التطبيع: الدوافع الصهيونية؛ وأثره على الدول العربية (مصر نموذجا) – ابتهال بن علي وأسماء لحنين

في إطار الأيام الصيفية الشبابية التي نظمتها حركة التوحيد والإصلاح إقليم تطوان، والتي عرفت تنظيم مجموعة من الورشات الإنتاجية من بينها ورشة القراءة، وقد كان هذا المقال من مخرجات هذه الورشة، وهو مقال قامت بكتابته التلميذتين أسماء لحنين وابتهال بن علي بتوجيه وإشراف مؤطري الورشة. فهنيئا لهما بأول تجربة في كتابة المقالات. المقال تحت عنوان: التطبيع: الدوافع الصهيونية؛ وأثره على الدول العربية (مصر نموذجا) للتلميذة: أسماء لحنين (الأولى باكالوريا) و التلميذة: ابتهال بن علي (الجذع المشترك).

******

يعد مصطلح التطبيع مع “إسرائيل” أحد أكثر المصطلحات إثارة للالتباس والجدل، وبالمفهوم اللغوي يعني مصطلح التطبيع تحويل علاقة عداء أو خصام إلى علاقة طبيعية (التعاون والسلام)، وإن أخطر أمر في التطبيع هو وضع تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني شرطا للسلام، إذ انتقلنا من مقولة التطبيع مقابل الأرض إلى مقولة التطبيع مقابل السلام. فما هي الأسباب والعوامل التي دفعت إسرائيل إلى الحرص على تطبيع علاقاتها مع الدول العربية؟ وما هي المظاهر التي أفرزها التطبيع المصري مع هذا الكيان باعتبارها أول دولة طبعت مع “إسرائيل” سنة 1978؟

حرصت “إسرائيل” منذ سبعينات القرن الماضي على تطبيع علاقاتها مع الدول العربية، خاصة تلك الدول التي تحيط بها، حتى وصلت اليوم إلى تطبيع العلاقاات مع 6 دول عربية (مصر، الأردن، الإمارات، البحرين، السودان، المغرب)، ويعود ذلك إلى عدة عوامل وأسباب منها ما هو سياسي ومنها ما هو ثقافي ومنها أيضا ما هو اقتصادي.

فعلى المستوى السياسي شكلت رغبة الكيان الصهيوني في الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية على منطقة الشرق الأوسط، وكذا حرصه (الكيان) على اختراق الدول العربية وتأبيد هزيمتها واحتلالها أهم الدوافع السياسية للتطبيع.

أما ثقافيا فقد شكلت إرادة الصهاينة في تسويق ثقافتهم التي يسمونها زورا بثقافة السلام والتعاون والتطبيع دافعا مهما من دوافع هذا التطبيع.

ويعد العامل الاقتصادي من أهم الأسباب التي دفعت الكيان الصهيوني إلى الحرص على إقامة العلاقات الدبلوماسية مع العرب، إذ يعد طموح “إسرائيل” في أن تتحول إلى المحور الذي يدور عليه النشاط الاقتصادي في منطقة المشرق العربي أبرز ما دفعها إلى التطبيع، وهذا ما عبر عنه “شمعون بيريز” حينما دعا إلى بناء ميناء مشترك مع الأردن، حتى يتحكم فيه كما شاء مثلما فعل مع ميناء ومطار غزة.

إن تواجد “إسرائيل” باعتبارها “دولة” منتجة ومصنعة في منطقة المشرق العربي سبب لها عدة مشاكل، حيث يعتبر هذا الكيان هو الأضعف من حيث القدرة على الرفع من نسبة صادراته الخارجية، وهذا يرجع بالأساس إلى عدم قدرته على منافسة الأقطاب الاقتصادية الكبرى (و.م.أ- الاتحاد الأوروبي- اليابان) في مناطق آسيا وأمريكا وإفريقيا، ويرجع كذلك إلى الحصار الاقتصادي الذي فرضته الدول العربية المحيطة بها، مما أضر بتصدير “إسرائيل” لمنتجاتها وجعل قيمة هذه المنتوجات ترتفع إذا ما أرادت أن تبيعها في أسواق بعيدة عنها بسبب ارتفاع تكلفة النقل، وهذا ما جعل هذا الكيان في حاجة دائمة إلى الدعم المالي الأمريكي، وقد أشار بعض الباحثين إلى أن قيمة عجز الولايات المتحدة الأمريكية يساوي تقريبا قيمة ديون الكيان الصهيوني لها، وهذا ما يدفع و.م.أ إلى أن تسهم بكل قوتها وتضغط على الدول العربية للتطبيع مع “إسرائيل” حتى تتخلص ولو قليلا من هذا العبئ الذي أصبح يثقل كاهلها، حيث كانت هذه الأخيرة هي الراعية لكل مفاوضات واتفاقيات “السلام” والتطبيع التي وقعتها الأطراف العربية مع “إسرائيل”.

وقد كان لتطبيع الدول العربية مع الكيان الصهيوني نتائج وخيمة على أنظمة وشعوب هذه البلدان، وسنستحضر هنا نموذج مصر باعتبارها أول دولة عربية طبعت علاقاتها مع الصهاينة سنة 1978 عندما وقع الرئيس المصري أنور السادات على اتفاقية “كامب ديفد”، إذ كان المرتجى أن تكون هذه الاتفاقية بادرة خير وانفراج اقتصادي على الشعب المصري وفاتحة سلام شامل على المنطقة –هكذا كانوا يروجون وبه كانوا يبررون- ولكن واقع الحال أثبت عكس ذلك تماما، فحروب المنطقة ازدادت كما ونوعا، والضيق الاقتصادي ازداد خنقا للشعب، والأخطر أن هذا التطبيع جاء للبلد بكل الرذائل واللعنات، كثير منها لم يسمع به شعب مصر من قبل ومن شأنها تقويض المجتمع من أساسه، فالتقارير والبيانات الرسمية الصادرة من جهات متعددة ناهيك عن واقع الحال المشهود تثبت أن الصهاينة استغلوا التطبيع أرذل استغلال في ترويج المخذرات والجنس والفاحشة والإيذز لضرب الإنسان المصري في مقتل، وروجوا الدولارات المزيفة والبذور والتقاوي (من أنواع البذور الزراعية) الملوِثة والمبيدات القاتلة لتدمير الاقتصاد المصري، ومارسوا أنواع خبيثة من التجسس للإضرار بالأمن القومي المصري.

واستهدف الصهاينة كذلك هوية وثقافة الشعب المصري، فبعد إنشاء مركز بحثي لها في مصر عملت على البحث في الأصول العرقية للشعب المصري وحاولت زرع بذور الفتنة بين مكوناته، وكذلك عملت على نفي أوجه الاختلاف الشديد بين اليهودية والإسلام، أما في قضايا التعليم فقد طالبت بمراجعة التاريخ والثرات الحضاري لمصر لإزالة المفاهيم السلبية على حد زعمهم، حتى تهيئ شعب مصر لتقبل “إسرائيل” كدولة صديقة وجارة لها تاريخ ومستقبل، وقد حرص الكيان الصهيوني منذ تطبيعه مع مصر على ضرورة فتح الأبواب أمام حركة الناس وتبادل المعلومات والثقافة والعلوم، إضافة إلى ضرورة مراجعة البرامج الدراسية وفحص ما يدرس وتحديد ما يجب حذفه، وعلى دراسة البرامج المتبادلة في وسائل الإعلام وعلى الأخص الإذاعة والتلفزيون، وأن يسمح “كل طرف للآخر” بإذاعة برامج ثقافية عن تاريخه ووثائقه حتى يكون ذلك فرصة للصهاينة ليوهموا الشعوب العربية أن لهم تاريخا ووثائقا لإثبات ادعائهم بأحقيتهم في فلسطين. وللحق فقد تحقق لهم الكثير مما أرادوا، فبرامج التعليم تمت مراجعتها وحُذف منها كل ما يتعلق باليهود من آيات قرآنية وأحاديث نبوية ووقائع تاريخية.

إن التطبيع مع الكيان الصهيوني لا يمكن أن يأتي بأي نفع للقضية الفلسطينية، بل هو في جوهره إضرار بها وتَخَلٍ عن شعبها، وهو أيضا وبال على الشعوب العربية وأنظمتها، وإن أي رهان على التطبيع لكسب نقاط في قضايا وطنية معينة هو رهان خاسر، وما نموذج مصر عنا ببعيد، فبعد كل هذه السنوات من التطبيع الصهيوني المصري لم يتحقق لمصر أي شيء بل كان التطبيع كله لعنات على دولة مصر وشعبها.

—————————————–

المراجع:

– المقرئ الإدريسي أبو زيد، أفهم القضية الفلسطينية ليكون لي موقف.

– المقرئ الإدريسي أبو زيد، فلسطين وصراع الإرادات: التطبيع إبادة حضارية.

– مصطفى الحيا، وجاء دور التطبيع.

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى