دة الإدريسي: أعطى الرسول الكريم مكانة وتكريما خاصا للنساء، على كل امرأة أن تعتز وتفتخر به (حوار)

أجرى موقع الإصلاح مع الدكتورة حنان الإدريسي نائب رئيس حركة التوحيد والإصلاح حوارا  بمناسبة ذكرى  المولد النبوي الشريف، والموضوع هو ابراز تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع المرأة، وبيان مواقفه المشرقة في تقديره لمكانة المرأة ودورها الكبير في المجتمع.. وبهذه المناسبة نتقدم بالشكر الجزيل للدكتوره حنان الإدريسي على قبولها هذه الدعوة، راجين لها كل خير وبركة قي صحتها وأبنائها وعائلتها، ووقتها وعملها، وجعل الله هذا الحوار في ميزان حسناتها.

وإليكم نص الحوار:

السؤال الأول: كیف ترون أھمیة الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشریف في إبراز مكانة الرسول في كل جوانب الحياة؟

الجواب: أشكر موقع الإصلاح طرحه موضوع الرسول صلى الله عليه وسلم والمرأة، الحدیث عن الرسول صلى الله عليه وسلم مھم جدا، لأنه الأسوة بمعنى أنه موضع القدوة، قال الله تعالى: “لقد كان لكم في رسول الله إسوةحسنة لمن كان یرجو الله والیوم الآخر وذكر الله كثیرا”(سورة الأحزاب/21) ، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو  النموذج والمثال والمرجع البشري والإنساني في كل شيء، میزه الله تعالى بأمر مھم جدا ھو الخُلق العظیم، قال تعالى: “وإنك لعلى خلق عظیم”(سورة القلم/4).

وھكذا تمثل الرسول صلى الله عليه وسلم ھذا الخلق العظیم في معاملاته وعلاقاته وفي حیاته كلھا، كنبي؛ ولكن أیضا كزوج وأب وكقیادة سیاسیة وقیادة عسكریة، وكقاض وغير ذلك من المواقع، وما علینا إلا معرفة سیرته والاطلاع على تفاصیل حیاته الخاصة والعامة… لنتمكن من الاقتداء به واتباعه، قال الله تعالى:  “قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني یحببكم الله ویغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحیم”(سورة آل عمران/33)، فاتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ھو دلیل صدق محبة الله وھوالسبیل لنیل محبة الله أيضا  ومغفرته، فما أحوجنا في هذا الزمان  الذي غلبت فيه على العلاقات بین الناس المادیة والمصلحية بل والانتھازیة، أن نتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة في الأسر وفي المدارس وفي المستشفیات والإدارات والشركات وكافة مناحي الحیاة الاقتصادیة والسیاسیة والاجتماعیة وغیرھا.

السؤال الثاني: تحاول بعض الدعاوى إلصاق شبهات بالإسلام تخص معاملة المرأة والعناية بها. ھل یمكن أن تلقي لنا  الضوء على مواقف مشرقة لتعامل الرسول مع النساء في حياته؟

الجواب: قلنا إن الرسول ھو النموذج والقدوة والمثال في كل شيء، وھو بالتالي النموذج في التعامل مع المرأة، فإذا أردنا ان نعرف أحسن وأرقى نموذج للتعامل مع المرأة في البشریة كلھا في التاریخ الغابر وفي الحاضر، بل وحتى في المستقبل فھو سید الخلق محمد صلى الله علیه وسلم، ھو المعلم الأول في ھذا الأمر، وكثیرة ھي المواقف التي  تؤكد خلقه العظيم  صلى الله علیه وسلم في تعامله مع المرأة، والمكانة الراقیة التي میز بھا المرأة في حیاته ومن ھذه المواقف:

الموقف الأول یتعلق بنزول الوحي علیه صلى الله علیه وسلم، وھو حدث مھم وحاسم في حیاته وحیاة البشریة جمعاء، وكان أول شخص أخبره بھذا الحدث ھي زوجته السیدة خدیجة رضي الله عنھا عندما رجع لبیته باحثا عن الأمان یرجف فؤاده ويقول: زملوني زملوني، وقال لها: (لقد خشیت على نفسي)؛ بطبیعة الحال من ھول الموقف.. لم یقصد أحدا من الرجال وإنما اتجه إلى المرأة فھي أول من حظي بھذاالتكریم، وأيضا هي أول من آمن وصدق بالرسول صلى الله عليه وسلم وسجد بعده عليه الصلاة والسلام .

كما أن السیدة خدیجة كانت أول من نصر الدعوة قولا وعملا، عندما قالت وقلبھا ملؤه الیقین: “كلا أبشر.. فوالله لا یخزیك الله أبدا، والله إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضیف وتعین على نوائب الحق”(رواه الشيخان، واللفظ لمسلم)، ولم تكتف بالقول فقط ،بل أخذت الرسول إلى ابن عمھا ورقة بن نوفل لیجد عنده ما یطمئن قلبه صلى الله علیه وسلم، فكان قولھا وفعلھا بلسما مطمئنا لنفسیة الرسول صلى الله علیه وسلم بعد حدث نزول الوحي.

الموقف الثاني، ويتعلق بالقرارات السیاسیة والعسكریة الحاسمة للرسول صلى الله عليه وسلم وھو أمره بطرد قبیلة كاملة، وھي قبيلة بني قینقاع بسبب الاعتداء على امرة واحدة، عندما جاء یھودي في السوق خلف امرأة تبیع وتشتري ورفع ثوبھا عن رأسھا فجاء أحد المسلمین وقتله، فاجتمع الیھود على المسلم فقتلوه، فلما بلغ الخبر للرسول أخرج القبیلة بأكملھا، وھكذا نرى كیف أن دولة كاملة تحركت بسبب امرأة كُشفت عورتها، فأین نحن من انتھاك حرمات المسلمین نساء ورجالا، إلى درجة القتل في فلسطین وكشمیر والإيجور… وأماكن متعددة في العالم الإسلامي.

الموقف الثالث: للرسول صلى الله علیه وسلم حينما أخذ برأي امرأة في أزمة سیاسیة تجلت في عدم استجابة الصحابة في صلح الحدیبیة؛ عندما أمرھم الرسول بالتحلل من إحرامھم، وبأن یحلقوا رؤوسھم ویذبحوا ھدیھم، فلم یقم منهم أحد، فدخل الرسول إلى خیمته، كما تروي كتب السيرة، والغضب ظاھر في وجھه، فسألته أم سلمة رضي الله عنھا عما به، فقال لھا ھلك المسلمون أمرتھم أن ینحروا ویحلقوا فلم یفعلوا، فقالت یا رسول الله لا تلمھم فإنھم قد داخلھم أمر عظیم ما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصلح ورجوعھم بغیر فتح، ثم أشارت علیه أن یخرج ولا یكلم أحدا منھم وأن ینحر بُدنه ویحلق رأسه، ففعل كما قالت، فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا وحلقوا حتى كاد بعضھم أن یقتل بعضا من شدة مصارعتھم لفعل ما فعل النبي صلى الله علیه وسلم.

وھذا الموقف یبین الدور الكبیر الذي یمكن أن تقوم به المرأة الفاضلة كأم سلمة صاحبة الحكمة والعقل الراجح في اتخاد القرار الصائب الذي یساھم في وحدة الصف وتجاوز الأزمات، ومن جھة أخرى یبین كیف أن الرسول صلى الله علیه وسلم أخذ برأي السیدة أم سلمة رضي الله عنھا وكان فیه خلاص ھذه الأزمة.

الموقف الرابع: عندما قبل الرسول صلى الله عليه وسلم إجارة أم ھاني، (ومصطلح الإجارة حالیا ھو اللجوء السیاسي) في رجلین كانا یقاتلان المسلمین ولم یجدا أي حل إلا أن یلجآ إلى امراة وھي أم ھانئ أخت علي بن أبي طالب، فأجارتھم، وكان علي اختلف معھا في الرأي وكاد أن یقتلھما لولا أن التجأت إلى الرسول صلى الله علیه وسلم، وعرضت الأمر علیه فقال قولته الرائعة: “قد آجرنا من أجرت وأمنا من أمنت”، فھنا تتضح قیمة المراة في الإسلام وفي عیني رسول الله.

الموقف الخامس: وهو الموقف الذي قبل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم توسط أم سلمة عنده لیقبل توبة أبی سفیان ابن الحارث وعبد الله ابن أمیة بعدما رفض في البدایة، مما یوضح  الاعتبار الذي أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء وقراراتھن.

الموقف السادس: واضح كيف اهتم الرسول بإشراك المرأة في أمر الرسالة والدعوة والسياسة ونجده أيضا مهتما بطاقات نسائية متميزة مثل السيدة رفيدة أو “الدكتورة” رفيدة التي امتهنت التطبيب وتمريض الجرحى المصابين في ميادين المعارك وكانت تعلمت هذا العلم عن أبيها  ولقد أعطاها الرسول صلى الله عليه وسلم الإذن ببناء خيمه داخل المسجد النبوي في المدينة المنورة لتقديم الرعاية الصحية وأيضا تدريب المسلمات على هذه المهنة فكانت صاحبة أول مستشفى ميداني في الغزوات وكانت أستاذه في الطب وطبيبة عسكرية متفوقة بامتياز.

الموقف السابع: موقف آخر إنساني يتعلق بالمرأة ودورها كأم ؛ حين قال صلى الله عليه وسلم: “إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتھا فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم شدة وجد أمه من بكائه”(حدیث متفق علیه)، وھو ما یبین مدى مراعاة الرسول صلى الله علیه وسلم للمراة الأم وھو في عبادة تعتبر عمود الدین،  ألا وھي الصلاة، ومع ذلك یقصر الصلاة لأنه سمع بكاء صبي فأحس بمشاعر المرأة الأم التي تتأثر ببكاء ولدھا. وھذه مواقف نحتاجھا في زمن ظلمت فیھا الأم وظلمت معھا مشاعر الأمومة التي میز الله بھا المرأة، مع الأسف تحت مسمى المساواة الميكانيكية أو متطلبات العمل  التي لا تأخذ بعين الاعتبار الخصوصية التي ميزها الله بالمرأة في أصل خلقتها، وبالتالي في الدور المترتب عن هذه الخلقة كأم فتعیش الأم حالة من العذاب النفسي والشعوري عندما تعمل دون مراعاة الجانب الإنساني بما یكفل حیاة نفسیة متوازنة عندھا وعند ولدھا، وإذا كانت المرأة لا تلقي بالا لھذه المشاعر وتترك ولدھا طیلة الیوم، وقد تستعين بامراة أخرى وحلیب اصطناعي، فقد أثبتت الدراسات كلھا على أن الطفل یحتاج لأمه ولحلیب أمه ولرائحة أمه وإحساس ومشاعر أمه.

السؤال الثالث:  ما دلالة أن يوصي صلى الله علیه وسلم  بالنساء في آخر وصاياه قبل أن يلتحق بالرفيق الأعلى؟

أولھا أوصى بالنساء بعد الوصیة بالصلاة قال صلى الله عليه وسلك: “أیھا الناس الله الله في الصلاة، ثم قال أیھا الناس  اتقوا الله في النساء أوصیكم بالنساء خیرا”. الصلاة عماد الدین والحفاظ عليها دليل على قوة علاقة الإنسان بربه، فیبدأ بالوصیة بالصلاة، ثم  بعدھا یوصي بالنساء، بتقوى الله في النساء ویوصیھم بھن خیرا، مما یدل على أھمیة معاملة النساء ونهج الخیریة في ذلك وهذا أكيد دليل على رقي أخلاقي في العلاقات الإنسانية.

السؤال الرابع: تزخر السيرة النبوية بأحاديث تصور علاقة الرسول صلى الله عليه وسلم بالنساء في حياته. ما هي أبرز الصور التي تبرز التواصل الجميل مع أهله؟

كان عنوان علاقات الرسول صلى الله عليه وسلم بالمرأة في محيطه الخاص، الرحمة والرفق والمعاملة الكريمة: فمع ابنته كان صلى الله عليه وسلم إذا دخلت عليه فاطمة رضي الله عنها قام إليها وقبلها وأجلسها في مجلسه (رواه الترمذي).

ومع أخته من الرضاعة، بسط صلى الله عليه وسلم رداءه وقال لها سلي تعطي واشفعي تشفعي(البيهقي من حديث الحكم بن عبد الملك).

مع أمه، روى أبو هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه فبكى  وأبكى من حوله، ثم قال: استاذنت ربي أن أزور قبرها فأذن لي، واستأذنت أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت (رواه الحاكم).

أما مع زوجاته أمهات المؤمنين، فلقد سطر صلى الله عليه وسلم فنا راقيا في التعامل الزواجي، من شخصية مثقلة برسالة عظيمة وبتكليف من رب العالمين، ولكن معدنه الراقي وخلقه العظيم جعله في توازن بين حياته العامة كرسول للعالمين، وبين حياته الخاصة كزوج وأب وأخ إلى غير ذلك من الصفات الشخصية.

وكدليل على هذا جواب السيدة عائشة رضي الله عنها عندما سئلت من عدد من التابعين، ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته إذا كان عندك؟ قالت: كان رسول الله إذا خلا في بيته كان ألين الناس، وأكرم الناس، كان رجلا من رجالكم فقد كان ضحاكا وبساما، وما كان إلا بشرا من البشر، كان يكون في مهنة أهله (اي: خدمة أهله)يخصف نعله ويخيط ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاةد ولم يضرب بيده امرأة ولا خادما قط (رواه مسلم)، لنؤكد هنا منهجه صلى الله عليه وسلم في ترسيخ الرفق النابع من المودة والرحمة في الحياة الزوجية، في مقابل نبذ العنف الذي لا يأتي إلا بالشر.

كلمة ختامية:

ما قدمه الرسول صلى الله عليه وسلم للمرأة من مكانه عالية وتكريم خاص، يجعل كل امرأة تفرح بانتمائها وتعتز بان محمدا صلى الله عليه وسلم هو نبيها وتعمل جاهدة في حياتها لإحياء سنته والدفاع   عن القيم التي تمثلها  محمد صلى الله عليه وسلم في علاقته بالمرأة؛ سواء في الأسرة أو المجتمع أو الدولة، وأيضا تمثل التوجيهات التي قدمها الرسول صلى الله عليه وسلم للمرأة وعلى راسها  تقويه علاقتها بالله سبحانه وتعالى  وطلب العلم والأخلاق الفاضلة والاهتمام بالأسرة من موقع الرعاية والمسؤولية، وأيضا الوعي بقضايا دينها ومجتمعها وأمتها وبذل كل ما فيه نفع وتقدم لهم في توازن لا يخل بمختلف أدوارها خصوصا تلك التي ميزها الله بها.

موقع الإصلاح(س.ز)

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى