منهج الإسلام في معاملة غير المسلمين

نظم الإسلام علاقة المسلمين ببعضهم، كما نظّم علاقة المسلمين بغيرهم من أهل الكتاب وأتباع الديانات الأخرى، وقد اعتنى القرآن الكريم والسنّة النبوية ببيان أصول التعامل مع غير المسلمين وآدابه، وبيان حقوقهم.

فالإسلام دين يدعو إلى كل خير، وينهى عن كل شر؛ يدعو إلى الإحسان إلى الناس كافة، والتعامل معهم بالحسنى؛ على أساس أن الجميع عيال الله وخَلْقه تعالى، وأن أحب الخلق إلى الله أنفعهم وأجداهم لعياله؛ لذا أمر الله – عز وجل – عبادَه – والناس كلهم عباده طوعا أوكرها – أن يقولوا التي هي أحسن وأطيب؛ يقول – عز وجل -: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [الإسراء: 53].

والإسلام لا يفرق في التعامل الحسن بين المسلم وغير المسلم، سواء كان مشركا أو يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا؛ حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن في الأرض يرحمْكم من في السماء… ) الحديثَ، وصية من رحمة الله للعالمين بالغة، ودعوة منه صارمة، إلى التعامل الحسن مع سائر الناس على اختلاف أجناسهم وألوانهم، واختلاف مذاهبهم وأديانهم، بالرحمة والألفة، والمودة والرأفة، ويَضمن صلى الله عليه وسلم للقائمين بهذا التعامل الحسن الرحمةَ من الله – عز وجل – في الدنيا والآخرة، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يعذِّب الذين يعذِّبون الناس في الدنيا ويؤذونهم في أنفسهم وأموالهم؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يُعذِّب الذين يُعذِّبون الناسَ في الدنيا)، ولقد أوصى النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى كل شيء، إنسانا كان أو حيوانا، قريبا كان أو بعيدا، مسلما كان أو كافرا، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتَب الإحسانَ على كلِّ شيء؛ فإذا قتلتُم فأحسِنوا القِتْلة، وإذا ذبحتم فأحسِنوا الذِّبحة، وليُحِدَّ أحدكم شفرتَه، وليُرِح ذبيحته)، حتى قال صلى الله عليه وسلم: (في كل كَبِد رَطْبةٍ أجرٌ)، وجعل صلى الله عليه وسلم كل جهد وسعي يبذُله الرجل المسلم فيستفيد منه إنسان أو دابة أو طائر، إلا كان له صدقة؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (ما مِن مسلم غرس غرسا، فأكل منه إنسان أو دابة، إلا كان له صدقة)، والإسلام لا يسمح لأتباعه بسوء التعامل مع الطير أو الحيوان، فضلا عن الإنسان، روى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى حُمَّرَة – وهي طير صغير – تَفْرُش لما أخذ بعض الصحابة ولدَها، فقال: (مَن فجَّع هذه بولدها؟! رُدُّوا ولدَها إليها).

إن أساس علاقة المسـلمين مع غيرهم يتمثَّل في قول الله عزّ وَجـل: “لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴿8﴾ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” [الممتحنة:8ـ9].

فالبر والقسـط مطلوبان من المسلم تجاه كل الناس، ما لم يقفوا في وجهه ويضطهدوا أهله.. ولأهل الكتاب من بين غير المسلمين منزلة خاصة في المعاملة، فالقرآن ينهى عن مجادلتهم إلا بالحسنى، ويبيح مؤاكلتهم والأكل من ذبائحهم ومصاهرتهم، وهذا هو أصل التسامح.. قال رسـول صلى الله عليه وسلم (ولأهل الذِّمة في دار الإسلام حقُّ الحماية من كلِّ عدوان خارجي، ومن كلِّ ظلم داخلي)(رواه أحمد في مسنده). وقال : (مَن ظلم معاهدًا، أو انتقصـه حقًا، أو كلَّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة) (رواه البيهقي وأبوداود).. وقال الله عل وجل: «من آذى ذمّيًا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله» (رواه الخطيب بإسناد حسن).. وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم: (لأهل نجران أنَّه لا يؤخذ منهم رجل بظلم آخر) رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن)..

إقرأ أيضا: لجنة برلمانية فرنسية تعتمد مشروع قانون “مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية ” المثير للجدل

ودماء أهل الذِّمة وأنفسهم وأموالهم وأعراضهم معصومة باتفاق المسلمين، وقتلهم حرام بالإجماع: (مَن قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا) (فيض القدير [6/153]).   وقال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدُّني)(السنن الكبرى للبيهقي [9/205])..

ويحمي الإسـلام حرية حق الاعتقـاد، فلكل ذي دين دينه ومذهبه: “لا إكراه في الدِّين” [البقرة من الآية: 256]، وقد اشتمل عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران، أن لهم جوار الله وذمة رسول الله على أموالهم وملتهم وبيعهم.. وصان الإسلام لغير المسلمين معابدهم وشعائرهم، وكل ما يطلبه الإسلام من غير المسلمين أن يراعوا مشاعر المسلمين. يقول المفكر الفرنسي المعروف غوسـتاف لوبون: “إنَّ مسـامحة محمَّد لليهود والنصارى كانت عظيمـة للغاية”، ويقول روبرتسن: “إنَّ المسـلمين وحدهم جمعوا بين الغيرة لدِينهم، وروح التسـامح نحو أتباع الديانات الأخرى”.  

ولأهل الذمة الحق في تولي وظائف الدولة كالمسـلمين، إلا ما غلب عليه الصبغة الدينية، إذا تحققت فيهم شروط الكفاية والأمانة والإخلاص.. وتتجلى سماحة الإسلام في معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل الكتاب يهودا كانوا أو نصارى، فقد كان صلى الله عليه وسلم يزورهم ويكرمهم ويحن إليهم، ويعود مرضاهم، ويأخذ منهم ويعطيهم.. عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم عاد يهوديًا، وعرض عليه الإسلام فأسلم، فخرج وهو يقول: “الحمد لله الذي أنقذه بي من النار” (رواه البخاري)، ومرت به صلى الله عليه وسلم جنازة، فوقف لها، فقيل له: إنَّها جنازة يهودي، فقال عليه الصلاة والسلام: «أليست نفسًا» (رواه البخاري).. وقال صلى الله عليه وسلم: (دعوة المظلوم وإن كان كافرًا ليس دونها حجاب» (رواه أحمد في مسنده).. وفي يوم الفتح المبين، حين مكَّن الله رسوله الكريم من رقاب مَن آذوه وسـعوا لاغتياله، وقف أمامهم وقال: (لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطُّلَقاء) هكذا بمنتهى البساطة ينسى الإسـاءة، ويتجاوز عمن دبروا أبشع المؤامرات لسفك دمه صلى الله عليه وسلم، ودون أي شرط، وحين رأى صلى الله عليه وسلم عمه حمزة وقد بُقرت بطنه، ومُثّل به أسوأ تمثيل هو وبعض الصحابة، بكى وغضب وعزم على أن ينتقم ويُمثِّل بسبعين منهم إن مكّنه الله منهم، فنَزلت الآية الكريمة: “إِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ” [النَّحل من الآية: 126]، فآثر النّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الصبر الجميل، وعفوا عما سلف من تمثيل بقتلاهم، فما كان للمؤمنين أن ينْزلوا إلى تلك الهوة العميقة من جرائم الحقد الأسود، ولا أن يجرهم عدوهم إلى مثل هذه الميادين الدونية من التعامل، ولو في الحرب.

الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى