التواج يكتب : نظرات في سورة المزمل (2)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد :

فقد سبق أن أشرنا في المقال السابق أن سورة المزمل كلها خطاب مباشر للرسول صلى الله عليه وسلم، كما هو واضح من أولها: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}. ومعلوم  أن أول ما نزل من القرآن الكريم على الإطلاق صدر سورة (العلق)، التي تحث في مجمل آياتها على فضل العلم وتعلمه، ذلك العلم الباعث على الهدى، والمعين عليه.

 ثم نزلت سورة المدثر (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ) ؛ فبعد العلم تكون الدعوة إليه ونشره، والعلم والدعوة إليه متلازمان لا ينفكان؛ فلا يفتر المؤمن عن الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلال رحلة حياته، التي يستمر بها متعلمًا وعاملًا، عابدًا وداعيًا.

ثم نزلت سورة المزمل التي أَمر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيام الليل وترتيل القرآن فيه؛ ليكون ذلك أَعون له على تحمل أَعباءِ الرسالة.

والمقطع الأول من السورة الذي سنتناوله الآن هو قوله سبحانه وتعالى: { يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (1) نِصْفَهُ-و أَوُ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (2) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (3) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (4) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (5) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (6) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلِ اِلَيْهِ تَبْتِيلًا (7) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (8)}.

معاني الكلمات:

– الْمُزَّمِّلُ: :أي المُتَلَفِّفُ في ثيابه. وأصله: «المتزمّل»، فأدغمت التاء في الزاي.

– نِصْفَهُ أَوُ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ: أي قم للصلاة في الليل إلا يسيرًا منه. قم نصف الليل أو انقص من النصف قليلا حتى تَصِلَ إلى الثلث، أو زد على النصف حتى تصل إلى الثلثين.

– وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ: ترتيل القرآن قراءته على ترسل وتؤدة، بتبيين الحروف، وإشباع الحركات.

– قَوْلًا ثَقِيلًا: هو القرآن، أي ثقيل الفرائض والتكاليف.

– نَاشِئَةَ اللَّيْلِ: ساعاته الناشئة. وَكُلُّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الليلِ نَاشِئَةٌ.

– أَشَدُّ وَطْئًا: أي أثقل على المصلّي من ساعات النهار. وذلك لِأَنَّ الليلَ وَقْتُ مَنَامٍ،

فَمَنْ شَغَلَهُ بالعبادةِ فَقَدْ تَحَمَّلَ المَشَقَّةَ العظيمةَ.

– أَقْوَمُ قِيلًا: لأن الأصوات تهدأ فيه، ويتفرغ القلب للقرآن، ولا يكون دون تسمّعه وتفهمه حائل. والمراد: مواطأة السمع واللسان والقلب على الفهم والتدبر له.

– سَبْحًا طَوِيلًا: أي تصرّفا في حوائجك، وقضاء لمصالحك ذهابا ومجيئا. وذلك

يوجب اشتغال القلب وعدم تفرغه التفرغ التام.

– تَبَتَّلِ اِلَيْهِ تَبْتِيلًا: أي انقطع إليه ولعبادته من كل شيء، تَبْتِيلًا انقطاعا تاما. من قولك: بَتَلْتُ الشيء، إذا قطعته.

معاني الآيات الكريمة:

قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (1) نِصْفَهُ-و أَوُ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (2)}

نِدَاءُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} نِدَاءُ تَلَطُّفٍ وَارْتِفَاقٍ بِهِ وَتحَبُّبٍ إِلَيْهِ وَلِهَيْئَتِهِ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ فِي اصْطِلَاحِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ يقصد به الصَّلَاة فِيهِ مَا عَدَا صَلَاتَيِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَرَوَاتِبِهِمَا.

وَأَمْرُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِيَامِ اللَّيْلِ أَمْرُ وجوب وَهُوَ خَاصٌّ بِهِ لِأَنَّ الْخِطَابَ مُوَجَّهٌ إِلَيْهِ وَحْدَهُ، وخيره بين ثلاثة أحوال وهي ان يقوم النصف أو ينقص منه أو يزيد عليه ،وَأَمَّا قِيَامُ اللَّيْلِ لِلْمُسْلِمِينَ فَهُمُ اقْتَدَوْا فِيهِ بِالرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فِي أَوْقَاتِ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ. وَلَعَلَّ حِكْمَةَ هَذَا الْقِيَامِ الَّذِي فُرِضَ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِ رِسَالَتِهِ هُوَ تأهيله روحيا حتى يقَوى اسْتِعْدَادهُ لِتَلَقِّي ما يوحى إليه.

قوله تعالى:{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (3)}

أجمع المفسّرون على دلالة واحدة للترتيل، وهي: الترسّلُ والتبيين والتؤدة والتلبّث

والتأنّي والتمهّل في التلاوة، وهي جميعها معانٍ متقاربة، لكنهم ربطوا معنى الترتيل هذا برسالة القرآن، فجعلوه وسيلة لتدبّر القرآن وتلقّي خطابه كما يليق به. ولم يكن مجرّد معنى شكلي لا قيمة له في فهم خطاب القرآن وأدائه.

 قال ابن عطية (546 ه):  وَرَتِّلِ” مَعْناهُ في اللُغَةِ: تَمَهَّلْ وفَرِّقْ بَيْنَ الحُرُوفِ لِتُبَيِّنَ، والمَقْصِدُ أنْ يَجِدَ الفِكْرُ فُسْحَةً لِلنَّظَرِ وفَهْمِ المَعانِي، وبِذَلِكَ يَرِقُّ القَلْبُ ويَفِيضُ عَلَيْهِ النُورُ والرَحْمَةُ”.

وقال الامام الرازي (606 ه)ـ): :(واعلم أنه تعالى لما أمره بصلاة الليل أمره بترتيل القرآن حتى يتمكن الخاطر من التأمل في حقائق تلك الآيات ودقائقها، فعند الوصول إلى ذكر الله يستشعر عظمته وجلالته، وعند الوصول إلى الوعد والوعيد يحصل الرجاء والخوف، وحينئذ يستنير القلب بنور معرفة الله، والإسراع في القراءة يدلّ على عدم الوقوف على المعاني؛ لأن النفس تبتهج بذكر الأمور الإلهية الروحانية، ومن ابتهج بشيء أحبّ ذكره، ومن أحبّ شيئا لم يمر عليه بسرعة، فظهر أنّ المقصود من الترتيل إنما هو حضور القلب وكمال المعرفة”.)

قوله تعالى :{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (4)}

ذكر المفسرون معاني كثيرة للقول الثقيل، وهي من اختلاف التنوع في التفسير   وليست من اختلاف التضاد، والقرآن حمَّال أوجه فينبغي حمله على أحسن الأوجه، ويمكن إجمالُها فيما يلي:

1- الثقل في أداء التكاليف والأحكام المَبثوثة في القرآن الكريم. وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ هَذَا الثّقْلَ قَدْ يُخَفِّفُهُ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا فِي الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)}.

2- ثقل العلم بالقرآن، فالواحِد لا يَقوى على الإحاطة بمعانيه الكثيرة، وعلومه الواسعة.

3- الثقل الحسِّي المعنوي،من تجلِّياته الثقل على الذَّات النبويَّة الشريفة.

تقول عائشة رضي الله عنها: “إِنْ كَانَ لَيُوحَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَتَضْرِبُ بِجِرَانِهَا (جِرانُ البعير مقدَّم عُنقه من مذبحه إلى منحره)[1]. وهذا يعني أن الراحلة أو الدابَّة كانت -أيضًا- تشعر بالثقل الذي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يُوحى إليه.

وتقول عائشة رضي الله عنها: “وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا.”[2]

4- الثقل في وزن الثواب والأجر المترتب على قراءته والعمَل بمقتضاه.

عن النواس بن سمعان -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقولُ: «يُؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهلِه الذين كانوا يعملون به في الدنيا، تَقْدُمُه سورةُ البقرة وآلِ عمران، تُحاجَّانِ عن صاحِبِهِما”.[3]
قوله تعالى:{ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (5)}

يعلمنا الله سبحانه وتعالى أن قيام ساعات الليل وإحياءها بالعبادة من ذكر صلاة وتفكر وتدبر هي أشد وأثقل على القائم ليله من عبادة النهار؛ لأن القائم في الليل يجاهد نفسه ويهجر مهده، ويتجافى عن المضجع جنبه، وهذا أمر لا يستطيعه إلا من كان له إيمان قوي وعزيمة كبيرة. وهي كذلك أصوب قولًا وأحسن لفظًا؛ لأن الليل فيه تهدأ الأصوات، وتنقطع الحركات، ويخلص القول ويفرغ القلب ولا يكون هناك مانع أو حائل دون تفهم القرآن وتدبره.
قوله تعالى:{إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (6)
في هذه الآية تأكيد على المحافظة على قيام الليل، لأَنَّ النَّهَارَ زَمَنٌ فِيهِ ما يشُغْلُ الإنسان ولَا يَتْرُكُ مجالا للخَلْوَةً بِنَفْسِه. مع العلم أن شُغْلَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهَارِ  كان بِالدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ وَإِبْلَاغِ الْقُرْآنِ وَتَعْلِيمِ الدِّينِ. 

قوله تعالى :{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلِ اِلَيْهِ تَبْتِيلًا (7)}
هذه الآية معطوفة على قوله (قم الليل )والمعنى أكثر من ذكر ربك، فالذكر يعين العبد على أداء رسالته الدعوية وعلى أعماله الدنيوية، والذكر يعطيك قوة في بدنك، وقوة في قلبك، وقوة على مجابهة عدوك.

{وَتَبَتَّلِ اِلَيْهِ تَبْتِيلًا } هوغير التبتل المنهي عنه والمعنى: انقطع في العبادة وإخلاص النية انقطاعا يختص به، وليس هذا منافيا لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا رهبانية ولا تبتل في الإسلام) قال ابن حجر في الفتح: لم أره بهذا اللفظ، لكن في حديث سعد بن أبي وقاص عند الطبراني: (إن الله أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة)،[4]

وفي حديث سمرة بن جندب: “أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ نهَى عنِ التَّبتُّلِ”[5]

والمراد بالانقطاع المأمور به انقطاع خاص وهو الانقطاع عن الأعمال التي تمنعه من قيام الليل ومهام النهار في نشر الدعوة ومحاجّة المشركين. ولذلك قيل{ وتبتل إليه } أي إلى الله فكل عمل يقوم به النبي صلى الله عليه وسلم من أعمال الحياة فهو لدين الله فإن طعامه وشرابه ونومه وشؤونه للاستعانة على نشر دين الله. وليس هو التبتل المفضي إلى الرهبانية وهو الإِعراض عن الزواج وعن تدبير أمور الحياة لأن ذلك لا ينافي صفة الرسالة.والتبتل إلى الله لا يحصل إلا بعد حصول المحبة، والمحبة لا تليق إلا بالله تعالى .

قوله تعالى:{ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (8)

لما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالذكر أولا ثم بالتبتل ثانيا ذكر السبب فيه بعد ذلك، فهو رب كل شيء وخالقه ومدبره. وقد ناسبت هذه الآية، الآية التي قبلها، فجاءت تفسيرا أو بدلا عن الهاء في لفظ  “إليه” العائدة على لفظ “ربك” في قوله تعالى: (وتبتل إليه تبتيلا)، ولا يتحقق هذا الذكر على حقيقته ولا التبتل على كماله إلا بشهود حقائق هذه الآية، من ربوبيته سبحانه للعالم كله، لأن الله هو رب الجهات كلها .

 {لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ} فهو وحده الإِله، لأن كل من عداه في الكون فهو مألوهٌ له، وخاضعٌ لإِرادته، ومنقادٌ لتدبيره ، وذلك هو التصوّر الذي يوحي بالثقة والاستسلام له في كل شيء، والاعتماد عليه في كل قضية، والرجوع إليه في كل مشكلة.

{فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا } التوكل: هو اعتماد القلب على الله عز وجل في جلب المصالح، ودفع المضار، مع فعل الأسباب المشروعة التي نصبها الله، والتوكل من أعظم مظاهر العبودية. 

هدايات الآيات:

1- في هذا المقطع أسس بناء روح الداعية إلى الله، من توحيد وإخلاص وذكر وقيام وتبتل وصبر على الأذى ودعوة، قال  الشيخ الشاهد البو شيخي: “لابدّ لحَمْل الأمانة والقول الثقيل من الاستعدَاد اللازم. ومن اختير لذلك فليودِّع الركون إلى الراحة والإخلاد إلى النوم. لا تزمُّل بعد الحمل، وإنما هو قيامٌ وتشميرٌ.هذا واضح في مطلع السورة حيث جاء الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم  بقيام الليل… فإذن الذي سيحمل أمانة من جنس أمانة رسول الله  لابد أن يستعد لها بالزاد المناسب، وكذلك كل مسلم -في الحقيقة- ومسلمة من أمة محمد  هو حامل لأمانة الشهادة على الناس بحكم اتباعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حامل لأمانة التبليغ لهذا الدين.

وطريق الاستعداد الفردي اللازم هو خمس عزائم متتالية متكاملة.هي بالنسبة لجيل التأسيس عزائم يجب أن يعزموها فهي أمور كالفرائض :

أولا : قيام الليل: وفي جوفه يبدأ الإسراء والمعراج إلى الدرجات العلى.

ثانيا : ترتيل القرآن: وهو وقُودُ الرواحل أولي العزم إلى التي هي أقوم.

ثالثا : ذكر الله جل جلاله: وهو قوت القلوب، الواقي من الذنوب المانعة من دَرَكِ المطلوب.

رابعا : التبتل إلى الله جل جلاله: وهو دخول عالم الحرية بتمام العبدية والخدمة المولويّة للمولى جل وعلا.

خامسا: التوكل على الله جل جلاله: وهو ثمرةُ الوصول ومقتضى مشاهدة الربوبية والألوهية في قلوب أهل التبتُّل.[6]

2- الداعية لا يعيش لنفسه بل يعيش لأمته، يحمل همومها ويسعى إلى صلاحها ،قال سيد قطب:” إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحا ، ولكنه يعيش صغيرا ويموت صغيرا . فأما الكبير الذي يحمل هذا العبء الكبير . . فماله والنوم ? وماله والراحة ? وماله والفراش الدافئ ، والعيش الهادئ ? والمتاع المريح ? ! ولقد عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة الأمر وقدره ، فقال لخديجة – رضي الله عنها – وهي تدعوه أن يطمئن وينام : ” مضى عهد النوم يا خديجة ” ! أجل مضى عهد النوم وما عاد منذ اليوم إلا السهر والتعب والجهاد الطويل الشاق.”[7]

قال الشيخ محمد راتب النابلسي متسائلا عند تفسيره لسورة المزمل:

 “ما علاقتنا بهذه السورة ؟
نحن كما يقول معظمنا لسنا بأنبياء ولا مرسلين، ولكننا مؤمنون إن شاء الله، وعلاقتنا بهذه السورة هي أن نخرج من ذواتنا إلى خدمة الخلق، و أن نخرج من بيوتنا إلى الدعوة إلى الله، وأن نخرج من مصالحنا إلى نشر الحق، أن يعنينا أمر المسلمين، و نحمل همومهم، فلا أن نكتفي بهموم بيتنا وهموم أسرنا، و أن يكون نشر الحق شغلنا الشاغل، و أن تكون خدمتنا للخلق هدفنا الكبير، و هذه هي علاقتنا بهذه السورة، فالنبي عليه السلام لم يعش لنفسه ولا لأهله، بل ظلّ قائماً على دعوة الله، يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ، عبء الأمانة الكبرى في هذه الأرض وعبء البشرية كلها، وعبء العقيدة كلها، و عبء الكفاح والقتال في ميادين شتى.”[8]

3- شرف قيام الليل، وذلك أن الصلوات المفروضة يستوي في أدائها جميع المسلمين، ولكن التفاوت في الرتب ونيل الشرف والدرجات العلى يكون بالتقرب إلى الله تعالى بكثرة النوافل وأعمال الخير، ولذلك كان قيام الليل شرفا للمؤمن. ومما ورد في بيان فضله حديث أبي أُمامة الباهِليِّ رضي الله عنه عن رسولِ الله  صلَّى الله عليه وسلَّم قال: “عليكم بقيامِ اللَّيل، فإنَّه دأبُ الصالحين قبْلَكم، وهو قُرْبة لكم إلى ربِّكم، ومكفرة للسيِّئات، ومنهاةٌ عن الإثم”[9]

وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أتاني جبريل فقال: يا محمد ! عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس»[10]

والحمد لله رب العالمين

يتبع…..

ذ/ خالد التواج مسؤول قسم التربية 

[1] – مسند أحمد (24912)، وقال شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح.

[2] – البخاري: بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي.

[3] -صحيح مسلم، بَابُ فَضْلِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَسُورَةِ الْبَقَرَةِ.

[4] – فتح الباري،9/111.

[5] – سنن الترمذي، بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّبَتُّلِ.

[6] – جريدة المحجة، العدد 274. 26 سبتمبر، 2010.

[7] – في ظلال القرآن،6/3744.

[8] – موسوعة النابلسي، تفسير سورة المزمل.

[9] – رواه ابنُ خزيمة (1135).

[10] – رواه الحاكم والبيهقي وحسنه المنذري والألباني.

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى