المسلمون والمولد النبوي

في مثل هذا الشهر ولد خير البشر والرحمة المهداة، النبي الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فكان ميلاده صلى الله عليه وسلم ميلاد رسالة وأمة وحضارة غيرت وجه التاريخ وبدلت الأرض، فعم في أرجائها الإيمان، وانتشر السلام، وأشرق النور على البَر والبحر والإنسان والحيوان والنبات والجمادات.

لقد بشر عيسى عليه السلام بمحمد صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ [الصف: 6].

ومن قبله دعا إبراهيم عليه السلام ربه أن يبعث في ذريته رسولا يعلمهم الكتاب والحكمة والأحكام فقال: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 129].

فبعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، قال سبحانه: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1].

وفي مدة لا تتجاوز سنواتها عدد أصابع اليدين، استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحقق أعظم إنجاز في منطقة كانت لها تلك الصفات، وأن يُحدث انقلابا جذريا في عواطف وسلوك وعقلية وأخلاق تلك الأمة، وفي مفاهيمها وأن ينقلها من العدم إلى الوجود ومن الموت إلى الحياة،.

لقد كان أهل الأرض يومها في مِلَل متفرّقة، وأهواء منتشرة، وطرائق مُتشتّتة، ثم أذن الله لليل أن ينجلي وللصبح أن ينبلج وللظلمة أن تنقشع، وللنور أن يسطع، فكان ميلاد المصطفى النبي المجتبى الذي بعثه الله جل وعلا ليُخرج الأمة من الوثنية والظلام إلى التوحيد والإسلام وينقذ الناس من التناحر والتفرق والآثام إلى العدل والمحبة والوئام.

لقد جاء بالتوحيد والعفاف والصلة والإحسان إلى الخلق بعد أن كان الناس يعيشون ضلالا في التصور، وضلالا في العقيدة، وضلالا في السلوك والأخلاق، فدعاهم صلوات ربي وسلامه عليه بالحكمة والموعظة الحسنة متمثلا قول الحق: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125].

وفي هذه الأيام تبتهج القلوب وهي تتذكر مولد خير الأنام، نبينا محمد عليه أفضل صلاة وأزكى سلام، الذي منَّ الله تعالى به على المؤمنين، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أهل لأن يعظم في سائر أيام السنة، وأن تُذكر سيرته العطرة في كل لحظة، لأنه المبلغُ لرسالة رب العالمين، الهادي إلى سواء السبيل، قال ربنا: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2].

فما أحوج الناس إلى تلك القيم التي جاء بها أعظم رسول، في هذا العصر المتلاطم الأمواج، حيث حلّت الوحشيةُ محل الرحمة، والرذيلةُ محل الفضيلة، والنفاقُ محل الصدق والإخلاص، وجميعها معاول هدم ودمار على العالم، وما المشاهد المأساوية التي نعاينها ويعيش عليها الناس اليوم، ما بين القتل والتشريد والحرمان والفقر إلا نتائج غياب الأخلاق والقيم التي جاء بها ودعا إليها الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام.

المصدر موقع الألوكة  (بتصرف)

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى