عبد الله كنون.. مسار عالم وارث العلم وخصم الاستعمار

يعتبر عبد الله كنون من أهم العلماء الذين عرفهم الغرب الإسلامي، فهو عالم عصامي ومفكر مغربي، وأحد أعمدة اللغة العربية بالوطن العربي، ساهم في إرساء قواعد النهضة العلمية والأدبية في المغرب، ورفض تقديم البيعة لابن عرفة الذي أرادت فرنسا تنصيبه ملكا.

المولد والنشأة:

ولد عبد الله بن عبد الصمد كنون يوم 16 سبتمبر/أيلول 1908 في مدينة فاس بالمغرب، لأسرة عريقة في العلم يعود أصلها إلى شرفاء أولاد كنون الإدريسيين، هاجرت من فاس إلى طنجة سنة 1914.

الدراسة والتكوين:

حفظ القرآن الكريم في طنجة على يد والده عبد الصمد كنون وعلى يد الشيخ أحمد بن محمد الوسيني وغيره من علماء طنجة، وحفظ بعض الأحاديث النبوية وتبحر في علوم الشريعة واللغة العربية والتفسير والتاريخ، واهتم بالأدب والشعر والصحافة.

واستطاع بجهده الخاص تعلّم الإسبانية والفرنسية، فكان يقرأ بنهم ويلتهم جُلَّ ما يصل إلى طنجة -الخاضعة للاستعمار- من كتب ومجلات وصحف.

ذاع صيته -وهو في العشرين من عمره- في المغرب والمشرق بسبب كتاباته في صحف ومجلات متنوعة في العالم العربي والإسلامي، منها مجلة “الرسالة” وصحيفة “الميثاق” لسان جماعة العلماء بالقرويين التي كان عضوا في مجلس إدارتها.

المسار:

نال كنون عضوية عدد من المجامع العلمية واللغوية والإسلامية في دمشق والقاهرة وعمّان وبغداد وغيرها، وكان أمينا عاما لرابطة علماء المغرب.

فتح أول مدرسة حرة بطنجة باسم “مدرسة عبد الله كنون الحرة”، واشتغل بالتدريس عام 1936، وأصدر مجلة دينية شهرية اسمها “لسان الدين”.

وقد شغل مناصب عديدة، منها: أستاذ في المعهد العالي وكلية أصول الدين بتطوان، ومدرس في المعهد الديني العالمي بتطوان، ووزير للعدل فيما عرف بالحكومة الخليفية بين سنتي 1954-1956، ومحافظا على مدينة طنجة عام 1957 لكنه قدم استقالته عام 1958.

وكان عضو المجلس الأعلى للتعليم الإسلامي في الرباط وتطوان، وعضو لجنة الأبحاث العلمية المشتركة في الرباط، ورئيس رابطة علماء المغرب 1961 وبقي في هذا المنصب إلى وفاته، وعضو المجمع العلمي العربي في دمشق 1955.

وانتخب عضوا عاملا ممثلا للمغرب في مجمع اللغة العربية في القاهرة عام 1961، وعضوا في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة عام 1974، وعضوا في لجنة تحرير “الموسوعة العربية للقرن العشرين” ببيروت عام 1975.

كما عين عضوا عاملا في أكاديمية المملكة المغربية ورئيسا للمجلس العلمي الإقليمي بطنجة عام 1981، وعضوا في المجلس العلمي الأعلى برئاسة الملك الحسن الثاني في العام نفسه.

كان عبد الله كنون من قادة الفكر والعمل الوطني، وانخرط في كتلة العمل الوطني عام 1934 ثم في الحزب الوطني عام 1937، ورفض تقديم البيعة لابن عرفة الذي أرادت فرنسا تنصيبه ملكا بعدما نفت الملك محمد الخامس إلى جزيرة مدغشقر.

بعد خضوعها لمضايقات من الاحتلال الفرنسي في المغرب، تركت عائلة عبد الله كنون فاس وانتقلت إلى طنجة، وكان عمره حينها ست سنوات فقط.

وتقول المصادر إن العائلة كانت تعتزم الهجرة إلى بلاد الشام لكن ظروف الحرب العالمية الأولى أجبرتها على تأجيل الرحيل ثم فضلت الاستقرار في طنجة.

بعد دراسته العلوم الدينية واللغوية بمدارس ومعاهد طنجة احتك عبد الله كنون بالثقافة الأوروبية عبر دراسته للغتين الفرنسية والإسبانية.

وفي سن مبكرة بدأ الكتابة في المجلات والصحف المغربية مما أكسبه شهرة داخل البلاد وخارجها.

واقتداء بمسيرة عائلته العلمية عاد عبد الله إلى فاس ودرس في جامعة القرويين حيث تضلع في العلم على أيدي كبار المشايخ، وكوّن صداقات مع رواد الحركة الوطنية والإصلاح في المغرب.

إقرأ أيضا: التواج يستعرض الخطوات المنهجية لتنزيل كتاب تفسير المفصل في المجالس التربوية

برز كنون وجها أدبيا وإصلاحيا ووطنيا، فقد احتفت الصحف بإنتاجه الشعري، وناضل من أجل رحيل الاحتلال الفرنسي وكان في طليعة المطالبين بالتعريب وتبني إصلاح اجتماعي وسياسي من منظور إسلامي.

ترك بصمته على الحقل الإعلامي والثقافي، فترأس مجلة “لسان الدين”، وجريدة “الميثاق”، إلى جانب إصدارات صحفية أخرى.

كان من دعاة التعريب، واتهم المدارس الفرنسية بتغييب الإسلام والعربية من مناهجها، فعمل مع آخرين على إنشاء ما سمي بالمدارس الحرّة.

وقد انخرط في العمل السياسي، فشارك في تأسيس “الجمعيّة الوطنيّة” التي تفرّعت عنها “كتلة العمل الوطني”.

عينه الملك محمد الخامس محافظا لطنجة واستقال من المنصب بعد سنة من تعيينه، وفي عام 1954 شغل منصب وزارة العدل.

وإلى جانب نشاطه السياسي والثقافي كان عبد الله كنون واحدا من كبار الفقهاء وعلماء اللغة مما أهله لتولي منصب أمين عام رابطة علماء المغرب، ونال عضوية مجامع اللغة العربية بالقاهرة ودمشق وبغداد.

عرف عبد الله كنون بدفاعه عن مكانة جامعة القرويّين وقدم للملك الحسن الثاني مشروعا لتنظيمها، مما أسفر عن تقسيمها إلى ثلاث كليّات: كليّة الشريعة في فاس، كليّة الدراسات العربيّة في مراكش، وكلية أصول الدين في تطوان.

نادى كنون بتحكيم الشريعة الإسلامية واعتبر أنه من أعظم الظلم أن تحكم أمة بشرع أمة أخرى.

وهو يرى أن أساس تخلف الأمة الإسلامية وتبعيتها للأجانب هو “إبعاد العلماء من حوزة الحكم ممارسة ومشورة”.

الوظائف والمسؤوليات:

عمل مدرّسا بعد تخرّجه ثم مديرا للمعهد الديني في طنجة وعين لاحقا محافظا لها. في عام 1954 شغل عبد الله كنون منصب وزير العدل. كما تولى الأمانة العامة لرابطة علماء المغرب، إلى جانب إشرافه على عدة جرائد ومؤسسات علمية وثقافية.

المؤلفات:

خلف عبد الله كنون كتبا عديدة في مجالات مختلفة أعدت عنها رسائل ماجستير ودكتوراه، ومن مؤلفاته: “النبوغ المغربي في الأدب العربي”، و”ذكريات ومشاهير رجال المغرب”، و”أدب الفقهاء”، و”مدخل إلى تاريخ المغرب”، و”جولات في الفكر الإسلامي”.

الأوسمة:

حصل على وسام الكفاءة الفكرية الكبرى من الملك الحسن الثاني عام 1969، ونال الدكتوراه الفخرية من جامعة مدريد المركزية.

الوفاة:

توفي عبد الله كنون يوم 9 يوليو/تموز 1989 في مدينة طنجة بالمغرب.

عبد الرحيم مفكير

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى