العيد برؤى ربانية – يوسف الحزيمري

لم تعد تؤثر فينا المواعظ، ولا قصص أهل الله الربانيين، ولا الآيات المبثوثة في الأنفس والآفاق عبرة للمعتبرين، بل نمر عليها غافلين، و نؤدي المفروضات في غياب روحها ومقاصدها، لم يعد يجدي فينا تذكير بآية أو حديث، إلا من رحم رب العالمين، وما لجرح بميت إيلام.

نعم إنها من علامات موت القلوب، لذلك حُذِّرنا من مغبة الختم، والران، والقفل، ومن مغبة افتقاد الحواس لوظيفتها، فما جدوى السمع والبصر، إذا لم نعقل بهما عن الله كلامه، أو نعتبر بآياته في الأزمنة والأمكنة، “أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَتَكُونَ لَهُمۡ قُلُوبٞ يَعۡقِلُونَ بِهَآ أَوۡ ءَاذَانٞ يَسۡمَعُونَ بِهَاۖ فَإِنَّهَا لَا ‌تَعۡمَى ‌ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَلَٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ” [الحج: 46].

الحياة الطيبة تنادي ولا من مجيب، وإذا أجاب ففي سهو وغفلة، والفرح مشرعة أبوابه، والحزن في زوايا القلب قابع مطرق، بالله عليكم بم ذلك؟ بما قدمنا، وبما كسبنا من سيئات، نعم إن الإنسان كفور.

لذلك شرع الرحيم بعباده الرؤوف بهم، مواسم الخيرات للتطهير والتزكية، فالحسنات يذهبن السيئات “ذَٰلِكَ ذِكۡرَىٰ لِلذَّٰكِرِينَ” [هود: 114].

ورَمضانُ ‌إلى ‌رَمَضانَ، كفَّاراتٌ ما اجْتُنِبَت الكبائرُ، فها هو قد ولت أيامه، وأزفت عشره الأواخر، فالمتقين بلغت قلوبهم الحناجر، والغافلين اللاهين لا في العير ولا في النفير، وقد كان السلف الربانيون يغتنمون فضل هذه الأيام المباركات، وينقطعون فيها للعبادات، مخبتين لرب الأرض والسماوات، فمنهم من يوقف درسه، ويلهج بغراس ‌الجنة، يغرس غرسه، “سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر”، ومنهم من يكنزه كنزه “لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ”، ومنهم من يتلو ورده، ويقوم الليل جهده، فأولئك قد فقهوا عن الله أمره، وعقلوا قصده، “وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا ‌لِيَعۡبُدُونِ” [الذاريات: 56]، فوقفوا عند بابه مصرّين، لذنوبهم حاملين، وفي عفوه وغفرانه وتوبته راجين؛ وفي جنته طامعين.

“أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته … ومدمن القرع للأبواب ‌أن ‌يلجا”

فكان جزاؤهم الفوز ببشريات رمضان المبارك، من إسباغ مغفرته، وإسبال رحمته، والعتق من ناره، “وَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ ‌وَعۡدَهُۥۚ ” [الحج: 47].

وزادهم فرحة العيد، وجعله شعارا لهم يتحللون به من ربق النفس البشرية، ومن آثار الحياة الدنيوية، ومرقاة إلى الحياة الأخروية، بعروج الروح واتصالها بأسباب الصيام والقيام وتلاوة القرآن.

وقد وقف الربانيون عند فرحة العيد، ورأوها بغير العين التي نرى بها الأشياء، حسا ومعنى، لفظا ومبنى، فنظروا فيها بمنظار الحب الثاقب، للمحبوب الغائب، و”ﻣﻦ ﻋﻼﻣﺎﺕ اﻟﻤﺤﺒﺔ اﻟﺼﺎﺩﻗﺔ ﺃﻥ اﻟﻤﺤﺐ ﻻ ﻳﺘﻢ ﻟﻪ ﺳﺮﻭﺭ ﺇﻻ ﺑﻤﺤﺒﻮﺑﻪ، ﻭﻣﺎ ﺩاﻡ ﻏﺎﺋﺒﺎ ﻋﻨﻪ ﻓﻌﻴﺸﻪ ﻛﻠﻪ ﻣﻨﻐﺺ”، ومن ثم قال قائلهم:

“ﻣﻦ ﺳﺮﻩ اﻟﻌﻴﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ … ﻓﻘﺪ ﻋﺪﻣﺖ ﺑﻪ اﻟﺴﺮﻭﺭا

ﻛﺎﻥ اﻟﺴﺮﻭﺭ ﻳﺘﻢ ﻟﻲ … ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺃﺣﺒﺎﺑﻲ ﺣﻀﻮﺭا”

وقال آخر: “ﻗﺎﻟﻮا: ﻏﺪا اﻟﻌﻴﺪ ﻣﺎﺫا ﺃﻧﺖ ﻻﺑﺴﻪ؟

فَقلت: خلعة سَاق عَبده جرعا

ﻓﻘﺮ ﻭﺻﺒﺮ ﻫﻤﺎ ﺛﻮﺑﺎﻥ ﺗﺤﺘﻬﻤﺎ

ﻗﻠﺐ ﻳﺮﻯ ﺃﻟﻔﺔ الأﻋﻴﺎﺩ ﻭاﻟﺠﻤﻌﺎ

اﻟﺪﻫﺮ ﻟي ﻣﺄﺗﻢ ﺇﻥ ﻏﺒﺖ ﻳﺎ ﺃﻣﻠﻰ

ﻭاﻟﻌﻴﺪ ﻣﺎ ﺩﻣﺖ ﻟي ﻣﺮﺃﻯ ﻭﻣﺴﺘﻤﻌﺎ”

ﻭﺇﺫا ﺳﻠﻢ لك ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺳﻠﻤﺖ لك اﻟﺴﻨﺔ، ومن أدبيات الوعظ بالمناسبة قول ابن الجوزي في التبصرة: ﻳﺎ ﻣﻦ ﻳﻔﺮﺡ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﺪ ﺑﺘﺤﺴﻴﻦ ﻟﺒﺎﺳﻪ، ﻭﻳﻮﻗﻦ ﺑﺎﻟﻤﻮﺕ ﻭﻣﺎ اﺳﺘﻌﺪ ﻟﺒﺎﺳﻪ، ﻭﻳﻐﺘﺮ ﺑﺈﺧﻮاﻧﻪ ﻭﺃﻗﺮاﻧﻪ ﻭﺟﻼﺳﻪ، ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻗﺪ ﺃﻣﻦ ﺳﺮﻋﺔ اﺧﺘﻼﺳﻪ، ﻛﻴﻒ ﺗﻘﺮ ﺑاﻟﻌﻴﺪ ﻋﻴﻦ ﻣﻄﺮﻭﺩ ﻋﻦ اﻟﺼﻼﺡ، ﻛﻴﻒ ﻳﻀﺤﻚ ﺳﻦ ﻣﺮﺩﻭﺩ ﻋﻦ اﻟﻔﻼﺡ، ﻛﻴﻒ ﻳﺴﺮ ﻣﻦ ﻳﺼﺮ ﻋﻠﻰ اﻷﻓﻌﺎﻝ اﻟﻘﺒﺎﺡ، ﻛﻴﻒ ﻻ ﻳﺒﻜﻲ ﻣﻦ ﻗﺪ ﻓﺎﺗﻪ ﺟﺰﻳﻞ اﻷﺭﺑﺎﺡ، اﻟﻨﻮﺡ ﺃﺣﻖ ﺑﻚ ﻣﻦ اﻟﺴﺮﻭﺭ ﻳﺎ ﻣﻐﺮﻭﺭ، ﻭاﻟﺤﺰﻥ ﺃﺟﺪﺭ ﺑﻚ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻣﻮﺭ، ﻭاﻟﺠﺪ ﺃﻭﻟﻰ ﺑﻚ ﻣﻦ اﻟﺘﻮاﻧﻲ ﻭاﻟﻔﺘﻮﺭ، ﻛﻴﻒ ﻳﺴﺮ ﺑﻌﻴﺪﻩ ﻣﻦ ﺗﺎﺏ ﺛﻢ ﻋﺎﺩ، ﻛﻴﻒ ﻳﻔﺮﺡ ﺑﺎﻟﺴﻼﻣﺔ ﻣﻦ ﺁﺛﺎﻣﻪ ﻓﻲ اﺯﺩﻳﺎﺩ..

ﻋﺒﺎﺩ اﻟﻠﻪ: ﺇﻥ ﻳﻮﻣﻜﻢ ﻫﺬا ﻳﻮﻡ اﻟﻌﻴﺪ، ﻗﺪ ﻣﻴﺰ ﻓﻴﻪ اﻟﺸﻘﻲ ﻭاﻟﺴﻌﻴﺪ، ﻓﻜﻢ ﻓﺮﺡ ﺑﻬﺬا اﻟﻴﻮﻡ ﻣﺴﺮﻭﺭ، ﻭﻫﻮ ﻣﻄﺮﻭﺩ ﻣﻬﺠﻮﺭ.

ﻭﻛﺎﻥ ﺻﺎﻟﺢ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺠﻠﻴﻞ، ﺇﺫا اﻧﺼﺮﻑ ﻳﻮﻡ اﻟﻌﻴﺪ ﺟﻤﻊ ﻋﻴﺎﻟﻪ ﻭﺟﻠﺲ ﻳﺒﻜﻲ، ﻓﻴﻘﻮﻝ ﻟﻪ ﺇﺧﻮاﻧﻪ: ﻫﺬا ﻳﻮﻡ ﺳﺮﻭﺭ. ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﺻﺪﻗﺘﻢ، ﻭﻟﻜﻨﻲ ﻋﺒﺪ ﺃﻣﺮﻧﻲ ﺳﻴﺪﻱ ﺃﻥ ﺃﻋﻤﻞ ﻟﻪ ﻋﻤﻼ ﻓﻌﻤﻠﺘﻪ، ﻓﻼ ﺃﺩﺭﻱ ﺃﻗﺒﻠﻪ ﻣﻨﻲ ﺃﻡ ﻻ؟ ﻓﺎﻷﻭﻟﻰ ﺑﻲ ﻃﻮﻝ اﻟﺤﺰﻥ!

وﻛﺎﻥ اﻟﺸﺒﻠﻲ ﻳﻮﻡ اﻟﻌﻴﺪ ﻳﻨﻮﺡ ﻭﻳﺼﻴﺢ ﻭﻳﺼﺮﺥ، ﻭﻋﻠﻴﻪ ﺛﻴﺎﺏ ﺳﻮﺩ ﻭﺯﺭﻕ، ﻓﺎﺟﺘﻤﻊ اﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﺴﺄﻟﻮﻩ ﻋﻦ ﻧﻮﺣﻪ ﻭﺑﻜﺎﺋﻪ، ﻓﻘﺎﻝ:

“ﺗﺰﻳﻦ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﻮﻡ اﻟﻌﻴﺪ ﻟﻠﻌﻴﺪ … ﻭﻗﺪ ﻟﺒسﺖ ﺛﻴﺎﺏ اﻟﺰﺭﻕ ﻭاﻟﺴﻮﺩ

ﻭﺃﺻﺒﺢ اﻟﻨﺎﺱ ﻣﺴﺮﻭﺭا ﺑﻌﻴﺪﻫﻢ … ﻭﺭﺣﺖ ﻓﻴﻚ ﺇﻟﻰ ﻧﻮﺡ ﻭﺗﻌﺪﻳﺪ

ﻓﺎﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﻓﺮﺡ ﻭاﻟﻘﻠﺐ ﻓﻲ ﺗﺮﺡ … ﺷﺘﺎﻥ ﺑﻴﻨﻲ ﻭﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﺪ”

ﻭمرة ﺧﺮﺝ ﻳﻮﻡ اﻟﻌﻴﺪ ﻭﻫﻮ ﻳﻘﻮﻝ:

“ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻓﻄﺮ ﻭﻋﻴﺪ … ﺇﻧﻲ ﻓﺮﻳﺪ ﻭﺣﻴﺪ

ﻳﺎ ﻏﺎﻳﺘﻲ ﻭﻣﻨﺎﻱ … ﺃﺗﻢ ﻟﻲ ﻣﺎ ﺃﺭيد”

ﻭﻗﻴﻞ ﻟﻪ ﻳﻮﻡ ﻋﻴﺪ: ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺑﻜﺮ اﻟﻴﻮﻡ ﻳﻮﻡ ﻋﻴﺪ. ﻓﻘﺎﻝ:

“الناس في العيد قد سُرُّوا وقد فرحوا…وما سُرِرتُ به والواحدِ الصمدِ

لما تيّقنتُ أني لا أعايِنُكم… غمضتُ طرفي فلم أنظر إِلى أحدِ”

وتذكرة لي ولك بوعظ مثل العرك، يقول أبلغ الوعاظ في تذكرته: ﺟﺎءﻧﺎ ﺑﻪ ﻋﻦ اﻟﻠﻪ اﻟﻤﺮﺳﻠﻮﻥ، ﻓﻤﻦ ﻋﻤﻞ ﺑﺎﻟﻈﺎﻫﺮ اﻟﻤﻌﺘﺎﺩ، وأهمل اﻟﺒﺎﻃﻦ اﻟﻤﺮاﺩ، ﻓﻠﻴﺲ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺃﻭﻟﻴﺎء اﻷﻟﺒﺎﺏ، ﻷﻧﻪ اﺷﺘﻐﻞ ﺑﺎﻟﻘﺸﺮ ﻋﻦ اﻟﻠﺒﺎﺏ، ﺭﺏ ﻗﺎﺋﻢ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻗﻴﺎﻣﻪ ﺇﻻ اﻟﺴﻬﺮ ﻭاﻟﺘﻌﺐ، ﻭﺭﺏ ﺻﺎﺋﻢ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺻﻴﺎﻣﻪ ﺇﻻ اﻟﻈﻤﺄ ﻭاﻟﺘﻌﺐ، ﻓﺄﻣﻨﻮا ﺇﻟﻰ ﻇﺎﻫﺮ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺑﺎﻃﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭاﺳﻠﻜﻮا ﻣﻊ اﻟﺴﺎﻟﻜﻴﻦ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﺃﺣﻤﺪ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ، ﻭاﻓﻄﻤﻮا ﻫﺬﻩ اﻟﻨﻔﻮﺱ ﻋﻦ ﺳﻮء اﻟﺮﺿﺎﻉ، ﻓﺈﻧﻤﺎ ﺷﺮﻋﺖ ﻟﻜﻢ اﻟﻄﺎﻋﺎﺕ، لنقلكم ﻋﻦ ﺭﺩﻱ اﻟﻄﺒﺎﻉ، ﺇﻟﻰ ﻣﺘﻰ ﺃﻛﻼ ﻭﺷﺮﺑﺎ ﻭﻧﻮﻣﺎ، ﻓﻘﺪ ﺁﻥ أن ﺗﺬﻳﺒﻮا ﺷﺤﻮﻡ اﻟﺮاﺣﺔ ﻭاﻟﺸﺒﻊ ﺻﻼﺓ ﻭﺻﻮﻣﺎ، ﻓﻜﻞ ﻣﺎ أﻧﺘﻢ ﻓﻴﻪ ﻋﻤﺎ ﻗﻠﻴﻞ ﺯاﺋﻞ، ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺩاﺋﻤﺎ ﻻ ﻳﺰﻭﻝ ﻓﻬﻮ ﺑﻄﺎﺋﻞ، ﻭﻻ ﻟﻪ ﺣﺎﺻﻞ، ﺃﻳﻦ ﺃﻧﺘﻢ ﻋﻦ ﻣﺨﺎﻭﻑ اﻟﺒﺮ اﻟﺮﺣﻴﻢ ﻓﻲ ﺟﻨﺎﺕ اﻟﻨﻌﻴﻢ؟، ﺃﻳﻦ ﺃﻧﺘﻢ ﻣﻦ ﻟﺬﺓ اﻟﻤﻨﺎﺟﺎﺓ ﺇﺫا ﺃﺭﺧﻰ ﺳﺪﻭﻟﻪ اﻟﻠﻴﻞ اﻟﺒﻬﻴﻢ؟ ﻳﺎ ﻟﻬﺎ ﻟﺬﺓ ﻣﺎ ﺫاﻗﻬﺎ ﺇﻻ ﺫﻭ ﻓﻄﻦ ﻫﻀﻴﻢ، ﻭﻗﻠﺐ سليم، “‌وَمَا ‌يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ ‌وَمَا ‌يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٖ” [فصلت: 35]. 

فيا إخوان التقى؛ ﺃﻳﻦ اﻟﻔﻬﻢ ﻭاﻟﺘﺄﻣﻞ؟ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺟﻤﻴﻞ ﻓﻠﻴﻜﻦ ﺗﺠﻤﻞ، إﺧﻮاﻧﻲ ﻗﺪ ﺩﻧﺎ اﻟﺘﺮﺣﻞ، ﻻ ﺑﺪ ﻭﺷﻴﻜﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﻮﻝ.

فها هو ابن الجوزي يقارن لنا يوم العيد بيوم القيامة فيقول:

ﺃﺣﻮاﻝ اﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﺪ ﺗﺸﺒﻪ ﺃﺣﻮاﻟﻬﻢ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ.

ﺭﺃﻳﺖ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﻮﻡ اﻟﻌﻴﺪ، ﻓﺸﺒﻬﺖ اﻟﺤﺎﻝ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎﻣﺔ: ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻟﻤﺎ اﻧﺘﺒﻬﻮا ﻣﻦ ﻧﻮﻣﻬﻢ، ﺧﺮﺟﻮا ﺇﻟﻰ ﻋﻴﺪﻫﻢ ﻛﺨﺮﻭﺝ اﻟﻤﻮﺗﻰ ﻣﻦ ﻗﺒﻮﺭﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺣﺸﺮﻫﻢ.

ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺯﻳﻨﺘﻪ اﻟﻐﺎﻳﺔ، ﻭﻣﺮﻛﺒه اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ، ﻭﻣﻨﻬﻢ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ، ﻭﻣﻨﻬﻢ اﻟﻤﺮﺫﻭﻝ، ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺬا ﺃﺣﻮاﻝ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ: ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: “يَوۡمَ نَحۡشُرُ ٱلۡمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحۡمَٰنِ ‌وَفۡدٗا” [مريم: 85]، ﺃﻱ: ﺭﻛﺒﺎﻧﺎ: “وَنَسُوقُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرۡدٗا” [مريم: 86]، ﺃﻱ: ﻋﻄﺎﺷﺎ، ﻭﻗﺎﻝ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼﺓ ﻭاﻟﺴﻼﻡ: (ﻳﺤﺸﺮﻭﻥ ﺭﻛﺒﺎﻧﺎ ﻭﻣﺸﺎﺓ ﻭﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﻫﻬﻢ)، ﻭﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﻳﺪاﺱ ﻓﻲ ﺯﺣﻤﺔ اﻟﻌﻴﺪ، ﻭﻛﺬﻟﻚ اﻟﻈﻠﻤﺔ، ﻳﻄﺆﻫﻢ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﺄﻗﺪاﻣﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ.

ﻭﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﻮﻡ اﻟﻌﻴﺪ اﻟﻐﻨﻲ اﻟﻤﺘﺼﺪﻕ، ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺃﻫﻞ اﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻫﻢ ﺃﻫﻞ اﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻓﻲ اﻵﺧﺮﺓ، ﻭﻣﻨﻬﻢ اﻟﻔﻘﻴﺮ اﻟﺴﺎﺋﻞ اﻟﺬﻱ ﻳﻄﻠﺐ ﺃﻥ ﻳﻌﻄﻰ، ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻮﻡ اﻟﺠﺰاء: (ﺃﻋﺪﺩﺕ ﺷﻔﺎﻋﺘﻲ ﻷﻫﻞ اﻟﻜﺒﺎﺋﺮ)، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻻ ﻳﻌﻄﻒ ﻋﻠﻴﻪ: “فَمَا لَنَا مِن شَٰفِعِينَ وَلَا ‌صَدِيقٍ ‌حَمِيمٖ” [الشعراء: 100-101].

ﻭاﻷﻋﻼﻡ ﻣﻨﺸﻮﺭﺓ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﺪ، ﻛﺬﻟﻚ ﺃﻋﻼﻡ اﻟﻤﺘﻘﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، ﻭاﻟﺒﻮﻕ ﻳﻀﺮﺏ، ﻛﺬﻟﻚ ﻳﺨﺒﺮ ﺑﺤﺎﻝ اﻟﻌﺒﺪ، ﻓﻴﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﺃﻫﻞ اﻟﻤﻮﻗﻒ! ﺇﻥ ﻓﻼﻧﺎ ﻗﺪ ﺳﻌﺪ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﻻ ﺷﻘﺎﻭﺓ ﺑﻌﺪﻫﺎ، ﻭﺇﻥ ﻓﻼﻧﺎ ﻗﺪ ﺷﻘﻲ ﺷﻘﺎﻭﺓ ﻻ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺑﻌﺪﻫﺎ.
ﺛﻢ ﻳﺮﺟﻌﻮﻥ ﻣﻦ اﻟﻌﻴﺪ ﺑﺎﻟﺨﻮاﺹ ﺇﻟﻰ ﺑﺎﺏ اﻟﺤﺠﺮﺓ ﻳﺨﺒﺮﻭﻥ ﺑﺎﻣﺘﺜﺎﻝ اﻷﻭاﻣﺮ: “أُوْلَٰٓئِكَ ‌ٱلۡمُقَرَّبُونَ” [الواقعة: 11]، ﻓﻴﺨﺮﺝ اﻟﺘﻮﻗﻴﻊ ﺇﻟﻴﻬﻢ: “وَكَانَ ‌سَعۡيُكُم ‌مَّشۡكُورًا” [الإنسان: 22].

ﻭﻣﻦ ﻫﻮ ﺩﻭﻧﻬﻢ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﺣﺎﻟﻪ: ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺖ ﻋﺎﻣﺮ “بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ فِي ‌ٱلۡأَيَّامِ ‌ٱلۡخَالِيَةِ” [الحاقة: 24]، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣﺘﻮﺳﻂ، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺖ ﻓﻘﺮ. ﻓﺎﻋﺘﺒﺮﻭا ﻳﺎ ﺃﻭﻟﻲ اﻷﻟﺒﺎﺏ.
وختاما: اﻓﺮﺣﻮا ﺑاﻟﻌﻴﺪ…
ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻤﺮﻫﻘﻮﻥ ﺑﺎﻵﻻﻡ! اﻓﺮﺣﻮا ﺑاﻟﻌﻴﺪ؛ ﻷﻥ ﺁﻻﻣﻜﻢ ﺗﺨﻒ ﺑﺎﻟﻤﻮاﺳﺎﺓ ﻓﻴﻪ.
ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻤﺜﻘﻠﻮﻥ ﺑﺎﻷﻋﺒﺎء! اﻓﺮﺣﻮا ﺑاﻟﻌﻴﺪ؛ ﻷﻥ ﺃﻋﺒﺎءﻛﻢ ﺃﻟﻘﻴﺖ ﻋﻦ ﻋﻮاﺗﻘﻜﻢ ﻗﻠﻴﻼ.
ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻤﺜﺨﻨﻮﻥ ﺑﺎﻟﺠﺮاﺡ! اﻓﺮﺣﻮا ﺑاﻟﻌﻴﺪ؛ ﻷﻥ ﺟﺮاﺣﻜﻢ ﻗﺪ ﻭﺟﺪﺕ ﻣﻦ ﻳﻀﻤﺪﻫﺎ.
ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻤﺤﺮﻭﻣﻮﻥ ﻣﻦ اﻟﻨﻌﻴﻢ! اﻓﺮﺣﻮا ﺑاﻟﻌﻴﺪ؛ ﻷﻥ ﺃﻳﺎﻡ ﺣﺮﻣﺎﻧﻜﻢ ﻗﺪ ﻧﻘﺼﺖ ﻓﻴﻪ ﺑﻀﻌﺔ ﺃﻳﺎﻡ.
ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻤﻮﺟﻌﻮﻥ ﺑﺎﻷﺣﺰاﻥ! اﻓﺮﺣﻮا ﺑاﻟﻌﻴﺪ؛ ﻷﻧﻪ ﺃﻋﻄﺎﻛﻢ ﺃﻳﺎﻣﺎ ﻻ ﺗﺤﺰﻧﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ.
ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻤﻨﻬﻜﻮﻥ ﺑﺎﻟﻤﺼﺎﺋﺐ! اﻓﺮﺣﻮا ﺑاﻟﻌﻴﺪ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻤﻨﺤﻜﻢ ﺃﻣﻼ ﺑﺎﻧﺘﻬﺎء ﻣﺼﺎﺋﺒﻜﻢ.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى