد ” .. أن المواقف من الاحتفالية ليس واحدا ولا موحدا. إنه في حقيقته مواقف مختلفة ومتعددة … مواقف متناقضة ومتضاربة فيما بينها ، ولعل هذا التناقض الداخلي هو ما جعل تأثيرها يكون ضعيفا ورمزيا في الساحة المسرحية5 “.
وهذه المواقف لم تكن جامدة ولا ساكنة، فهي في السبعينات غيرها في الثمانينات … ” لقد أثارت الاحتفالية وما تزال كثيرا من العواصف والزوابع حولها “.6
لقد استقطبت كثيرا من النقد والنقد المضاد ،ونحن سنتخذ سبيلا ثالثا يتمثل في وظيفة التقريب والتعريف ليس إلا، وإن كنا مع الاحتفالية فكرا وممارسة واقتناعا براهنيتها وقربها من الخصوصية المغربية .
ولمعرفة الرؤية ومنظومة الاحتفالية المغربية لابد من ربطها برائد من روادها والمنظر لها المنافح والمدافع بدون كلل في التأكيد على أهميتها وراهنيتها، والمعروف بالساهر لتبسيط معالمها ومرتكزاتها ، توجت مجهوداته بالأعمال الكاملة.هذا الرائد المتفرد والمتعدد ، في مبتدئه ومنتهاه كان وفيا لمسار رسم معالمه بروية وتوأدة وثبات ، وتحمل الضربات والانتقادات ، وأنهك محبيه ومنتقديه، عرف بغزارة التأليف وكثرة العطاء٬ في المتن المسرحي وعلى هامشه٬ إنه حالة إبداعية تستوقف المتأمل ،برشيد رائد الاحتفالية٬ الذي لا ينضب معين إسهاماته٬ في المسرح المغربي والعربي٬ تأليفا ونقدا وتنظيرا.
هوامش:
1 – المسرح في المغرب بنيات واتجاهات عبد الواحد عوزري ص 13 .
2 – الدراما والمسرح فن تعليم الطفل حنان عبد الحميد العناني ص 7.
3 – معجم المصطلحات المسرحية احمد بلخيري ص 50.
4 – حوار بموقع منظمة التجديد ( مارس 2012).
5 – الاحتفالية : مواقف.. ومواقف مضادة ص 10.
6 – نفسه ص 11.